بايتاس : الشائعات حول التلقيح تزيد من تفشي داء الحصبة    أمن فاس يُطيح بمحامي مزور    بايتاس ينفي تأثر "الانسجام الحكومي" ب"تراشقات" قيادات أحزاب التحالف ويرفض فرض الوصاية على الفضاء السياسي    إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب.. وزارة الصحة تواصل تنفيذ التزاماتها بخصوص تثمين وتحفيز الموارد البشرية    فيلم "إميليا بيريز" يتصدر السباق نحو الأوسكار ب13 ترشيحا    مجلس النواب يعقد جلسته العمومية    مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون يتعلق بالتنظيم القضائي    الجزائر تسلم 36 مغربيا عبر معبر "زوج بغال" بينهم شباب من الناظور    سبع سنوات سجنا لطالب جامعي حرض على "ذبح" أحمد عصيد    مجلس الحكومة يصادق على تعيين عميد جديد لكلية العلوم بتطوان    المغرب يستعد لاستضافة قرعة كأس أمم إفريقيا 2025 وسط أجواء احتفالية    المغرب يتألق في اليونسكو خلال مشاركته باليوم العالمي للثقافة الإفريقية    الجديدة…زوج يق.تل زوجته بعد رفضها الموافقة على التعدّد    هناء الإدريسي تطرح "مكملة بالنية" من ألحان رضوان الديري -فيديو-    مصرع طفل مغربي في هجوم نفذه أفغاني بألمانيا    الدوحة..انطلاق النسخة الرابعة لمهرجان (كتارا) لآلة العود بمشاركة مغربية    لحجمري: عطاء الراحل عباس الجراري واضح في العلم والتأصيل الثقافي    تفشي فيروس الحصبة يطلق مطالبة بإعلان "الطوارئ الصحية" في المغرب    مانشستر سيتي يتعاقد مع المصري عمر مرموش حتى 2029    حموشي يؤشر على تعيين مسؤولين جدد بشفشاون    هل فبركت المخابرات الجزائرية عملية اختطاف السائح الإسباني؟    أغلبها بالشمال.. السلطات تنشر حصيلة إحباط عمليات الهجرة نحو أوروبا    مدارس طنجة تتعافى من بوحمرون وسط دعوات بالإقبال على التلقيح    المغرب يلغي الساعة الإضافية في هذا التاريخ    المغرب الفاسي يعين أكرم الروماني مدرباً للفريق خلفا للإيطالي أرينا    برقاد: آفاق "مونديال 2030" واعدة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    حادث سير يخلف 3 قتلى في تنغير    المغرب وموريتانيا يعززان التعاون الطاقي في ظل التوتر الإقليمي مع الجزائر: مشروع الربط الكهربائي ينفتح على آفاق جديدة    الذهب يهبط بعد اقترابه من أعلى مستوى في 3 أشهر    تعرف على فيروس داء الحصبة "بوحمرون" الذي ينتشر في المغرب    ترامب يعيد تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية    أبطال أوروبا.. فوز مثير ل"PSG" واستعراض الريال وانهيار البايرن وعبور الإنتر    دوري لبنان لكرة القدم يحاول التخلص من مخلفات الحرب    ريال مدريد يجني 1,5 ملايير يورو    أخطار صحية بالجملة تتربص بالمشتغلين في الفترة الليلية    إوجين يُونيسكُو ومسرح اللاّمَعقُول هل كان كاتباً عبثيّاً حقّاً ؟    