كان مفترضا بعد الدستور الجديد أن ترتقي الممارسة البرلمانية إلى مستوى من النضج يضع حدا لبعض حالات الإسفاف التي ارتبطت بالبرلمان المغربي في عهد سابق قبل أن يتدخل الراحل الحسن الثاني غاضبا ليوجه خطابه إلى السياسيين: «أوقفوا هذا السيرك». ويبدو أن فصول هذا «السيرك» السياسي مازالت متواصلة إلى اليوم في واقع العمل البرلماني عندما نرى المغنية الشعبية المعروفة باسم فاطمة تُباغِت وزيرا داخل قبة البرلمان بطرح سؤال باللغة الأمازيغية ليس لحل مشكل في قطاع التعليم وإنما لخلق مشاكل أخرى لم تكن على البال. المثير أن البعض صفق لهذه الفنانة وهي تطرح سؤالا بالأمازيغية ونسي أن الأمر يتعلق بخرق واضح للأعراف، لأن مثل هذه «الانفلاتات» ستفتح الباب على العبث ليس إلا. لسنا هنا ضد الفنانة المحبوبة فاطمة تباعمرانت ولا ضد الأمازيغية التي أقرها الدستور كلغة وطنية، لكن المشكل الحقيقي هو أن الأمر حصل فيه نوع من «التلاعب»، لأن البرلمانية المذكورة تقدمت بالسؤال إلى رئاسة مجلس النواب باللغة العربية، وخلال الجلسة فاجأت الجميع بطرح سؤالها بالأمازيغية في الوقت الذي لم تتم فيه برمجة ترجمة السؤال إلى العربية من قبل. كان على تباعمرانت أن تخبر رئاسة المجلس بأنها ستطرح سؤالها بالأمازيغية لإثبات حسن النية، لكنها لم تفعل. لكن يبدو أن الذي يتحمل وزر هذه الطرائف المخجلة التي تقع في البرلمان ليس الفنانة تباعمرانت، ولكن أولئك الذين اختطفوها من جمهورها العريض وأدخلوها إلى «السياسة» دون أي تدرج داخل أجهزة الحزب. لقد فات تباعمرانت أن الدستور اعترف بمجموعة من اللهجات المحلية كلغات وطنية لإخراجها من الاستثمار السياسي ووضعها بين يدي الجميع كلغة تظلل جميع المغاربة، لكن هذا «التصرف» الشارد أعاد القضية إلى مستواها الضيق. ومن شأن هذه السابقة أن تمهد لحالات أخرى، إذ ماذا سيكون الموقف لو تم طرح سؤال آخر بالحسانية أو الريفية مثلا؟ وهل سندخل في تصفية «الحسابات اللغوية» داخل البرلمان؟