من اللافت للانتباه أن مدينة أكادير تحولت إلى قبلة مفضلة للعديد من الأجانب من جنسيات مختلفة. ولم يعد الأمر مقتصرا فقط على المدار الحضري، بل إن بادية أكادير أصبحت هي الأخرى تستقطب أعدادا هائلة من الأجانب، الذين اختاروا الهجرة إلى أكادير بعد أن ضيّقت الأزمة الاقتصادية الآفاق في بلدانهم الأصلية. إطلالة بسيطة على واقع الأجانب الذين استوطنوا مدينة أكادير يكشف ارتفاع أعدادهم وتنوع جنسياتهم واختلاف الدوافع التي جعلتهم يختارون أكادير وجهة للاستقرار.
برنار والهواء العليل علل برنار المتقاعد من إحدى الشركات الفرنسية اختياره قرية توزيكو بجماعة آيت عميرة للاستقرار بها بكون مناخ المنطقة ملائم له ولزوجته، فضلا عن أجواء الأمن والارتياح التي يشعر بها وسط هذه القرية. إذ قام برنار بشراء بيت قديم من أحد السكان الأصليين وأعاد ترميمه واستقر به رفقة زوجته من أجل قضاء آخر أيامهما في هذه القرية الهادئة، التي تتوسط الضيعات الفلاحية، وكذا للاستمتاع بأجواء البادية غير بعيد عن مدينة أكادير حيث يقضيان أوقاتهما المفضلة ليعودا إلى هدوء القرية كل مساء. ومن الدوافع التي شجعت برنار وزوجته على الاستقرار بالمنطقة مستوى المعيشة المنخفض بالمقارنة مع بلدهما الأصلي، حيث إنهما يستطيعان بواسطة راتب التقاعد تلبية كافة احتياجاتهما وزيادة.
كارلوس.. والفن كارلوس هو الآخر قرر الاستقرار بمدينة إنزكان.إذ عندما أصيبت والدة هذا الشاب الفرنسي، الذي يهوى الفن التشكيلي، نصحه الأطباء بأن ينقل والدته إلى المغرب وإلى منطقة لا تغادرها الشمس طيلة أشهر السنة. رحلة العلاج هذه تحولت إلى رغبة في الإقامة الدائمة في المغرب. كما أن كارلوس وجد فضاء لعرض لوحاته ومناخا جديدا للإبداع، فاختار الإقامة بشكل دائم، وقام بتأسيس مرسم ومعرض بعد أن اقتنى إحدى الفيلات بمدينة إنزكان التي حولها إلى «فيلا الفن». «أ.بوصويل» وركوب الأمواج الدوافع التي تكون وراء اتخاذ الأجانب قرارهم بالاستقرار في المغرب لا تكون دوما متشابهة. بالنسبة إلى «أ.بوصول» كانت حركية الأمواج، التي تتميز بها منطقة تغازوت أحد العوامل القوية، التي جذبت هذا المواطن الإنجليزي للاستقرار بهذه المنطقة، التي رأى بأنها تمنح هواة ركوب الأمواج فرصة ربما لا تتوفر في كل الشواطئ العالمية. وقد بنى «أ.بوصول» مركبا لرياضة ركوب الأمواج عبارة عن فندق من أربعة طوابق يستقبل فيه هواة ومحترفي هذه الرياضة، التي لا يمكن ممارستها إلا في ظل شروط مناخية خاصة لا تتوفر إلا في قرية تغازوت. نفس الدوافع ستجعل جيمس، الذي لا يتجاوز عمره 35 سنة، وهو من أصول إنجليزية ويعتبر من محترفي رياضة ركوب الأمواج، يعجب بالمنطقة ويقوم باقتناء مركب سياحي مخصص لهواة «السيرف»، حيث يستقبل عشاق هذه الرياضة من كل بقاع العالم. اللغة والاستقرار السياسي بعيدا عن الدوافع التي أثرت في قرار كل من «أ.بوصول» وكارلوس وبرنار، اختارت الشابة الفرنسية (س.س) تعليل قرار استقرارها بالمغرب بكونه يتمتع باستقرار سياسي، وكذا قربه من فرنسا، إضافة إلى عامل اللغة الفرنسية، التي تستطيع من خلالها التواصل مع مختلف الشرائح. هذه الأسباب جعلت (س.