ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    دعوات لإحياء اليوم العالمي للتضامن مع الفلسطينيين بالمدارس والجامعات والتصدي للتطبيع التربوي    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    «كوب-29».. الموافقة على «ما لا يقل» عن 300 مليار دولار سنويا من التمويلات المناخية لفائدة البلدان النامية    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الدرهم "شبه مستقر" مقابل الأورو    نظام العالم الآخر بين الصدمة والتكرار الخاطئ.. المغرب اليوم يقف أكثر قوة ووحدة من أي وقت مضى    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    مع تزايد قياسي في عدد السياح الروس.. فنادق أكادير وسوس ماسة تعلم موظفيها اللغة الروسية    حارس اتحاد طنجة الشاب ريان أزواغ يتلقى دعما نفسيا بعد مباراة الديربي    نهيان بن مبارك يفتتح فعاليات المؤتمر السادس لمستجدات الطب الباطني 2024    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    افتتاح 5 مراكز صحية بجهة الداخلة    إقليم الحوز.. استفادة أزيد من 500 شخص بجماعة أنكال من خدمات قافلة طبية    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    الإعلام البريطاني يعتبر قرار الجنائية الدولية في حق نتنياهو وغالانت "غير مسبوق"    موجة نزوح جديدة بعد أوامر إسرائيلية بإخلاء حي في غزة    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    الأمن الإقليمي بالعرائش يحبط محاولة هجرة غير شرعية لخمسة قاصرين مغاربة    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    عمر حجيرة يترأس دورة المجلس الاقليمي لحزب الاستقلال بوجدة    ترامب يستكمل تشكيلة حكومته باختيار بروك رولينز وزيرة للزراعة    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    "طنجة المتوسط" يرفع رقم معاملاته لما يفوق 3 مليارات درهم في 9 أشهر فقط    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مغاربة إسرائيل يعودون إلى المغرب ويقتنون 450 رياضا في الصويرة
المصالح الإدارية تمنحهم رخصا لإقامة فنادق ودور ضيافة ولا تهمها جنسياهم
نشر في المساء يوم 30 - 04 - 2012

قادتنا رحلة البحث عن إسرائيليين قدموا إلى المغرب لإقامة مشاريع إلى الصويرة. في هذه المدينة وقعت حادثة مثيرة قبل ستة أشهر. وقفت امرأة في أوسط قادمة من إسرائيل
أمام رياض في المدينة القديمة. ظلت تحدق في الدار طويلا، واستفسرت أحد الجيران عن مالكها. أخبرها أن رجلا، قدِم من إسرائيل للتو، اشتراها بمبلغ 500 مليون سنتيم، بعدما أقنع القاطن بالمنزل بشرائها منه وإغرائه بأي ثمن يطلبه.. انتابت المرأة نوبة هستيريا. بدأت تُولول وتبكي وتحدق إلى داخل الرياض من ثقب المنزل. أخبرت الجار أن من اشترى المنزل هو قريب لها سبقها إلى ذلك وأن الرياض هو مستقَر عائلاتهما الكبيرة قبل الهجرة الكبرى صوب إسرائيل.. قالت له إنه كان بإمكانها شراؤها مقابل مليار أو مليارين!.. فالتاريخ، حسبها، أغلى من أي ثمن..
في ظرف سنوات قليلة، ووفق مصادر غير رسمية، اشترى يهود قادمون من إسرائيل حوالي 450 رياضا ومنزلا في المدينة القديمة للصويرة. اقتناها بعضهم بغرض السكن وحوّلها آخرون إلى دور ضيافة ورياضات وفنادق «مغلقة» خاصة بالسياح اليهود والقادمين من إسرائيل.
حللنا بإحدى دور الضيافة وسط «موغادور». المكان مجهز بعناية. أثاثه تقليدي. الأزرق والأبيض، لون الهوية والصويرة يغطي الجدران والأبواب والأعمدة الخشبية. الغرفة أيضا مغربية الهيأة. أول قناة تلفزيونية تظهر بعد تشغيل الجهاز هي قناة إسرائيلية اسمها «Jewish news»، أي الأخبار اليهودية. رمزها «خميسة» مغربية صفراء..