الدار البيضاء ضمن أكثر المدن أمانا في إفريقيا لعام 2025    مشروع الميناء الجاف "Agadir Atlantic Hub" بجماعة الدراركة يعزز التنمية الاقتصادية في جهة سوس ماسة    بوروسيا دورتموند يتخلى عن خدمات مدربه نوري شاهين    مؤسسة بلجيكية تطالب السلطات الإسبانية باعتقال ضابط إسرائيلي متهم بارتكاب جرائم حرب    إحالة قضية الرئيس يول إلى النيابة العامة بكوريا الجنوبية    هذا ما تتميز به غرينلاند التي يرغب ترامب في شرائها    إسرائيل تقتل فلسطينيين غرب جنين    احتجاجات تحجب التواصل الاجتماعي في جنوب السودان    باريس سان جيرمان ينعش آماله في أبطال أوروبا بعد ريمونتدا مثيرة في شباك مانشستر سيتي    الأشعري يدعو إلى "المصالحة اللغوية" عند التنصيب عضواً بالأكاديمية    منظمة التجارة العالمية تسلط الضوء على تطور صناعة الطيران في المغرب    حادثة مروعة بمسنانة: مصرع شاب وإيقاف سائق سيارة حاول الفرار    عامل نظافة يتعرض لاعتداء عنيف في طنجة    طنجة المتوسط يعزز ريادته في البحر الأبيض المتوسط ويتخطى حاجز 10 ملايين حاوية خلال سنة 2024    في الحاجة إلى ثورة ثقافية تقوم على حب الوطن وخدمته    نحن وترامب: (2) تبادل التاريخ ووثائق اعتماد …المستقبل    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



« المساء » تحكي قصص معلمات «منفيات» يسقطن ضحايا اعتداءات خطيرة
بينهن من كانت عرضة للاغتصاب أو عاهة مستديمة وأخريات ينتظرهن المجهول
نشر في المساء يوم 11 - 05 - 2012

تشبه حالة خديجة الشايب، المعلمة ضحية الاعتداء الذي اقترفه رجل خمسيني وابنه بأحد دواوير منطقة إيمينتانوت،
الكثير من حالات الاعتداء على «رسولات العلم»، مع اختلاف بسيط هو أن معلمة دوار ارشدان فقدت عينها وقدّمتها قربانا حين دافعت عن وضعها الاعتباري، فيما اختلفت أضرار وخسائر بقية المعلمات، بين شرف مداس أو جرح غائر لا يندمل أو إعاقة مزمنة أو كابوس دائم يصنع الأرق وينتج الخوف.. وهي مآس تنضاف إلى «المأساة الأولى» التي تتعرض لها «معلمات المنافي» حين يتم تعيينهن منذ الوهلة الأولى في مناطق مهجورة ما يجعلهن «طريدة» سهلة للجناة الذين يتربصون بمثيلاتهن كل وقت وحين.
من المفارقات الغريبة في قضية المدرسة الشابة التي تعرضت لاعتداء أفقدها نعمة البصر أنها ترقد في مستشفى داوود الأنطاكي في مراكش، غير بعيد عن المقر السابق لجمعية التضامن الجامعي، التي «تؤازر الهيئة التعليمية»، وبمقربة من مسقط رأس محمد الوفا، وزير التربية والتعليم المغربي، مما يعيد إلى الواجهة إشكالية «نفي» المعلمات، بمجرد تخرجهن، إلى مناطق معزولة عن «التمدن»، تحت مسمى «تعيين» وظيفي، وحين تصبح المدرّسة بعيدة عن العين تمسي قريبة من غرائز المتربصين..
حالة خديجة الشايب تشبه الكثير من حالات الاعتداء على «رسولات العلم»، مع اختلاف بسيط هو أن معلمة دوار ارشدان فقدت عينها وقدّمتها قربانا حين دافعت عن وضعها الاعتباري، فيما اختلفت أضرار وخسائر بقية المعلمات، من شرف مداس أو جرح غائر لا يندمل أو إعاقة مزمنة أو كابوس دائم يصنع الأرق وينتج الخوف..
قف للمعلم وفّه النتكيلا
نعيمة الدخيل، كانت سعيدة وهي تنهي تكوينها في مدرسة المعلمات في الدار البيضاء في بداية الثمانينيات وتحصل على تعيين هو الأفضل حين تختار، مكرهة، بين السيء والأسوأ، مصدر سعادتها هو تعيينها في نيابة إقليم الجديدة، قبل أن تتسلم تعيينا في فرعية بمنطقة قريبة من «خميس متوح»، في عمق دكالة، ويطلب منها قبول التدريس في قسم مشترك تتعايش داخله كل المستويات الدراسية وكل الأعمار.
