رفضت حكومة بنكيران التعديل، الذي تقدم به الفريق الفيدرالي بمجلس المستشارين، والقاضي بفرض ضريبة على الثروة، بحجة صعوبة تطبيقه. وقد تخوفت الحكومة من تنامي ظاهرة تهريب الأموال، إذ صرح إدريس الأزمي، الوزير المكلف بالميزانية، في إطار تعليله للرفض، أن العديد من الدول تراجعت عن هذا المقتضى، لأنه بدون جدوى اقتصادية، لكن الخبير الاقتصادي نجيب أقصبي قال ل«المساء» إن حكومة بنكيران حكومة محافظة، أي أنها تحافظ على الهياكل الاجتماعية والاقتصادية القائمة، وأن أقوالها ليست كأفعالها. ابتدأ النقاش حول فرض ضريبة على الأثرياء منذ أن اقترح الفريق الفيدرالي بمجلس المستشارين في نهاية الولاية الحكومية السابقة تعديلا لفرض ضريبة على الثروة. إذ تقدم بمقترح، أثناء مناقشة القانون المالي في لجنة المالية بمجلس المستشارين، يوجب على كل مغربي تزيد ثروته عن ملياري سنتيم دفع 10 ملايين سنتيم للدولة ضريبة سنوية، إسوة ببلدان مثل النرويج وسويسرا وفرنسا. وقد اقتربت حكومة عباس الفاسي من الاقتناع بوجاهة المقترح، في ظل الضائقة المالية التي يعيشها المغرب، وارتفاع متطلبات صندوق المقاصة وارتفاع نسبة العجز، قبل أن تقترح، في نهاية ولايتها، التحضير لإحداث صندوق للتضامن تكون مصادره التمويلية مما ستتم جبايته من مستحقات ضريبية ستفرض على ذوي الدخل المرتفع من الأثرياء. حكومة الفاسي تتراجع كانت حكومة عباس الفاسي تنوي إحداث صندوق للتضامن تستفيد منه الفئات الفقيرة والمتوسطة وأصحاب الدخل المحدود، وكان منتظرا أن يتم تمويل الصندوق عبر فرض ضريبة إجبارية على أصحاب الدخول المرتفعة، استنادا إلى معايير مضبوطة تحدد الفئات المستهدفة وكذلك الممتلكات التي تستوجب فرض مثل هذه الضرائب كما هو معمول به في العديد من الدول.إذ سيتم استخلاص هذه الضريبة مقابل الفرق الذي تدعمه الدولة من مواد استهلاكية في إطار صندوق المقاصة من قبيل المحروقات، كما هو الحال بالنسبة لأصحاب السيارات الفارهة الذين يستهلكون آلاف اللترات من البنزين المدعم. وكانت هذه الإجراءات ستطبق استجابة لمجموعة من المطالب كانت قد رفعتها قوى سياسية وهيئات من المجتمع المدني اعتبرت أنه من غير المنصف أن يستفيد أصحاب الدخول المرتفعة من دعم صندوق المقاصة، في الوقت الذي من المفروض أن يذهب هذا الدعم إلى الفئات الفقيرة والمتوسطة لمواجهة تقلبات الأسعار والحفاظ على معدل تضخم لا يتجاوز 2 في المائة. لكن هذا المقترح تم إقباره نظرا لعدم تقبل الباطرونا، وخصوصا رئيسها السابق، الذي عبر غير ما مرة عن رفضه لهذه الضريبة. الباطرونا تتصدى للمقترح وقد عبر محمد حوراني حين كان على رأس الاتحاد العام لمقاولات المغرب عن موقف الباطرونا الرافض لفرض ضريبة على الأغنياء بالقول إنه من واجب الاتحاد اتخاذ موقف، وحذر من فرض الضريبة لأنه خلص عبر بحث بالإنترنيت حول تجارب بعض الدول التي تفرض مثل هذه الضريبة على أغنيائها أن عددا كبيرا من هذه الدول قررت حذف هذه الضريبة، لأن لها عدة سلبيات، مضيفا أن المغرب كذلك لديه ضرائب موجودة ومقننة، لكنها لا تطبق. وأشار حوراني إلى أن الوعاء الضريبي لا يزال ضيقا جدا، وبدل خلق ضرائب جديدة مثل هذه الضريبة على الأغنياء، مع فرضية نجاحها أو فشلها، يجب تحيين الضرائب الموجودة وتطبيقها، مما سيوسع الوعاء الضريبي. وهذا الهدف يجب على الدولة الانخراط فيه، قبل التفكير في ضريبة جديدة. من جهة ثانية، لاحظ حوراني، بأن فرنسا، مثلا، وهي المتمسكة بفرض هذه الضريبة منذ القدم، قامت مؤخرا بمراجعة الضريبة على الأثرياء وقلصت نسبتها إلى أقصى حد، وأصبحت الآن مقتصرة على أصحاب الغنى الفاحش جدا، وكأن هذه الضريبة أصبحت ملغاة، مضيفا أن الدولة فطنت إلى أن رؤوس الأموال بدأت تهرب إلى بلدان أخرى حيث لا وجود لمثل تلك الضريبة، وبالتالي فهروب رؤوس الأموال هو من جملة المخاطر التي تهدد أي بلد يفرض ضرائب على الأثرياء، «فنحن لسنا ضد فرض ضريبة على الثروة، بل نقول: حذار لأن أي خطوة يجب أن تسبقها نقاشات، كما يجب التأكد من خلوها من الأضرار على الاقتصاد الوطني» يضيف حوراني.
