جدار أو حائط الفيس بوك هو كل هذا وغيره، هو مدرستي ومقهاي وملجئي الذي أخرجه للناس، لا أحد مهما بلغ من قوة استطاع إلى حد الآن أن يوقف تسونامي الفيس بوك وتزايد المدونات ومنتديات الدردشة. كلام، كلام، عصر بيع وشراء للكلام، تجارة كلامية مجدية لأنها تداوي قسوة صمت الجدران. الكلام هو الميزة الأساسية للكائن البشري، يأتي قبل الخبز والماء. الكلام أولا منذ الأمر به المواجه باستغراب: كيف يتكلم من كان في المهد صبيا؟ منذ الأمر الأول «اقرأ» الكبيرة الأولى المواجهة باستغراب آخر: كيف يقرأ من لا يستطيع فك الحروف؟ لا يمكنك الدخول إلى العوالم الافتراضية دخولا جيدا إذا لم تكن مسلحا بالمعرفة والقوة الداخلية المصرة على فعل المعرفة. المعرفة في كل مكان، منذ تعليم آدم الأسماء كلها، والأسماء هي العلم، والعلم هو ضرورة الكائن البشري، فلا كلام بغير علم. العلم هو الخير الذي إما أن تقوله أو فلتصمت. 8 - Partager أي شاركني أفكاري أشاركك أفكارك. أطلب نقل ذلك إلى محيطي وجماعتي، الضيقة منها والممتدة، عبر جدران قبلتُها حين طلبتَ الدخول، ثم سميناها مجموعة أصدقاء. الارتباط بواحد سيقود إلى الارتباط بآخرين، وكل متشعب بجماعة أخرى إلى ما لا نهاية في الزمان والمكان الافتراضيين. هل تبحث عن أصدقاء. في الدراسة؟ في الطفولة؟ في العمل سابقا؟ الفيس بوك هنا وسيلة تذكرية وتذكارية واسترجاعية، وسيلة لمحاربة النسيان رغم أهميته بالنسبة إلى الذاكرة. هذا بالنسبة إلى كبار السن؛ أما الأقل سنا فالفيس بوك وسيلة مستقبلية، ألم يفلح وما زال في تجميع الشباب في الربيع العربي للنزول إلى الشارع ضد الطغاة رغم ما يقال من تأويل في هذا المجال؟ الفيس بوك هنا هو حائط المستقبل، لكنه ثابت في الأصل متحرك بالافتراض، فكيف يمكن للافتراضي الثابت أن يؤثر على الواقعي المتحرك، على شارع لا جدار يحميه سوى جدار الأسلحة المكممة للأفواه ولحركات الأيدي والأرجل، أي لكل احتجاج؟ الجدار وسيلة تاريخية لتجميع الناس. نطوف به إذا كان مكعبا ولا ندخله إلا بإذن خاص، مخافة الفوضى وحفاظا على قدسية المكان وأهله الافتراضيين. قد نقف أمام بعض الجدران مندهشين من قوة بنائها كجدران المدن التقليدية بفاس أو مراكش أو القدس أو القاهرة أو حلب، مثلا. شيدت بعض الأسوار للتحدي، كسور الصين العظيم، وقد بلغ إجمالي طول الأسوار التي بنتها الأسر الملكية المختلفة حوالي 50 ألف كيلومتر عبر العصور التي ابتدأت منذ 770 سنة قبل الميلاد. الإنسان هو من يبني الحيطان ويسور المدن ماديا. يبني الأسوار لحفظ الأسرار، يفعل ذلك لاتقاء شر الطبيعة والناس، يقوم بذلك أيضا للحفاظ على السر المحمول في الجسد حتى ولو كان الجدار من زجاج شفاف. داخل حيطاني، أنا حر أفعل ما أشاء: أتعرى، أصرخ، أمارس ما لا أستطيع فعله أمام الملأ، المهم أنني أتكلم بحرية تامة.. أفرح أو أبكي أو أشتم أو أمدح من أشاء متى أشاء. في التدوين وعبر الفيس بوك أصرخ أيضا وأحرض غيري على الصراخ وأحتج، وقد أحاكم على فعلتي، ثم أصنع مجتمعا بديلا أو أكرس آخر موجودا. أنا حر مع جماعتي، مع أصدقائي. قد تضيق المساحة أولا لتمتد بعد ذلك. كل فرد سينقل فكرته إلى آخر بمنتهى السرعة التي لا يحدها لا زمان ولا مكان. ثم نضرب موعدا في الشارع ونخرج خروجا هائلا من الجدار الثابت إلى تكسير حيطان الصمت. 