كادت نعيمة أن تصاب بالجنون، حين وقفت على وضعية القسم وجغرافيا الفرعية، التي لا تختلف كثيرا عن المباني المتخلى عنها. وحين سألت عن مسكن يؤويها من عاديات الموسم الدراسي، اقترحت عليها سيدة إيجارا بثمن رمزي لغرفة في الدوار المجاور، قبلت المقترح على مضض، رغم أن نظرات الزوج كانت تتطاير منها نظرات غير عادية.
من سوء حظ المعلمة الشابة أن تعيينها في الدوار تزامن مع سنوات الجفاف، حيث باع الأهالي ماشيتهم ودوابهم وشرعوا في التفكير في «تصدير» بناتهم إلى المدينة للاشتغال كخادمات وأبنائهم لدخول معترك العمل المبكر. وحين كانت المعلمة تسعى إلى التأقلم مع الوضع الجديد فوجئت، ذات مساء، بالزوج وهو يقتحم غرفتها، وهو يتمايل من شدة التمالة، ويمارس تحرشا مفضوحا.. حينها، تذكرت ما علق بذهنها من تقنيات الكراطي، التي تلقتها في إحدى قاعات فنون الحرب، لكن لكمة مفاجأة حطمت أسنان المعلمة ووضعتها خارج التغطية الذهنية، وحين استفاقت، وجدت نفسها محاطة برجال تعليم حكوا لها ما «سقط» من الحكاية..
لجنة للوقوف على أمن المعلمات
بدل أن تنشغل نيابة وزارة التربية والتعليم في الناضور بتفتيش مضامين العملية التربوية وبالبحث عن السبل الكفيلة بتحويل المدرسة العمومية إلى مدرسة للنجاح فعلا، فقد كانت حالات الاعتداء على هيئة التدريس دافعا لصدور بيان يندد ب«تعرض بعض المؤسسات التعليمية للتخريب والاعتداء على أطرها التربوية والإدارية وحتى تلامذتها». وقال البيان إن «الظاهرة تعرف تناميا مقلقا»، بل إن النائب الإقليمي نظم زيارات تفقدية لكثير من المدارس المستهدَفة في جماعات فرخانة وبني شيكر وإعزانن، حيث عقدت لقاءات مع مدرسات تعرضن لتحرشات منفصلة من جانحين، وقُدِّم دعم نفسي للمعلمات بعد جلسات استماع، في ما يشبه تغيير المنكر بالقلب، لأنه أضعف الإيمان.. وحرصا من النيابة على سلامة معلماتها قامت، بتنسيق مع الجماعات المحلية وجمعيات الآباء، ببناء مساكن للمعلمات داخل المؤسسات تتوفر فيها شروط السلامة، بل إن أحد المديرين، تقول المدرسة نوال لقربي، اقترح تزويد المدارس النائية بكلاب مدربة، في إطار مخطط لمحاربة شغب الجانحين. وتضيف نوال أن أجرأة توصيات اللجنة التي زارت المؤسسات التعليمية ظلت غائبة، مما جعل الملف يطوى بالتقادم، لتعيش المعلمة كابوس القلق وحدها.
تعيين في الواد الغارق
الأمر لا يتعلق بواد عميق، بل بمجموعة مدارس تسمى «الواد الغارق» في جماعة التوابث في إقليم آسفي، هنا تعرضت معلمة متزوجة لتحرش تلاه اعتداء من طرف أحد الأشخاص في المنطقة ذاتها. ولأن أعيان الدوار يتعبؤون كلما تعلق بمحاولة صلح فقد استنفروا كل إمكانياتهم لجعل المُدرّسة المسكينة تتراجع عن شكاية تقدمت بها إلى سرية الدرك الملكي في سبت جزولة، مرفوقة بشهادة طبية وبخدوش ظاهرة ومستترة!.. بل إن المنطقة شهدت اعتداء مماثلا، لكنْ بسيناريو مخالف كانت ضحيتَه معلمة متزوجة، قدَرها ألا يشملها قانون «الالتحاق بالزوج».
