لعل الملف الوحيد الذي لم تلمسه رياح «الربيع العربي» في المنطقة المغاربية هو ملف نزاع الصحراء، فقد تحركت جميع الملفات الأخرى، بما فيها اتحاد المغرب العربي، الذي ظل مجمدا منذ نحو عقدين، وملف الحدود بين المغرب والجزائر، بيد أن ملف الصحراء ظل عصيا على التغيير. والأكثر من ذلك أن ملف الاتحاد المغاربي وملف الحدود تم فتحهما بطريقة أظهرت أن هناك قناعة لدى مختلف الأطراف بضرورة إبعاد ملف الصحراء عنهما والتعامل معهما بمعزل عنه، باعتباره المشكل الأكثر حساسية في المنطقة. وقد لوحظ أن الرئيس التونسي الجديد المنصف المرزوقي خلال جولته في المنطقة، التي قادته إلى المغرب، كان يعيد التأكيد على أن قضية الصحراء يجب وضعها «بين قوسين»، بالرغم من أنه في جولته المغاربية حرص على أن يؤكد على أن إحياء الاتحاد المغاربي مشروع تاريخي يهم جميع بلدان المنطقة. لكن نزاع الصحراء أظهر أنه الأكثر استقرارا مهما كانت المشاريع التاريخية الطموحة بالمنطقة، وهو السبب الذي يدفع العديد من المراقبين المغاربيين إلى القول بأن المرزوقي يحمل حلما فقط، لأن عدم تحريك صخرة الصحراء يحكم على هذا الحلم المغاربي بالفشل سلفا. وقد جاء فشل الجولة الأخيرة، التاسعة في سلم المفاوضات بين المغرب والبوليساريو حول الصحراء، التي اختتمت يوم 13 مارس الجاري بعد ثلاثة أيام من المباحثات، ليؤكد أن هناك عقبات حقيقية تحول دون إيجاد مخرج للنزاع، الذي استمر حوالي أربعة عقود ورهن مستقبل ومصير شعوب المنطقة، إذ أظهرت تلك المفاوضات أن مشكلة الصحراء تتجاوز «اللوك» الظاهري لمن يرأس طاقم المفاوضين المغاربة، لأن البعض ركز على صورة وزير الخارجية المغربي سعد الدين العثماني، الذي يعتبر أول مسؤول سياسي حزبي يرأس الوفد المغربي إلى مانهاست، وهي خطوة إيجابية من الجانب المغربي على المستوى الديبلوماسي أظهرته بمظهر المفاوض الواثق من موقعه من جهة، ومن جهة ثانية أعطت رسالة سياسية للبوليساريو بأن ملف الصحراء ليس حكرا في المملكة على الدائرة الضيقة حول القصر. العثماني اعتبر أن المفاوضات الأخيرة غير الرسمية مع البوليساريو حققت بعض التقدم، الذي حدده في الجوانب المرتبطة بإجراءات الثقة وإزالة الألغام، بينما يظل الجانب السياسي بحاجة إلى عمل كثير. غير أن الجانب السياسي هو الأكثر صعوبة، ذلك أن جبهة البوليساريو لا زالت تعتبر مبادرة الحكم الذاتي، التي اقترحها المغرب كإطار للحل قبل حوالي ست سنوات، غير قابلة للنقاش، بينما يرى فيها المغرب الإطار الممكن لتحقيق الحل السياسي الذي تدعو إليه مختلف الأطراف الدولية. وأمام استمرار حوار الطرشان بين الطرفين في كل محطة للمفاوضات هناك قابلية لإعادة النظر في مبادرة الحكم الذاتي على أساس تقريب وجهات نظر الطرفين، وإبداء مدى استعداد المغرب لضمان حل إيجابي في إطار السيادة الوطنية. وهو ربما ما قصده العثماني عندما صرح عقب الجولة التاسعة بأن التحولات الإقليمية الجديدة والإيجابية «تفرض على كافة الأطراف تغيير رؤيتها والعمل وفق مقاربة مبتكرة٬ وهو ما يحرص عليه المغرب». غير أن العلاقات المغربية -الجزائرية وما يمكن أن يفرزه المستقبل القريب بشأن تطبيع العلاقات وفتح الحدود، ومعه أيضا إعادة إطلاق اتحاد المغرب العربي ومؤسسة القمة، من شأنها أن تحدد جزءا من الحل السياسي. وبالنظر إلى تدخل مجموعة من الأطراف الدولية في ملف الصحراء لا بد أن الملف سوف يشهد نوعا من البطء في التعامل معه خلال هذه الفترة في انتظار الانتخابات الفرنسية والأمريكية التي سترسم هوية الحزب الفائز لمعرفة توجهاته حيال شؤون منطقة المغرب العربي وفي قلبها نزاع الصحراء.