10 - ما علاقة الأنترنيت، والفيس بوك منه على وجه الخصوص، بالخيال الخلاق؟ وهل تحقق هذه الوسائط الجديدة فرصا أخرى للخيال بمفهومه العام أو فلتقل للتخيل المبدع المتجاوز للمنطق الضيق؟ نحن في عالم افتراضي، وبالتالي فإمكانية فسح المجال أمام الخيال لا حدود لها. إنه علم الخيال. ادخل معي في عالمي أدخل عالمك، خفف عني معاناتي اليومية الضيقة أنقلك إلى عوالم أخرى أبهى وأرحب، ولنتعانق على أجنحة الخيال، أجنحة الحكي، شلالات ورؤى ومداخل ومخارج يصعب القبض عليها. ثم إني أدعوك لزيارة مدونتي وأنت تدعوني إلى زيارة موقعك، وقد لا نلتقي بعدها أبدا إلا عبر هذا العالم الافتراضي الهائل.. خيال واقعي، خيال خلاق، عالم خيال وعلم خيال ينقلك بسرعة ضوئية مسافات، يقذفك من الحاضر إلى الماضي ومن الماضي إلى المستقبل، في تجاور هو مجمع الأضداد بكل ثنائياته وتعدداته. الشبكات الرقمية تتيح تفاعلا غير مسبوق، وخاصة مع جيل الويب الثاني كما يرى يحيى اليحياوي: «هذا الجيل الذي فسح المجال للإسهام عوض الاستهلاك، وتحديدا أدى إلى انفجار ظاهرة المدونات الشخصية وبروز مواقع الويكي، حيث للمتصفح القدرة على إغناء المضامين (ويكيبيديا مثلا)، والتكاثر غير المسبوق للمواقع التشاركية، المرتكزة على اقتسام المعلومات، كما هو حال اليوتوب والدايلي موشيون والماي سبايس وسواها»، (يحيى اليحياوي، في القابلية على التواصل، التواصل في محك الأنترنت وعولمة المعلومات، منشورات عكاظ، 2010، ص: 112). الثورة الرقمية والتكنولوجية عبر الأنترنيت والفيس بوك وما شابه تحقق الآن ما لم تستطع تحقيقه تجمعات الأحزاب وجمعيات المثقفين وحكومات السياسيين مجتمعة. إنها مدن المعرفة الجديدة بكل أصنافها. «ويمكن اعتبار مفهوم مدينة المعرفة مفهوما شموليا قادرا على استيعاب كل نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لمدينة ما»، (فرانسيسكو خافيير كاريللو: مدن المعرفة: المداخل والخبرات والرؤى، عالم المعرفة، أكتوبر، 2011). مدن إذا أحسسنا استغلالها واستثمار حسناتها وأحسنا الإنصات لنبضها فقد نتغلب على التيئيس والتهميش والفقر الثقافي والعلمي ولو مؤقتا. ألسنا، كما يقول عنا الياباني نوبواكي نوتوهارا، كائنات تنشغل بفكرة النمط الواحد، على غرار الحاكم الواحد الذي يحاول الناس أن يوحدوا أشكال ملابسهم وبيوتهم وآرائهم على غراره؛ لذا تذوب استقلالية الفرد وخصوصيته واختلافه عن الآخرين، يغيب مفهوم المواطن الفرد، وتحل محله فكرة الجماعة المتشابهة المطيعة للنظام السائد (نوبواكي نوتوهارا: العرب، وجهة نظر يابانية، منشورات الجمل، 2003). لنزرع اختلافا ضروريا، إذن، في مواجهة أحادية قاتلة. لنترك العالم يسير والحائط يتحرك من الجدار إلى الشوارع البشرية التي بدونها لن يتحقق أي تفاعل طبيعي استنادا إلى الثقافي الذي هو وحده الكفيل بالإفراج عن غمة القول والفعل. لنكثر من التفاعل الافتراضي دون إغفال التفاعل الروحي والجسدي الضروريين. لندخل الحداثة من بابها الواسع دون خوف ولا تشكيك، ولتكن المحلية هي منطلقنا الأساسي نحو العالمية التي تسعى إلى خدمة الإنسان، كل إنسان.