احتجت الهيآت النقابية وتنافست البيانات التي كُتِبت بحبر الاحتجاج، ولفّ رجال ونساء التعليم أذرعهم بقماش التنديد والاستنكار، دون أن تتحرك مسطرة الاعتقال، على الأقل صونا لكرامة زوجات يضحّين بواجباتهن الأسرية في سبيل تعليم النشء في منطقة بعيدة، قبل أن يغرقن في وعود تسريع وتيرة الحركة الانتقالية لدواعٍ أمنية.
زوجتك ابنتي
«عندما نالت ابنتي تعيينا «رماها» إلى منطقة نائية في منطقة ماسة، رافقتها، أنا ووالدتها، كي نخفف عنها المصاب، خاصة أن التعيين جعلها في مواجهة مصيرها في مدرسة فرعية فيها فصلان، ويدرس إلى جانبها معلم «سبقها بليلة دون أن يسبقها بحيلة».. قضينا معها إجازتنا، التي أجّلناها إلى منتصف شهر شتنبر، للمهمة ذاتها. وحين اقترب موعد مغادرتنا الدوار الجبلي، شعرت أنني سأترك صغيرتي في مواجهة المجهول، وهي التي تجد في المعلم مرشدها. اقترحتُ على الشاب إمكانية الزواج من ابنتي، بعد أن علمت أنه يبحث عن شريكة لحياته، فقبل من هول المفاجأة. وفي طريقي إلى تمارة، عرّجت على الدار البيضاء والتقيت بوالد المعلم، الذي وافق على المقترح، فأشعرنا الطرفين، وفي عطلة الطور الدراسي الأول، تمت الخطوبة وأنهينا إجراءات العقد، فارتاح بالي من كابوس مقلق»..
اعترافات علال انتزعها الخوف على مصير فلذة كبده، واختار أن تعيش إلى جانب زوجها، يقتسمان سواد السبورة وبياض الطبشورة، ويعيش بعيدا عن هواجس تبعد عنه النوم وتؤجل في دواخله رغبة الاستقالة، التي لطالما دعا ابنته إلى تحريرها قبل أن تحرر عقد النكاح وتردد مع شريك حكايتها مقطع البسطاء: «خبْز وأركانْ إيلا جْعْنا».
تعيين قريبا من تازمامارت
ما الفرق بين أن تساق ظلما إلى معتقل تازمامارت الرهيب وتقضي داخله فترة عقوبة تنتهي بالموت أو الإعاقة المزمنة.. وبين أن تتأبط فتاة من الدار البيضاء تعيينا يُحوّلها إلى معلمة في معتقل تعليمي علني يسمى، تجاوزا، مجموعة مدارس بالقرب من الريش، غيرَ بعيد عن أشهر معتقل سري؟..
الفرق هو أن المعتقل السياسي تلقى تعويضات مالية عن أيام القهر والمحنة من هيئة الإنصاف والمصالحة، في إطار جبر الضرر والقطع مع ضحايا سنوات الرصاص، بينما لم يندمل جرح المعلمة المسكينة، بعد أن تعرضت للاختطاف من طرف أشخاص مسلحين، لحظة توقف الحافلة التي كانت تقلها دون أن يحرك أحد ساكنا، إلا بعد أن اختفى الجناة عن الأنظار. وبعد أن تم تبليغ رجال الدرك بالنازلة، تابعت الحافلة سيرها نحو الريش، منقوصة من معلمة سقطت رهينة في يد عصابة، قبل أن يتم العثور عليها، في اليوم الموالي، وهي في حالة سيئة بعد أن تعرضت لاعتداء جنسي رهيب. حينها، سجلت الجناية ضد معلوم، فيما أصبح سجن تازمامارت أهونَ للضحية من صفة معلمة في مجموعة مدارس في منطقة نائية في الريش.
