لا للفتوى خارج المؤسسة، لا لخرق الإجماع حول الثوابت الدينية، ولا للسلفية الوهابية. تلك هي اللاءات الثلاث في المشروع الديني الجديد بمملكة محمد السادس، إذ بات من الواضح أن الدولة اليوم أصبحت أكثر عزما على تسييج المجال الديني وضبطه بإحكام، لسد الباب أمام «الخوارج» الجدد عن الإجماع العام. إنه الوجه الأبرز من التصور الجديد للحقل الديني، الذي أطلق الملك في نهاية شتنبر الماضي شطره الثاني من تطوان، والذي لا يزال مسرحا للصراعات الخفية في الكواليس بشأن الآليات الكفيلة بإنزال التصور الملكي للإصلاح، بين وزارة الأوقاف من ناحية والرابطة المحمدية للعلماء ودار الحديث الحسنية من ناحية ثانية، وإلى حد ما المجلس العلمي الأعلى الذي انخرط في الحرب على السلفية الوهابية، من خلال بيانه الحاد وغير المسبوق ضد المغراوي، إذ تتحدث مصادرنا عن وجود نزاعات بين هؤلاء اللاعبين الفرعيين في المجال الديني. وتضيف المصادر أن أحد الأسباب الرئيسية لهذه الصراعات الخفية هو أن سياسة إصلاح المجال الديني أفرزت مجموعة من المؤسسات متداخلة أو متقاربة الصلاحيات، من دون وجود تصور واضح لطريقة تدبير العلاقات في ما بينها، مثل التداخل بين المجلس العلمي الأعلى والمجالس الإقليمية التابعة له، وبين الرابطة المحمدية للعلماء، إذ يفهم البعض أن كلا الطرفين يهتمان بتدبير الأمور التي تخص فئة العلماء، في الوقت الذي يمنح القانون للرابطة نوعا من الاستقلالية، بينما يظل المجلس تابعا لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. وقد فسر البعض الخروج الإعلامي لمدير دار الحديث الحسنية، أحمد الخمليشي، على صفحات جريدة «الاتحاد الاشتراكي» للرد على فتوى محمد المغراوي حول تزويج بنت التاسعة، على أنه نوع من لي الذراع لوزير الأوقاف الذي يتبع له المجلس العلمي الأعلى، صاحب البيان ضد المغراوي، وقال أحد المتتبعين للملف إن الخمليشي «أراد من الرد إثبات أن المجلس خضع للتعليمات ولم يناقش الفتوى مناقشة فقهية علمية واكتفى بالهجوم». وفي ذات السياق، لاحظ الكثيرون أن استثناء علماء الرابطة المحمدية للعلماء من التتويج، خلال ملتقى تطوان الذي منح فيه الملك أوسمة لعدد من أعضاء المجالس العلمية، يدخل في سياق الصراعات الخفية بين الوزارة والرابطة، على خلفية من يقود سفينة الإصلاح وسط أمواج التقلبات الحالية. وإذا كانت الدفعة الأولى من تلك الإصلاحات قد حملت عنوان «التأهيل»، باعتبار أن الحقل الديني في تلك الفترة كان بحاجة إلى رسم معالم الطريق ووضع الاختيارات الكبرى للدولة، أو الثوابت، فإن الدفعة الثانية من تلك الإصلاحات قد جاءت تحت عنوان «القرب»، تأكيدا من الملك على ضرورة القيام بنوع من التقييم العملي لتلك التجربة بعد أربع سنوات من عمرها، وذلك عبر التأكيد على اللامركزية في المؤسسات الدينية، من خلال إعادة النظر في خريطة انتشار المجالس العلمية المحلية وتعميمها، بحيث يكون لكل عمالة أو إقليم مجلسه العلمي، وهو ما يعني أن عدد المجالس العلمية سيرتفع من 30 حاليا إلى سبعين، كما سيتوطد الجانب المؤسساتي في هذا التوجه بإحداث مجلس علمي للجالية المغربية بأوربا يهدف إلى الانفتاح على خصوصيات القضايا الدينية والثقافية لمغاربة الخارج بغاية الحفاظ على هويتهم المغربية، وحماية الجالية المغربية في الخارج من التيارات المذهبية المختلفة، وسط الحديث عن اختراق شيعي للجاليات المغربية في الخارج، إذ تتحدث المصادر عن عشرات الآلاف من المغاربة الذين تحولوا من المذهب السني المالكي إلى المذهب الشيعي الجعفري. التفاصيل في الملف الأسبوعي.