الهوية اليهودية حاضرة في المدينة. لولا الخراب الظاهر والطرقات الخربة التي تثير في النفس نفورا. الأزرق والأبيض لونان مسيطران. «زنقة الملاح»، تشير لافتة إلى حي اليهود. ما زالت أبواب بعض منازله تعلوها نجمات «دافيد» السداسية. تحولت بعض هذه المنازل إلى رياضات. تم تغيير أبواب العديد منها، وعُلّقت على أخرى لافتات تشير إلى أنها دور ضيافة، «أغلب هذه الدور هي في ملكية يهود مغاربة أو قادمين من إسرائيل أو إسرائيليين دخلوا هنا بجنسيات أوربية. تظل بعض هذه الدور مغلقة وتتكفل بها خادمات أو حراس ولا تفتح إلا عند مجيء وفود يرجح أن يكونوا إسرائيليين. يمضون أياما هنا دون أن يعلم أحد ماذا يفعلون»، يقول مرافقنا، مشيرا إلى دور ضيافة.
تقدمنا في الملاح فبدا الخراب: منازل مهدمة بالكامل. رائحة العطونة تجتاح الأزقة الشيقة المهجورة. قريبا من مخرج الملاح، أقيم معتصم فيه خيام علقت عليها لافتات تُعارض هدم الملاح.
حميد دادة، كهل يعمل دليلا سياحيا في الصويرة منذ أزيد من 40 سنة. عارف بخبايا الأمور هنا. تحدث دادة إلى «المساء» قائلا: «عدد كبير من الرياضات هنا يملكها إسرائيلييون أو مغاربة يهود وتستقبل عشرات السياح القادمين من إسرائيل. في الأسبوع الماضي (يقصد منتصف أبريل) حل وفدان سياحسيان إسرائيليان قبل أن يذهبنا إلى مراكش، وبالضبط إلى «آيت بيوض»، لإحياء عيد «الميمونة». يأتي السياح الإسرائيليون إلى هنا منذ سنين، كنا نعمل معهم ولكن منذ 1971 قررت ألا أشتغل دليلا لهم، بسبب ما يحدث في فلسطين. هناك «كيادة» يعملون معهم، ولكن الوفود السياحية الإسرائيلية أصبحت غالبا ما تكون مرفوقة بدليل خاص وتحيط بهم حماية أمنية مكثفة».
وأكد يهودي التقته «المساء»، بدوره، وفود سياح إسرائيليين على الصويرة: «هناك وكالة أسفار مغربية هي التي تتكلف بتنظيم زيارات هؤلاء السياح إلى الصويرة ومراكش. في 2008، جاء وفد وضمنه عارضة أزياء إسرائيلية معروفة واسمها «غاليت غوتمان»، نقلت عن المغرب صورة سيئة عندما عادت إلى إسرائيل وتقدمت بشكاية ضده».
المدينة صغيرة. ينتقل كل ما يحدث فيها بين الناس بسرعة. لا يمكن أن يخفى عنهم شيء. لهذا السبب تكررت معلومات بعينها على لسان من تحدثت إليهم «المساء». بين الشهادات من أجمعت على صلة عائلة أزولاي بالإسرائيليين القادمين إلى الصويرة. وأكد الدليل حميد دادة ذلك بقوله: «عائلة أزولاي ازدادت في درب أكادير. وعندما صار أندري أزولاي مستشارا، صار لهم نفوذ قوي. اشترى مارسيل أزولاي، قريب أندري، خيرية وحوّلها إلى إقامة فندقية تستقبل سياحا ضمنهم إسرائيليون. ساهم أندري أزولاي، أيضا، في إقامة فندق كبير هنا في الصويرة».
ما قاله حميد دادة جاء تفصيله على لسان ناشطين في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، التقتهم «المساء». لهؤلاء قصة مع الإسرائيليين الوافدين على المدينة. يتعلق الأمر بصراع بينهم وبين أحدهم، وهو نوعام نير، الذي تحدثت إليه «المساء» أيضا. «اللوبي الصهيوني موجود في الصويرة، وبحكم اشتغالي في مجال السياحة أؤكد لك، وبدون مبالغة، أن 60 في المائة من المستثمرين هنا لهم علاقة بالصهيونية. فإذا كان هؤلاء يريدون الخير للبلاد، فأين وصلت الصويرة الآن؟ ما الذي قدّموه للمدينة؟»، يقول أحد ناشطي الجمعية، مضيفا: «ليس لنا مشكل مع اليهودية، ولكن مشكلنا مع التطبيع ومن يمثل الأجندة الصهيونية. هناك تطبيع على مستوى المهرجانات والندوات والحفلات الخاصة التي يستضاف فيها إسرائيليون تحت يافطة التعايش».