اغتصاب جماعي لمدرّسة الدريوش
في شهر مارس الماضي، تعرضت مدرسة لاغتصاب جماعي من طرف مجموعة من المنحرفين، قاموا باختطاف المعلمة على متن سيارة، على طريقة أفلام المافيا، وقادوها إلى مكان بعيد عن الأنظار في غابة مجاورة وأخضعوها لاعتداء وحشي، حال دون قضاء عطلة الطور الدراسي الثاني رفقة أفراد أسرتها في كرسيف. وحسب مصادر نقابية وطبية، فإن المدرسة فقدت بكارتها وأصيبت بجرح نفسي غائر وتحولت إلى نزيلة في المستشفى تواجه كوابيس لا تنقطع ودموعا لا تجف.
زادت حالة هذه المعلمة من مخاوف المدرّسات، بعد أن علمن أن الجناة مازالوا أحرارا يجوبون المنطقة، طولا وعرضا، بحثا عن طرائد أخرى، أغلبها من المدرسات حديثات العهد بالقسم، اللواتي يعلمن النشء تلك المحفوظة الخالدة للراحل أحمد بوكماخ: «هيا هيا نجري جريا، غط البصر وخذي الحذر»..
الوقاية خير من العلاج
تم تأسيس التضامن الجامعي المغربي سنة1933 من طرف أعضاء هيأة التعليم الفرنسي العاملين في المغرب واتخذت الجمعية المدرسة الأوربية في برشيد مقرا لها، قبل نقل المقر إلى مراكش سنة 1943، كما اتخذت الجمعية المدرسة المركزية في الدار البيضاء مقرا لها إلى غاية 1960، وفي سنة 2005، صدر بلاغ مشترك بين الوزارة والتضامن الجامعي يشبه الشراكة بين المؤسستين ويقدم الدعم والمؤازرة لكل من هيئة التدريس في التعليم الابتدائي والثانوي والعالي وهيئة المراقبة والتأطير وهيئة التوجيه التربوي وهيئة التسيير والمراقبة المالية ثم الأعوان.
ويحرص التضامن على المؤازرة القضائية أمام المحاكم الادارية والعادية لكل من ينتسب إلى قطاع التربية والتعليم في مواجهة قضايا ذات طابع معنوي أو عند التعرض للشتم أو التهديد أو الإهانة والوشاية الكاذبة، التعرض للاعتداء وتقديم شكاية ضد مدرّس أو في حالات أخرى، كالقرارات الإدارية المتسمة بالشطط في استعمال السلطة والحرمان من الترقية والنقل التعسفي والطعن في نقط الإدارة والتفتيش والعزل والتوقيف والقرارات التأديبية المعيبة والإعفاء من المهام، ثم الاقتطاعات من الأجرة...
يستفيد المنخرطون من الدعم المعنوي والقضائي، ومن مؤازرة لجن الدعم والمساندة المحلية والإقليمية والجهوية، من خلال شبكة من المحامين مع التكفل بأداء الأتعاب والاستشارة القانونية.


خديجة الشايب تروي قصة تحرش انتهى بفقدانها عينها اليسرى
لم نجد أدنى عناء في الوصول إلى غرفة تقتسمها المعلمة خديجة الشايب، ضحية الاعتداء «الذي قام به رجل خمسيني وابنه في أحد دواوير منطقة إيمينتانوت، مع مريضات يضعن ضمادات على عيونهن، ويبدو من تقاسيم وجوههن حجم المعاناة في مصحة عمومية توفر الحد الأدنى للعلاج. دلنا حارس الأمن الخاص على غرفة الضحية، وتبين أنها أشهر النزيلات، بعد أن تداول الإعلام حكاية الاعتداء الذي تعرضت له، والذي وصل حد فقء عينها اليسرى وتهشيم عظام وجهها، وحين حاورتها «المساء»، كانت دموع الضحية توقف الحوار وتضفي على اللقاء مسحة من الألم..