مجلس المستشارين يدخل على الخط قامت لجنة المالية منذ عدة أسابيع بمجلس المستشارين بخطوة أولى في اتجاه إقرار ضريبة تضامنية تستخلص من ثروات الأغنياء، في انتظار المصادقة النهائية، في جلسة عمومية، على مشروع سبق لحكومة عبد الإله بنكيران أن أقرت بصعوبة تطبيقه. وحاز مقترح تعديل تقدم به الفريق الفدرالي للوحدة والديمقراطية، يقضي بفرض مساهمة ضريبية على أموال وثروات الفئات الميسورة، على 10 أصوات داخل لجنة المالية بمجلس المستشارين، مقابل 9 مستشارين صوتوا ضد التعديل. واقترح الفريق الفيدرالي، في التعديل المصادق عليه، احتساب 1 في المائة على ثروة تتراوح ما بين عشرة ملايين وأقل من ثلاثين مليون درهم، وإقرار نسبة 1.5 في المائة على الثروات التي تتراوح بين ثلاثين مليون إلى أقل من خمسين مليون درهم. أما الثروات التي تفوق هذا الحجم فاقترح الفريق أن تطبق عليها نسبة 2.5 في المائة. وطالب الفريق الفدرالي كذلك بتوسيع قاعدة المساهمين من أجل دعم التماسك الاجتماعي ليشمل كل الشركات التي تحقق أرباحا صافية بدءا من 10 ملايين درهم، لرفع مداخيل صندوق دعم التماسك الاجتماعي، لتصبح 1 في المائة نسبة مساهمة كل ربح صاف من 10 ملايين درهم إلى أقل من 50 مليون درهم، و1.5 في المائة نسبة مساهمة كل ربح صاف من 50 مليون درهم إلى أقل من 100 مليون درهم، و2.5 في المائة نسبة مساهمة كل ربح صاف من 100 مليون درهم وما فوق. الصندوق بدل الضريبة استطاعت الأغلبية الحكومية إبعاد مقترح الفريق الفيدرالي، وبالتالي إلغاء الضريبة على الثروة التي اقترحها الفريق الفيدرالي. ومن أجل حفظ ماء الوجه، اتجهت الحكومة إلى خلق صندوق للتماسك الاجتماعي سيتم دعمه بواسطة ضخ نسبة من أرباح الشركات الكبرى. وأثار صندوق التماسك هذا، مثل مقترح فرض الضريبة على الثروة، نقاشا حادا داخل لجنة المالية حيال الطريقة التي يجب التعامل بها مع الذين يحققون أرباحا مالية باهظة، حيث انقسم أعضاء اللجنة إلى مجموعتين. الأولى تؤكد أن الأغنياء والشركات ورجال المال والأعمال مطالبون بالتضامن مع الطبقات المسحوقة عبر رفع مخصصات صندوق التضامن أو التماسك الاجتماعي، لأن ذلك يعد «بمثابة أداء ضريبة على استقرار البلد»، وتجاوز «الاحتقان الاجتماعي»، الذي برز بشكل لافت في مدن عديدة. وتمثل هذه المجموعة فرق المعارضة. أما المجموعة الثانية، التي تؤكد أنها «مع دفع أصحاب المقاولات مساهمة التضامن الاجتماعي بقسط من الأرباح، لا تتجاوز نسبا معينة، حتى لا يشعروا بالضغط الممارس عليهم، ويضطروا بعد ذلك إما إلى إغلاق مقاولاتهم ونقل أموالهم خارج المغرب أو التقاعس عن تحقيق الربح، وبالتالي إضعاف التنافسية». وصرح إدريس الأزمي الإدريسي، الوزير المكلف بالميزانية، أن «مخصصات الشركات لصندوق التماسك الاجتماعي ليست ضريبة، حيث سيتم تعداد نسب المساعدة المالية المقدمة، بناء على حصيلة بعض المقاولات لسنة 2011». وأكد الأزمي أنه «ستحدث، ابتداء من تاريخ نشر قانون المالية بالجريدة الرسمية، برسم سنة 2012، مساهمة من أجل دعم التماسك الاجتماعي، تتحملها الشركات، وتحتسب تلك المساهمة على أساس مبلغ الربح الصافي للسنة المحاسباتية المصرح بها برسم الضريبة على الشركات، باقتطاع نسبة 1.5 في المائة من مبلغ الربح الصافي من 50 مليون درهم إلى أقل من 100 مليون درهم، وبنسبة 2.5 في المائة من 100 مليون درهم وما فوق».