المهدي السجاري تثير التدخلات الأمنية لفض احتجاجات المعطلين تساؤلات كبيرة عن تعامل الحكومة مع الأشكال الاحتجاجية السلمية، رغم التصريحات الرسمية التي تؤكد على احترام الحق في التظاهر السلمي. مجموعات المعطلين، التي تخرج بشكل شبه يومي للاحتجاج من أجل التوظيف، تصف أشكالها الاحتجاجية بالقانونية، على اعتبار أن الدستور يكفل لجميع المواطنين المغاربة الحق في الاحتجاج السلمي، في مقابل من يعتبر أن أشكال الاحتجاج هاته، وعلى رأسها المسيرات الاحتجاجية، تشكل مبررا للسلطات من أجل التدخل، نظرا إلى عدم توفرها على ترخيص، وتسببها في عرقلة السير أو احتلال الأماكن العمومية. ويرى سعيد أزوكاغ، الكاتب العام لمجموعة الأطر العليا المعطلة المقصية من «محضر 20 يوليوز»، أن «التدخلات الأمنية لا تتم بطريقة قانونية، حيث لا يتم إعطاء إنذار قبل التدخل، الشيء الذي تنتج عنه إصابات يمكن تفاديها، كحالات الإجهاض لدى النساء الحوامل، وهناك أيضا الاستعمال المفرط للعنف، واستهداف مناطق حساسة في الجسم، والسب والشتم المبالغ فيه، إضافة إلى الاعتقالات التعسفية حتى خارج الأشكال الاحتجاجية المنظمة». ويؤكد أزوكاغ أن «مسيرات الأطر المطالبة بالتوظيف لا تعرقل السير، حيث تسهر لجنة على ضمان هامش للسيارات من أجل المرور، لكن تدخل قوات الأمن بهدف تفريقنا هو الذي يتسبب في عرقلة السير، كما نؤكد أن أشكالنا النضالية السلمية لا تمس بمصالح المواطنين». واعتبر أن «الأطر المعطلة سجلت تراجعا خطيرا على المستوى الحقوقي بالمقارنة مع الحكومة السابقة، فعدد الاعتقالات مرتفع، حيث قارب المائة شخص في ظل الحكومة الجديدة، وهذه مسألة خطيرة مقارنة مع الحكومات الثلاث السابقة، وطريقة التعامل مع الاعتصامات تؤكد هذا التراجع الحقوقي حيث يتم منع الأغذية والأدوية، كما حدث مع مجموعة محضر 20 يوليوز، هذا دون أن نغفل قضية «زيدون» التي تشكل سابقة خطيرة». موقف الأطر العليا المعطلة من تعاطي الدولة مع احتجاجاتها، يجد صداه لدى الجمعيات الحقوقية، التي لطالما أكدت على ضرورة احترام الحق في التظاهر السلمي، وراسلت المسؤولين الحكوميين عن التدخلات الأمنية في حق المحتجين. ويرى عبد الإله بنعبد السلام، نائب رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن «الأطر المعطلة تتظاهر بشكل سلمي، وهذا حق منصوص عليه في العهد الدولي للحقوق الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، الذي صادق عليه المغرب، وبالتالي فلغة العصا هي لغة مناقضة لادعاءات احترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، وطريقة فض جميع التجمعات العمومية التي يقوم بها المعطلون تعرف إفراطا في استعمال القوة العمومية، بل لا يتم احترام المقتضيات القانونية الخاصة بتفريق المتظاهرين». ويشدد بن عبد السلام على أن «حكومة تتحمل مسؤولية تدبير شأن البلاد لا يمكن لها أن تعتبر تدخلات قوات الأمن لا تتم تأمرها، وإلا فإنها ليست بسلطة تنفيذية، وبالتالي فرئيس الحكومة يتحمل المسؤولية، ومن المفروض أن الجهات الأمنية أو الوزارية التي لا تنضبط لرئيس الحكومة، عليه أن يتخذ في حقها الإجراءات اللازمة، وبالتالي يجب أن يكون هناك تعاطي موضوعي مع هذه القضية». لكن موقف الحكومة من الاحتجاجات ظل دائما مؤكدا على الحق في التظاهر السلمي، وأكد عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، ومصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، في عدد من المناسبات أن الحكومة ستعمل على ضمان حق التظاهر السلمي والاحتجاجات، دون التساهل مع الممارسات السلبية التي تمس بالنظام العام، كعرقلة السير أو احتلال الأماكن العمومية. وزير العدل والحريات أكد لمجموعة من الأطر المعطلة، خلال تنظيمها وقفة احتجاجية أمام وزارة العدل والحريات، أن «الحكومة اتخذت قرارا بعدم التدخل في الوقفات الاحتجاجية السلمية، وإذا ما انتهجت قوات الأمن مقاربة أخرى فستتم إعادة الأمور إلى نصابها»، لكن الواقع أثبت عكس ذلك، وتدخلت قوات الأمن لمنع احتجاجات سلمية، في تناقض واضح بين خطاب الحكومة، وممارساتها في الشارع. ورغم تنصيص الفصل 29 من الدستور على حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأكيد الفصل 22 على أنه «لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة»، فإن الواقع يؤكد عكس ذلك، في ظل استمرار استعمال القوة لفض الاحتجاجات السلمية. وفي ظل حالة شد الحبل بين المحتجين والدولة، فإن توضيح العلاقة بين الحق والقانون سيشكل تحولا جذريا للخروج من نفق السعي نحو الحقوق، من خلال انتهاك حقوق الآخرين، أو فرض سلطة القانون، من خلال انتهاك القانون نفسه.