- ما هو أصل الخلاف بينك وبين المعتدي؟
أولا، علاقتي مع هذا الرجل كان يطبعها منذ فترة، الخلافُ المستمر. كنت أدرس في فرعية أخرى، قبل أن أنتقل إلى فرعية ارشدان، التابعة لمجموعة مدارس الرباط -جماعة اشمرارن في دائرة متوكة، بإيمنتانوت، التابعة لإقليم شيشاوة.. في يوم الحادث، أي الأحد، وصلت أنا وابن خالتي إلى الدوار، حيث كنت أقطن في المدرسة، بعد قضاء فترة العطلة في الجديدة مع أفراد أسرتي، وكالعادة، توجهتُ إلى النهر لجلب الماء والاستعداد للطور الأخير من الموسم الدراسي، وكنت برفقة ابنة خالتي، التي كانت تساعدني وتبدد عني مخاوف العزلة في هذه المنطقة النائية، وبعد أن ملأنا جرة من الماء، عدنا إلى مقر السكنى في المدرسة، وفي طريقنا، مر بنا المعتدي وهو رجل في عقده الخامس، حيث صادفناه بالقرب من المدرسة، حاولتُ أن أتجاهله فباغتني بالسؤال «علاش ماكاتقوليش السلامْ؟».. وشرع في تهديدي،. توقفت وحاولت الرد عليه وقلت له إنك رجل متزوج ولك أبناء ووضعك يمنعك من الوقوف بالقرب من مدرسة تقطنها معلمات.. لم يتقبل هذا الرد، فاقترب مني وصفعني بقوة، حاولتُ أن أرد عليه، لكن خالتي حاولت منع الاصطدام بيننا، قبل أن يتدخل بقوة، ويركلني ركلة جعلتني أفقد توازني وأسقط أرضا بالقرب من الوادي، وقد تدفق الماء الذي ملأت به الجرة.. حينها ضربني ابنه بحجر على عيني، جعلني أعيش تحت رحمة الحجارة وكل أنواع الضرب والرفس. كنت أضع يدي على عيني ووجهي اتّقاء شر الهجوم الوحشي، وكنت أسمع الرجل يقول لابنه: اقتل الكلبة!.. تبيّنَ لي أن الأمر يفوق حد النزاع إلى محاولة للتصفية الجسدية، فأزحت كفيّ عن وجهي وكشفت سيول الدماء التي غمرته، حينها توقف الجانيان عن الضرب ولاذا بالفرار.
- ماذا وقع بعد الهجوم؟ أقصد من تدخل لإسعافك؟
ساعدتني خالتي على الاتصال بأحد الأشخاص من دوار مجاور، ساعدني الأخير على قطع مسافة خمس كيلومترات للوصول إلى الطريق المعبدة، واتصل برئيس جماعة اشمرارن، الذي اتصل بالدرك الملكي والإسعاف، لتبدأ عملية الإنقاذ وأنا وسط بركة من الدماء.. كان يوما لا أستطيع استعادة تفاصيله، يوم مرعب حقا تبيّن لي فيه أن رجل التعليم مهان وأن الأمن مهدد من طرف أشخاص يعتقدون أنهم فوق القانون. كنت في وضعية صعبة جدا أقاوم نزيف الدم وأتحمل الآلام الناتجة عن ضرب مبرح بالحجارة وبكل الوسائل المتوفرة، لكنْ ما إن وصلنا إلى مستشفى إيمنتانوت حتى قيل لنا إنه مغلق ولا يتوفر على تجهيزات طبية قادرة على تقديم الإسعافات.. توجهنا صوب شيشاوة، حيث تتواجد عمالة الإقليم وتبيّن، مرة أخرى، أن المستشفى لا يتوفر على تجهيزات خاصة بإصابات العيون.. أكملنا الطريق صوب مراكش، حيث تم إيداعي مستشفى الأنطاكي، وهناك خضعت لعملية جراحية يوم الثلاثاء، أي بعد يومين من وقوع الجريمة، وتبيّن أنني فقدت عيني اليسرى.
