بعد 45 سنة فقط من إطلاق حركة النضال من أجل الحقوق المدنية التي تزعمها في الستينات مارتن لوثر كينغ، والتي كانت تطالب بالمساواة بين البيض والسود في أمريكا وحق جلوس امرأة سوداء إلى جانب أخرى بيضاء في الحافلة والمدرسة والمطعم. بعد 45 سنة فقط، استطاع المجتمع الأمريكي أن يحل جزءا كبيرا من عقدة الفصل العنصري التي كانت تلاحقه عبر تاريخه. والفضل في هذا الإنجاز العظيم يعود إلى المستر بوش وفريقه من المحافظين الجدد الذين قادوا أمريكا والعالم إلى حافة الهاوية، ودفعت أخطاؤهم القاتلة البيض إلى نسيان اللون وهم عند عتبات مكاتب التصويت. المؤرخون يعرفون أكثر من غيرهم أن الكثير من الأحداث والأفكار والأشخاص والوقائع تساهم إلى حد كبير في خلق نقيضها عندما تتجاوز حدود المنطق والعقل، وهذا ما حدث بالضبط مع بوش وباراك حسين أوباما الذي فاز أمس ببطاقة الدخول إلى البيت الأبيض كرئيس للولايات المتحدة رقم 44. أجمل ما قاله جون ماكين، منافس أوباما المهزوم، أمس هو: «إنه من اليوم ينبغي ألا يكون هناك أي سبب يمنع أي أمريكي من أن يعتز بانتمائه إلى هذا البلد»، أي أن عقدة العنصرية، التي صاحبت ميلاد الأمة الأمريكية، قد تعرضت أمس لضربة قوية، وإذا توفرت عناصر أخرى في المستقبل فربما تموت إلى الأبد كحاجز سياسي واجتماعي أمام خلق مجتمع متعدد الأعراق، ديمقراطي اجتماعيا كما هو سياسيا، بلا لون سوى الكفاءة والعمل والكسب... أوباما لم يهزم فقط جون ماكين، بل هزم عقدة الخوف التي زرعها المحافظون الجدد في عقول وقلوب الأمريكيين، واستطاعوا أن يأخذوا القوة العظمى الأولى في العالم رهينة لمدة 8 سنوات من أجل تحقيق أحلامهم المدمرة عن دولة شبيهة بالمدفع تخرق القانون الدولي وتتلاعب بالأمم المتحدة، وتمزق اتفاقات الحفاظ على البيئة، وتسخر من المحكمة الجنائية الدولية، وتخوض حربين في أقل من سنة، وتهيئ لثالثة ورابعة ضد إيران وسوريا وبقية الدول المارقة التي تنتمي، حسب أعراف بوش، إلى محور الشر. الفرق بين المجتمعات الحية والأخرى الميتة هو أن الأولى تصحح أخطاءها وتعاقب من خدعها، أما الثانية فإنها تستسلم لسارقها وتبرر جرائمه حتى يقتل نفسه ويقتلها. لقد وظف بوش حربه على القاعدة وزعيمها بن لادن ليسرق ولاية ثانية من الرئاسة، واليوم، ومع الأزمة الاقتصادية والحرب المدمرة في العراق وأفغانستان، استيقظ الشعب الأمريكي الذي لم يسبق له أن شارك بهذه الكثافة في انتخابات رئاسية منذ 100 سنة... لقد توجه 66 % من الشعب الأمريكي نحو صناديق الاقتراع، ووقفوا طابورا طويلا في طقس بارد في انتظار أن يدلوا بصوتهم، لأن لهذا الصوت قيمة كبيرة.. إنه يقتل سلطة وبرنامجا ومشروعا، ويعيد خلق سلطة جديدة بأفكار جديدة... قلبي مع العالم الثالث الذي يتابع الديمقراطية عبر التلفزة لأنه لا يتوفر على ديمقراطية حقيقية على الأرض، ولا يبدو أنه سيعثر عليها قريبا.