حينما تعهد مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، وزوجته بالتبرع بأعضائهما البشرية، بعد وفاتهما، للمحتاجين ووضعا رهن إشارة الأطباء أعضاءهما، وذلك لاستعمالها في عمليات زرع الأعضاء البشرية للمرضى، استحقا من الحاضرين تصفيقا ونالا من الأساتذة المشرفين على رسالة دكتوراه لابنتهما إشادة وميزة حسن جدا تندرج مبادرة الوزير وحرمه في سياق التحسيس بأهمية التبرع بالأعضاء البشرية والتصدق بها على من به حاجة إليها، كما ستعطي للحضور معنى آخر، بعد أن كانت الأمهات يكتفين عند حضورهن إلى حفل تقديم رسالة جامعية بالتبرع على فلذات أكبادهن بزغرودة تخترق صمت المدرج، كما يتبرع الآباء بدموع تنساب على الخدود تقول للحاضرين: اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد. حاول وزير العدل إعطاء دفعة جديدة لعمليات التبرع بالأعضاء، بعد أن تبين أن المغاربة من أقل الشعوب تبرعا بقطع الغيار البشرية، بينما سكت وزير الصحة العمومية أمام الجدل السياسي والقانوني الذي أعقب مبادرة الرميد. المغاربة يتبرعون بالدم ليس فقط في الحملات الموسمية بل كلما أصاب مكروه فردا من أفراد العائلة، ويحتل التبرع بالكلى الرتبة الثانية في الترتيب العام للتبرع بالأعضاء، إذا اعتبرنا التصدق بالدم صدقة جارية، لكن التبرع ببقية الأعضاء لازال محتشما حسب تقارير إحصائية متقادمة تحتاج إلى من «يتبرع» عليها بعملية تحيين للمعطيات. رغم أنني لا أتفق على هذا الطرح لأن المغاربة لا يتبرعون فقط بالأعضاء البشرية بل يعرضونها للبيع أو الإيجار؛ فلاختيار أعضاء مجلس المستشارين ومجالس الجهات والجماعات والغرف المهنية، أثناء الحملات الانتخابية، تنشط عملية التبرع بالأعضاء، حيث تزدهر عملية «تهجير» المستشارين الجماعيين قبل تسويقهم «جملة» لمن يدفع أكثر، بفضل سماسرة المشهد الانتخابي الذين يجعلون من الصوت الانتخابي سلعة بشرية عليها عبارة «للبيع والكراء». قضية التبرع بالأعضاء البشرية تحتاج إلى مؤسسة ترعاها لها قوانين صارمة، فليست كل قطع الغيار البشرية قابلة للتصدق بها أو لبيعها حتى، لأنه من غير المستحب زرع أذن مخبر لمريض يعاني من ضعف حاسة السمع، فقد يتحول الرجل بعد أن يزول «البنج» إلى «بركاك» نظرا إلى درجة الالتقاط القوية التي يتمتع بها العضو المزروع، وأخشى أن يبادر بخيل إلى التبرع بدماغه، فيهرب المريض من المصحة خوفا من أرقام الفاتورة، أو جلاد بكبده فيستبدل المريض طيبوبته بقساوة العشماوي، عميد الجلادين العرب، والخوف كل الخوف من أن يمتد التبرع إلى اللسان فيزرع الأطباء لسانَ ثرثارٍ لمحبٍّ للاختصار. قضية التبرع بالأعضاء البشرية تثير جدلا فقهيا أيضا، ففي أحد برامج التوعية الدينية طرح شاب سؤالا على داعية قال فيه: تبرعت لأبي بجزء من كبدي؛ وتم تغيير كبد أبي بجزء كبدي، فهل يجوز لأبي أن يجامع أمي؟ جاء الرد مطمئنا، حيث قال رجل الدين للسائل إن تبرعه لأبيه بجزء من الكبد لا أثر له على علاقة الأب بزوجته التي هي أم السائل. والتبرع بالدم نفسه لا تترتب عليه علاقة بين المتبرع والمتبرع له. لكن الجدل الفقهي ذهب إلى أبعد من توصيات رسالة نجلة الوزير، وتساءل عن حكم تبرع امرأة بالدم لطفل، وما إذا كان محرما، لكن الردود أجمعت على أن التبرع بالدم من امرأة ليس كالتبرع بحليب الرضاعة، وذهب البعض إلى حد إجازة عدم قبول التبرع بعضو بشري والله أعلم.