من الجليّ أن القراء يتلقفون الأعمال السردية والشعرية التي تحتفي بالشرط المعرفي والجمالي والفني وبالبعد الإنساني النبيل في بيئتها المحلية بشكل لافت، وتمتلك بالتالي، عبر الترجمة إلى لغة أو لغات أخرى، تأشيرة العبور إلى جغرافيات أخرى قريبة أو بعيدة، وهناك يتهافت القراء على قراءتها بنَهَم. بعد هذا المدخل المقتضب، يمكن أن نجترح السؤال: هل يغري إبداعنا السردي والشعري بالقراءة؟! باستثناء متون سردية ودواوين شعرية قليلة ذات قيمة إبداعية وازنة، فإن جل ما يُكتَب من شعر وقصة ورواية يُنفّر القراء ويغضبهم، لكونه ينز رداءة وضحالة وعطانة وهذيانا.. نتيجة افتقاره إلى لغة انسيابية وانزياحية تفتح أفقا للتعبير بشكل مدهش عن اليومي والعرضي والعابر، ولكونه غير مسكون بأسئلة عميقة مقلقة ممتدة، هي سر الحضور المتجدد للإبداع، ونظرا إلى كونه بدون رؤى عميقة للذات والعالم والوجود، وباعتباره لا ينهل من تخييل خصب ولا يراهن على قول المختلف واللا مفكر فيه.. بيد أن ما يؤلم أكثر هو أن كتبة هذا «الإبداع» عندما يقرؤون نصوصهم في أماسٍ أو أنشطة أو ملتقيات ثقافية، يلحنون دون أن يرفّ لهم جفن، كما أنهم لا يقدمون إضاءات هامة ومُحترَمة عندما يُفتَح نقاش حول ما قرؤوه على المنصة وهم في حالة انتشاء.. ويمكن أن نعزو خواء هذا النوع من الإبداع إلى المقروء الواهي جدا للذين يكتبونه وإلى هشاشة تجربتهم في الحياة، لاسيما أن التجربة الحياتية هي النسغ الذي تتغذى منه شعرية الإبداع، وإلى نشرهم كتاباتهم في مواقع إلكترونية ثقافية على شبكة الأنترنت، فيصابون بوهم أنهم كتّاب من طراز رفيع، لكن كتاباتهم تطفح بمختلف العاهات اللغوية والتركيبية والرؤيوية.. وهذا ما يدعونا إلى القول إن «الأنترنت جنت على الأدب»!.. ما كان لهذه الفظاعة التي يشهدها إبداعنا السردي والشعري لتكون لو كان لدينا نقد مسؤول يقرأ ما يكتب من نصوص روائية وقصصية وشعرية بالاحتكام إلى المعيار الإبداعي، دون اعتبار لاسم الكاتب، وجراء غياب هذا النقد، تدفع الرداءة آخرين بلا موهبة وبلا ثقافة إلى دخول «سوق» الكتابة واختيار مكان يعرضون فيه ما كتبوا رغم أن هذا المكتوب أشبه بسلع الشّينْوا.. وإلى جانب النقد، تتحمل دور النشر المغربية، بدورها، المسؤولية في هذا الإبداع الذي لا يروق المتلقي، ذلك أنها تنشر نصوصا إبداعية ضحلة لمن هبّ ودب.. وعليه، فالمطلوب من هذه الدور أن تكون لديها لجن للقراءة، تقرأ العمل الإبداعي ثم تحسم في مدى قابليته للنشر أو نشره على المشجب!.. أخيرا، نحن مع الكتابة الإبداعية التي تنحت لذاتها فرادتها من خلال شعريتها المبهرة، والتي بموجبها تنتزع اعترافا نقديا، لكننا سنظل ضد الكتابة الشبيهة ببالونات مسحوق «التّيد»..