- بعد الاعتداء هل تم اعتقال الجناة؟
مباشرة بعد الاعتداء الهمجي، فر الأب رفقة ابنه، وحاول الدرك الملكي في المنطقة التوصل إلى مكان تواجدهما دون جدوى، لكنْ في اليوم الموالي، أي يوم الاثنين، تم اعتقال الأب، لكن ابنه تقدم إلى سرية الدرك وقال إنه هو المعتدي علي، في محاولة لتبرئة والده من التهمة، وتم بالفعل تسريح الأب، مع الاحتفاظ بالابن رهن الاعتقال، وهو ما يثير الشك، لأن أصل الخلاف هو الأب، واعتراف هذا الأخير محاولة لجعل المشكل منحصرا بيني وبين الابن، البالغ من العمر حوالي 23 سنة، علما أن أصل الصراع كان مع الوالد.. أنا معلمة في القسم الثاني ابتدائي، أما الجاني فله ابن يتابع دراسته في نفس المؤسسة، لكنْ في السنة الرابعة ابتدائي، أي أنه لا يوجد ضمن التلاميذ الذين أشرف على تعليمهم. أعتقد أن ابنه مريض بالقلب وأنه غاب عن الفصل لفترة لا تقل على ثلاثة أشهر، قضاها -حسب ما بلغني- في مدينة تارودانت، قبل أن يلحقه ب«المسيد» ليتعلم القرآن الكريم. أعتقد أن المعلمة التي يدرس لديها ابن الضحية قد ربطت الاتصال به، في محاولة يائسة لإعادة التلميذ إلى الفصل الدراسي، لكن الأب لم يستجب لدعوة المعلمة، أما أنا فأدرّس أطفال السنة الثانية ابتدائي، وهذا لا يمنعني من التواصل مع آباء وأمهات التلاميذ في حالة وجود انقطاع عن الفصل، فنحن نعمل في هذه المدرسة الفرعية على محاربة الهدر المدرسي والمساهمة في تقريب التربية والتعليم من الأسر، قبل أن نكتشف أن وجود معلمات في هذه الفرعيات مغامرة غير محمودة، هناك قسوة في العيش تضاف إليها قسوة بعض السكان».
- ما هي الأصداء التي وصلتك عن ظروف اعتقاله؟
لقد زارتني بعض المعلمات وأكدن لي أن المتهم الرئيسي قد أخلي سبيله، بعد أن تقدم ابنه إلى الدرك الملكي واعترف بكونه الفاعلَ الرئيسي، لكن والده هو أصل الخلاف، هو الذي ضربني وانهال علي بأنواع الضرب الهمجي، قبل أن يهب ابنه لمساعدته، المتهم الرئيسي هو الوالد وليس الابن، ومن غير المعقول أن يظل حرا طليقا، يزرع الرعب في صفوف المعلمات. لقد علمت أن سيارة «سطافيت» تجوب الدواوير وتقوم بحملة لجمع التبرعات لفائدة الجاني، من أجل مساعدته على مواجهة مصاريف القضية.. وهذا مؤلم حقا.. أتمنى أن تأخذ العدالة مجراها الطبيعي ويعتقل الجاني الحقيقي، ولا بد من الإشارة إلى الدعم الذي وجدته من زميلاتي ومن المجتمع المدني، فقد زارتني زميلات معلمات ولجنة من النيابة ولجنة من الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين في مراكش. كما اتصل بي الكاتب العام للوزارة وبعض الأصدقاء والصديقات، حيث أتلقى يوميا مكالمات تساندني في محنتي. كما أشكر جمعية «وداد» للمرأة والطفل في مراكش، التي تؤازرني، وكما ترى فرئيستها متواجدة معي، تدعمني وتوجهني، وأيضا جمعية «المبادرة النسوية»، كما زارتني بعض الجمعيات الحقوقية بفي المدينة ووعدت بمساعدتي، حتى يتم الضرب بقوة على كل الخارجين عن القانون.



حسن البصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.