ينشط التهريب، بمختلف طرقه وأساليبه، عبر الحدود المغربية الجزائرية.. تهريب أضحى يُمارَس جهارا وارتفعت حدته بعد «الربيع العربي».. منتوجات متعددة ومتنوعة ينقلها «الناشطون» عبر الحدود، ولكل عمل ثمنه، ويبقى «المال» السبيل إلى «شراء الطريق» من المسؤولين على الحراسة، حيث «يتّحد» المغاربة والجزائريون حول «مهنة» اسمها التهريب. مقاتلات لجلب الوقود على طول الطريق بين مدينة وجدة والسعيدية، يباع «البنزين» المهرَّب من الجزائر بالتقسيط، لك أن تختار «القلة»، أي خمس لترات، أو «البيدو»، والمقصود به محليا 30 لترا. ويكون الترويج للسلعة علانية وفي واضحة النهار. تحولت عدد من منازل مدينة وجدة إلى خزانات للبنزين، خصوصا في ضواحي المدينة، بعدما أفلست عدد من محطات البنزين الوطنية. على طريق سيدي يحيى تتحرك «مقاتلات»، كما عاينت ذلك «المساء»: سيارات لجلب السلع المهربة تقتل كل من اعترض سبيلها.. تحمل أطنانا من الوقود الجزائري. ولم تعد المقايضة بالسلع هي الطريقة الوحيدة، كما كان في السابق، بل إن الأمور «تطورت» وأضحى التفاهم بين الوسطاء على المال، فمثلا يتم الاتصال هاتفيا بالمزود بالوقود ويتم الاتفاق معه على أن شخص في الجزائر سيمنحه المال، وهكذا إلى نهاية العملية.. يشرح أحد المطلعين على طرق التهريب ووسائله. «إن العمل في مجال التهريب يحد من البطالة ويوفر فرص الشغل، ماذا سنفعل إذا لم نعمل في هذا القطاع، هل هناك معامل أو مصانع؟» يجيب عبد الله، في سؤال ل«المساء» عن سبب عمله في مجال التهريب. يعمل المهربون كفريق متجانس ومتكامل. لا مجال للخطأ، هناك من تكون مهمته حراسة المكان الذي ستمر منه «المقاتلة» والتأكد من أن مرورها سيكون بعيدا عن أعين السلطات المحلية، وسيلة عمله هي الهاتف، يعطي عبره الإشارة للمهرب كي يمر، يوضح أحد العاملين في المجال، لذلك فوجود شباب جالسين على قارعة الطريق ليس اعتباطيا. تخلف «المقاتلات» سنويا عددا من الضحايا دون تعويض، لأن سائقيها مُدرَّبون على الفرار في حالة وقوعهم في الخطأ، كما أن السيارات لا تتوفر على وثائق ولوحات ترقيمها مزورة. تُحمَّل «المقاتلات»، وأيضا الدرجات النارية، يوميا بالسلعة الأكثر رواجا وهي البنزين، والذي صنّفه أحد بائعيه إلى صنفين: «البنزين العادي»، والذي يسمى «الأحمر، و«البنزين الممتاز»، الذي يسمونه «الأبيض»، والذي يوجد مثيله في المغرب، ويتساويان في الثمن تقريبا. فثمن «القلة»، أي خمس لترات، لا يتجاوز في الظروف العادية 25 درهما، غير أنه عندما تشدَّد المراقبة على الحدود، فإن ثمن الوقود يرتفع، حسب أحد المهربين. جعل الاستهلاك اليومي للوقود الجزائري من لدن سكان الجهة الشرقية مرصدَ التهريب، التابع لغرفة التجارة والصناعة في وجدة، يدق ناقوس الخطر، من خلال تقريره السنوي لسنة 2011، والذي رصد فيه واقع التهريب، وجاء فيه: «في ظل غياب مخزون إستراتيجي للوقود الوطني في الجهة الشرقية وفي ظل إفلاس وإغلاق العديد من محطات الوقود في مدن الجهة الشرقية، ماذا عن حظيرة سيارات وآليات المنطقة وعن القطاع الفلاحي والصناعي، إذا ما استمرت الأزمة أو قررت الجزائر، يوما ما، منع الوقود المهرب من الوصول إلينا؟».. سؤال تم طرحه انطلاقا من ارتفاع ثمن البنزين الجزائري في شهر دحنبر 2011، حيث ارتفع ثمنه بحوالي 100 %، إذ تحوّلَ ثمن البرميل من سعة 30 لترا مما بين 120 و130 درهما إلى 240 درهما أو أكثر.. فاقترب بذاك من ثمن وقود المحطات المغربية، الأمر الذي دفع العديد من المواطنين الذين تعودوا على استعمال الوقود الجزائري المهرَّب إلى ملء خزانات سياراتهم بالوقود المغربي. وأرجع التقرير أسباب الارتفاع في ثمن الوقود الجزائري المهرب إلى مشاكل في تموين محطات بيع الوقود في الغرب الجزائري، والتي كانت تُمكّن المهربين الجزائريين (الحلاية) من ملء خزانات سياراتهم بالوقود وشحنه في براميل نحو الشريط الحدودي الجزائري -المغربي لمقايضته بسلع مغربية تمون الأسواق الجزائرية. وتكمن أزمة التموين في الجزائر في إغلاق