احتد هجوم ناشطي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان على أزولاي إلى درجة وصْفِ أحدهم له بأنه «سمسار» للإسرائيليين في المغرب: «يحكم أزولاي في الصويرة بدون صفة، مستغلا كونه مستشارا ملكيا، كما أنه يُمهّد الطريق أمام المستثمرين الإسرائيليين للدخول إلى الصويرة»، يردف ناشط في الجمعية الحقوقية.
تجلى ما اعتبره لناشطون تمهيدا للطريق في عدة ملفات، بينها قضية تفويته عقارات في الصويرة لإقامة فنادق، «كان مستثمر مغربي قد اقتنى الأصل التجاري لعقار قصد استغلاله كفندق، كان العقار عبارة عن ملك بلدي، ولكن أزولاي بادر إلى اقتنائه باسم مؤسسة في مليكة عائلته، قبل بيعه بثمن كبير لشركة فندقية عالمية معروفة أقامت فندقا كبيرا في الصويرة»، يوضح ناشط، مستطردا: «كانت هناك خيرية تعود ملكية أرضها إلى عائلة مغربية في إطار رسم عقاري محفظ، فجأة أغلقت الخيرية، قبل أن تتحول، في 2004، إلى إقامة فندقية في ملكية قريب أزولاي، وتستقبل سياحا إسرائيليين. يشمل الأمر ذاته حاليا عملية إعادة هيكلة الملاح، حيث يجري التمهيد لتفويته لإسرائيليين».
تحدث ناشط آخر، ابن الصويرة، عن صلات عمال بعمليات تفويت عقارات قائلا: «كان هناك عامل سابق يضغط على مستثمرين مغاربة لإخلاء فنادقهم قصد تفويتها إلى أجانب. هناك مشاريع فندقية يقيمها إسرائيليون لا تتوفر فيها الشروط القانونية التي تفترِض أن تفوق مساحة المشروع 100 متر مربع. ويجري الأمر ذاته في ضواحي المدينة».
هذه الاتهامات الموجهة لأزولاي يكذبها مصدر مقرب منه، نافيا ل»المساء» دخول أي إسرائيليين إلى الصويرة أو اقتناءهم عقارات فيها أو صلة أزولاي بهم، ملخصا كل هذه الأمور في أنها مجرد «هْضُور»..
صار البحث عن الإسرائيليين في الصويرة أحد ملفات فرع جمعية حقوق الإنسان في الصويرة، أعلن عن بدايته مشكل لناشطي الجمعية مع إسرائيلي دخل الصويرة وأقام فيها مشروعا، وهو نوعام نير. كان ذلك في مثل هذا الوقت من السنة الماضية، عندما حدث شنآن بين الجانبين أثناء تنظيم مظاهرة بمناسبة يوم الأرض. وصل الأمر إلى الأمن، بينما اتهم الحقوقيون نير، الذي يعمل أيضا مراسلا لجريدة «معاريف» والإذاعة الرسمية الإسرائيلية، بأنه «جاسوس إسرائيلي وكاتب تقارير مخابراتية». اضطر نير إلى إغلاق مطعم فتحه و«فتَح» ملفه الأعين، لأول مرة، على حقيقة دخول إسرائيليين إلى الصويرة. «كان نير متخفيا إلى حين استفزازه لنا في يوم الأرض، ليبدو أنه صهيوني.. حصل على غطاء أزولاي للدخول إلى الصويرة وإقامة مطعم. قبل مدة، أغلق مطعمهم دون أن يؤدي الضرائب للدولة لأنه إسرائيلي»..