س) تستقر بالمغرب منذ سنة 2000. وبعد مرور خمس سنوات اختارت تأسيس شركة للتواصل متخصصة في السياحة وتنظيم الملتقيات الوطنية والدولية، رغم أن تخصصها الدراسي في البيولوجيا. إذ هي حاصلة على شهادة جامعية تخصص بيولوجيا من جامعة نيس الفرنسية. أثرياء في قلب الغابة ثلاثة فرنسيين آخرين اختاروا الهجرة إلى المغرب والاستقرار فيه. الثلاثة معا من الأثرياء الفرنسيين، الذين قرروا الإقامة في منطقة تامري الغابوية، حيث قام أحدهم باقتناء بقعة أرضية مساحتها 8000 متر مربع بمبلغ ناهز 120 مليون سنتيم، وأقام عليها مشروعا سياحيا. كما استفاد آخر من مساحة تابعة للملك البحري مدة 99 سنة من أجل بناء مخيم سياحي لاستقبال القوافل السياحية. مدة اعتبرها هذا الفرنسي كافية إلى أن يغادر الحياة. في حين فضل مواطن فرنسي ثالث شراء بقعة أرضية أقام عليها فيلا سكنية ليتفجر فيما بعد نزاع قضائي بعد خلاف حول ما إن كانت الأرض تابعة للمياه والغابات أم لا. وهو النزاع الذي لازال يروج بإحدى محاكم الدائرة القضائية لأكادير منذ سنوات. الهجرة .. السمراء أما بالنسبة إلى المهاجرين الأفارقة الذين اختاروا الاستقرار بالمنطقة، فلم يكن هاجسهم هو الفن أو الاستقرار السياسي أو غيره. بل كان هاجسهم الأساسي هو البحث عن فرصة عمل في الضيعات الفلاحية بإقليم اشتوكة آيت باها بعد أن وصلتهم أصداء الأزمة التي تعيشها إسبانيا. وبدل عبور البحر إلى الضفة الأخرى اختاروا البقاء في المغرب والعمل في هذه الضيعات، التي تشكل ملاذهم الأساسي بعدما ساهم عامل القرب في تدفق أعداد هائلة من الأفارقة، الذين صاروا منافسين حقيقيين لليد العاملة المغربية. كما أن شركات وهمية تنشط في عملية الوساطة بين هؤلاء الأفارقة وبين المشغلين، الذين يتذمرون كثيرا من اليد العاملة المغربية بسبب ما يصفونه بفوضى الإضرابات وتحكم النقابات في مصير العديد من هذه الشركات والضيعات، التي تشتغل تحت ضغط المواسم الفلاحية والتزاماتها مع الجهات المستوردة. مخدرات وشذوذ توافد الأجانب على منطقة تغازوت كانت له سلبياته.إذ تعددت الحالات التي تم ضبطها من طرف الشرطة، والتي تورط فيها أجانب في حالات استهلاك المخدرات أو الاتجار فيها، إضافة إلى الشذوذ الجنسي. وهو ما يبين أن الأعداد الهائلة من الأجانب الذين اختاروا الاستقرار بهذه هذه المنطقة حولوها مع مرور الأيام من قرية للصيادين إلى مركز للمخدرات والشذوذ، حيث إن الوجه العلني للقرية يوحي بأنها تعرف حركة سياحية دائمة، إلا أن وجها آخر يختفي وراء تلك الأزقة الضيقة والبيوت المصطفة كأنها في عناق دائم. أجانب عديدون من جنسيات فرنسية وإنجليزية وإيرلندية تم ضبطهم في أوقات متفرقة في حالات الشذوذ الجنسي والاتجار في المخدرات. والعارفون بخبايا وأسرار قرية تغازوت يقولون إن الوجه الجميل لهذه القرية أصابته العديد من الخدوش.إذ بعدما كانت هذه القرية عبارة عن مرفأ للصيد التقليدي وما يرتبط به من هدوء وطبيعة بسيطة صارت الآن عبارة عن قرية تخفي منازلها الصغيرة العديد من المشاكل الكبيرة التي تفوح رائحتها من حين لآخر بعد أن يتم ضبط تاجر للمخدرات هنا وهناك، وبعد أن يتم الكشف عن شبكة للشذوذ الجنسي، الأمر الذي جعل الوضع الأخلاقي للقرية يطرح العديد من الأسئلة حول مستقبل هذه القرية الصغيرة التي يرى بعض سكانها العارفين بتاريخها أنها ضاعت وسط هذا الصخب المرتفع، حيث لم تستفد من هذه الوفود الكبيرة للأجانب.