مصفاتين لتكرير البترول (مصفاة أرزيو ومصفاة الجزائر) من أجل الترميم. أدوية وسلع جولة في سوق الفلاح في مدينة وجدة كافية للتمييز بين السلع الجزائرية المُهرَّبة وبين باقي السلع التي تجدها أيضا مهربة عن طريق «امليلية». تقترب فدوى من بائع «الأغطية والأفرشة» لتسأله عن مدى توفره على «دواء» معين.. يطلب منها أن تعود إليه في اليوم الموالي، وعند سؤالنا إياه عن الأدوية المهربة التي يتم ترويجها حاليا، يتكتم على الأمر ويرفض الحديث، مدّعيا أنه لا يبيع سوى السلعة المعروضة.. مبررا ردة فعله بأنه لم يعتد على «الفضول والتدخل في شؤون خاصة»، على حد تعبيره أنواع مختلفة من المواد المهربة يصعب سردها، ويقدر عددها الأكثر تداولا في السوق بما يناهز 422 منتوجا، وفق غرفة الصناعة والتجارة في وجدة، التي ترى أن ما يُرصَد في الأسواق حاليا أكثر بكثير مما يروج في الأسواق، حسب تقارير للغرفة. تختلف هذه المنتوجات في كل سنة، ولعل ما ميز سنة 2011 هو انتشار تجارة زيوت المائدة المعبأة في قنينات مهربة من الجزائر «عافية» و«أليو» وغيرهما سواء في مدينة وجدة وبني درار أو في بركان وغيرها. تشكّل هذه الزيوت خطرا على الصحة، حسب مرصد التهريب، والذي ذكر في تقرير السنوي أن هذه الزيوت لا تخضع لشروط المراقبة الصحية المعمول بها قبل تداولها في السوق، وبالإمكان احتواؤها على مواد سامة في حالة انتهاء صلاحيتها، كما ثبت بالفعل.. وإلى جانب الزيوت، هناك الأدوية الحيوانية والأدوات البيطرية المهربة من الجزائر، ويتعلق الأمر، وفق التقرير ذاته، بعلب من الأدوية «المضادات الحيوية»، منها الأوكسيتيتراسيكلين والأميسينين والميفوتكس والميداتكس.. ثم هناك اللقاحات ضد المرّارة عند الأغنام وكل اللقاحات ضد أمراض الدواجن وكذلك الأدوية ضد الطفيليات المعوية والرئوية للأغنام والأبقار.. هذه السلع غير خاضعة للمراقبة في الأسواق الوطنية ولها تأثير سلبي وخطير على اقتصاد البلاد وعلى صحة القطيع الوطني. بوذنيب بدون محطة.. أغلقت محطة الوقود الوحيدة الموجودة في مدينة بودنيب ولم يعد لها وجود، لأن البنزين الجزائري هو السلعة الرائجة، لأن الحدود لا تبعد إلا بما بين 17 و70 كيلومترا، حسب الامتداد الجغرافي لها. عرفت المدينة عددا من الوقائع بسبب التهريب، ومنها تفكيك عصابة لتهريب المخدرات حجزت لديها كمية كبيرة منها، إلى جانب السلاح، وضمنها أفارقة من مالي، ما زال التحقيق جاريا مع عناصرها، ولم يتم البت في القضية بعد، حسب ما أكد مسؤول محلي في المدينة. حكاية أخرى ما زال السكان يتداولونها، وهي قصة الجِمال المُهرَّبة التي تم ضبطها ووضعها في المحجز البلدي للجماعة القروية «واد النعام»، غير أن أصحابها الذين هرّبوها استطاعوا، بوسائلهم الخاصة، أن يسترجعوها، ففي الصباح، اكتشف المكلف بالمحجز أن الجمال قد «اختفت» مع أنه كان قد أحكم إغلاق الباب عليها.. وإذا كان المهرّبون «يغرقون» السوق المغربي بعدد من المنتوجات، أهمها الوقود الجزائري، الذي يلقى إقبالا متزايدا، فإن السوق الجزائرية، بدورها، تموَّنُ بعدد من المنتوجات المغربية، ولاسيما المنتوجات الفلاحية والنسيجية، وهكذا تجد عدة خضر وفواكه طريقها إلى الجزائر، كالبطاطس والطماطم والبصل والفلفل وحتى الجزر واللفت والقرع... وكذا الزيتون في موسم جنيه، والفواكه الموسمية، كالبرتقال والتفاح والبطيخ، بجميع أنواعه، والعنب والموز وغيرها وكذا أنواع أخرى من السلع والمنتوجات المغربية، كمعلبات السردين والتوابل والحناء والفول السوداني (الكاوكاو) والأحذية والملابس التقليدية وسراويل «الدجينز» دون أن ننسى قطعان الأغنام، خاصة بمناسبة عيد الأضحى، حسب تقرير مرصد التهريب. تهريب أنعشه «الربيع العربي»، حسب تقرير رسمي لغرفة الصناعة والتجارة، التي تحدثت في آخر تقرير لها عن أن التهريب على مستوى الشريط الحدودي، خصوصا بالنسبة إلى وجدة وبني ادرار، قد تراجع في السنوات الأخيرة، إلا أنه ارتفع بشكل كبير في سنة 2011، وأرجع التقري ذلك إلى «الربيع العربي».