تحدثت «المساء» إلى نوعام نير لتنقل وجهة نظره وتكشف، على لسانه، حقيقة الوجود الاستثماري الإسرائيلي في المغرب. لكنْ قبل عرض حوارنا معه، يستبد سؤال ينتظر الإجابة عنه: كيف يدخل إسرائيليون الصويرة سياحا أو مستثمرين في الوقت الذي تقول الدولة إن علاقاتها مقطوعة مع إسرائيل؟ كيف تتعامل المصالح العمومية مع هؤلاء؟
الجواب عن السؤال معقد، ملخصه أن كثيرا من الإسرائيليين الذين يأتون إلى الصويرة هم يهود مغاربة سبق لهم، أو لآبائهم وأجدادهم، أن قطنوا هنا، أي أن الباب لم يغلَق في وجوههم بعد الهجرة الكبرى إلى إسرائيل. هذا ما يكشف عنه مصدر بالقول: «قرابة 70 في المائة من الرسوم العقارية الموجودة في المدينة القديمة للصويرة في ملكية يهود مغاربة هاجروا إلى إسرائيل. عاد هؤلاء أو أنباؤهم إلى المغرب وحفدتهم وبدؤوا في استغلال ممتلكاتهم من جديد. ما يُسهّل الأمر أنهم كانوا أذكياء قبل خروجهم، إذ عمد بعضهم إلى بيع منازلهم عن طريق عقود غير كاملة، أي وعود بالبيع، وعندما رجعوا، لم يجدوا مشكلا في اقتناء عقارات». لكنْ كيف يتم التصريح لإسرائيليين بإعادة تملك عقارات، رغم أن جنسياتهم إسرائيلية وفي ظل علاقات مقطوعة؟
االجواب عن هذا السؤال أيضا هو أن المصالح العمومية، في الصويرة على الأقل، لا تتعامل مع هؤلاء على أنهم إسرائيليون وتعمل بمنطق أن الرأسمال لا جنسية له.
حلت «المساء» بمقرات مصالح إدارية بفي الصويرة. كانت البداية ببلدية المدينة، باعتبارها الجهة المخولة بمنح تراخيص سكن أو إقامة مشاريع. كان مقر البلدية شبه خاو يوم الجمعة 20 أبريل الماضي، تاريخ زيارتنا له. يتسامر بضعة موظفين بينهم داخل مصالح وأخرى فرغت من موظفين. انتقلنا إلى قسم الشؤون الإدارية. كان رئيسه حينها في عطلة. أحد موظفي القسم هو الذي تكلف بالإجابة عنة أسئلتنا. «ليس هناك ما يمنع منح رخص لإسرائيليين»، كان جواب المسؤول واضحا، قبل أن يضيف: «المسطرة المتبعة مع الإسرائيليين عادية، لا نهتم إن كانوا إسرائيليين أم لا، إذ لا نأخذ بعين الاعتبار مسألة الجنسية. المطلوب هو أوراق الإقامة واحترام الشروط القانونية».
هذه الشروط القانونية هي نفسها التي تسري على المغاربة وعلى بقية الأجانب الراغبين في إقامة مشاريع في الصويرة، وهي التي يشرحها المسؤول بقوله: «بالنسبة إلى دور الضيافة والنزل فهناك قرار جبائي يحدد شروطها. هذا القرار يمنع الترخيص للشقق المفروشة (يشير الموظف إلى ملف طلب رخصة فتح شقق مفروشة كان أمامه). يشترط القرار أيضا ألا تقل مساحة المنزل عن 100 متر. أما مشاريع التجزيء السكنية فالأمر بخصوصها خاضع لدفاتر التحملات، حسب المناطق».
نفى المسؤول ذاته أن تكون هناك مشاكل عقارية مرتبطة بورثة يهود مغاربة سافروا إلى إسرائيل وعاد أبناؤهم للمطالبة بعقاراتهم. أما بشأن حضور الهاجس الأمني خلال إقامة إسرائيليين مشاريعهم هنا والتخوف من تعرضهم لاعتداءات فقال مسؤول البلدية: «لهذا السبب تحضر المصالح الأمنية والوقاية المدنية ضمن اللجنة المختلطة لدراسة المشروع المقدم لها، لمعرفة ما إذا كانت المنطقة التي سيقام فيها تشكل تهديدا أمنيا عليهم».
لكنْ ما دور مصالح العمالة في هذا الباب؟ هل تتوفر على معطيات بخصوص هؤلاء الإسرائيليين الذين يدخلون المغرب بغرض الاستثمار؟
للإجابة عن هذه الأسئلة انتقلنا إلى مقر عمالة الصويرة. المقر فسيح. في باحته تجمّعَ مسؤولون، يرتدي بعضهم جلابيب بيضاء وطرابيش. داخل العمالة فراغ مطبق. المكاتب خاوية إلا من بضعة موظفين. كل مسؤول تسأل عنه يقولون إنه في عطلة.. حتى رئيس قسم الشؤون الاقتصادية، المعني بالملف، كان في عطلة. دخلنا مكتب أحد موظفي هذا القسم. هم على عجل، وقد أخذته لهفة، إلى إطفاء سيجارة كان يدخنها. عرضنا عليه ما نبتغيه فأجابنا: «يجب أن تتقدموا إلى السيد العامل بطلب، ثم ننظر في الأمر».
واجهنا الأمر ذاته في مصالح الأمن. لا مجيب. اختبأ أمنيون وراء مذكرة الإدارة العامة للأمن الوطني، التي «تحرم» التعامل مع الصحافة..
على عكس هذه المصالح، كان في المندوبية الجهوية للسياحة موظفون. التقينا المندوب. طلبنا منه تقديم إحصائيات سنوية بشأن السياح الإسرائيليين الذين يدخلون الصويرة، فأجاب: «ليست هناك أرقام بخصوص عددهم. قد يفدون إلى هنا في المناسبات الدينية وضمن مجموعات صغيرة. يمكن أن أقول لك 300.. ليست هناك إشارة إلى اسم إسرائيل في إحصاءات الأسواق السياحية التي تعدها وزارة السياحة ونرفعها لها. لا يمكن القيام بذلك، لأنه لا يمكن إدراج إسرائيل في وثائقَ رسمية. أرباب الفنادق يدرجون الإسرائيليون الذين ينزلون بفنادقهم ضمن خانة «آخرون» (autres)».
لكنْ، كيف يدخل هؤلاء السياح أصلا إلى المغرب في ظل قطع العلاقات؟ وهل تقوم وزارة السياحة باستقطابهم؟ يرد مندوب السياحة في الصويرة عن هذين السؤالين قائلا: «يدخل هؤلاء المغرب وفق القوانين الجاري بها العمل من خلال الحصول على تأشيرة. ليست لدينا مشاريع لاستقطاب السياح الإسرائيليين، لأننا، أولا، سنواجه معارضة شرسة، فلا يمكن الانتقال إلى تل أبيب لتشجيع الإسرائيليين على زيارة المغرب، وثانيا، لأن السوق الإسرائيلية غير مغرية، فالإسرائيليون ليسوا مستهلكين من حجم الأمريكيين مثلا، كما أن هذه السوق ضيقة ولا تشكل، في أقصى تقدير، 5 ملايين شخص، فعوض أن نهتم بهؤلاء يجب أن نتهم، مثلا، بلسوق الصيني، الذي يضم قرابة مليار شخص. ليس في الأمر تقصير من وزارة السياحة».
خلال مراحل هذه التحقيق وزيارتنا للصويرة، وقفنا على حقيقة إنشاء إسرائيليين مشاريعَ سياحية وفنادق ودُورَ ضيافة. أي استثمار سياحي يجب أن يمر على المندوبية الجهوية للسياحة، وهو ما يعني أن هؤلاء الإسرائيليين حصلوا على موافقة هذه المؤسسة العمومية الرسمية. هذا ما اعترف به المندوب الجهوي للسياحة في الصويرة قائلا: «لا يمكن أن نمنع أي استثمار أجنبي في ظل الليبرالية العالمية. أي مستثمر يتقدم بمشروع تراعى فيه القوانين المعمول بها يحظى بالموافقة بغضّ النظر عن دينه وجنسيته، لأنه إن نظرنا إلى الأمر من هذه الزاوية فسنصبح أمام ميز عنصري. المركز الجهوي للاستثمار، الذي يوجد مقره في مراكش، هو الذي ينظر في هذه الملفات، ويتم الاتصال بنا وندرس الملفات التي لا تضم إشارة إلى الجنسية، ولا تهمنا معرفتها، حتى إذا كان أصحابها حاملين أسماء أجنبية، المهم هو احترام الشروط القانونية».
كلام المندوب واضح جدا، ويزيد توضيحه تلخيصه للقصة كاملة في جملة واحدة تفسر سبب دخول الإسرائيليين، مستثمرين وسياحا، إلى المغرب، وحتى التعامل الاقتصادي بين إسرائيل والمغرب. هذه الجملة هي: «ليس هناك قانون يمنع دخول مستثمرين إسرائيليين أو سياح إلى المغرب، وما دام ليس هناك قانون فلا يمكن أن نمنعهم، وليست لهذا علاقة بالاعتراف بإسرائيل».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.