سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الوكيلي: استثمار تكنولوجيا المعلوميات للتدبير الإداري والتربوي وليس «للديكور»» قال إن الجهوية الموسعة هي مفتاح الخلاص لأنها تُحيلُنا على تفتيت ملائم لجسم هذه المعضلة
أكد محمد عزيز الوكيلي، رئيس قسم تدبير الموارد البشرية والاتصال والشراكة بوزارة التربية الوطنية، أن المؤمل من المدرسة هو تخريج شباب عارف وقادر على خوض غمار الحوار الحضاري في بُعده الكوني، والانضمام إلى مجتمع الإعلام والمعرفة. وأوضح الوكيلي، في حوار ل«المساء» ، أن تكنولوجيا المعلوميات لا ينبغي التعامل معها كمجرّد آلات راقنة متطوِّرة، دون القدرة على استغلال ممكناتها في التحليل والتخطيط والبرمجة والمتابعة والتقييم واستخلاص النتائج والخُلاصات، والأكثر من ذلك، استغلالها في ابتكار صِيَغ تدبيرية جديدة وغير مسبوقة، في إطار ما نسمّيه إنتاجاً للمعرفة. الإدارة علم وصناعة كما تعلمون، واليوم هناك متطلبات كثيرة تفرضها المدرسة المعاصرة على الإدارة التربوية، تجعلها فاعلة ومبادرة ومتواصلة، كيف يمكن تكوين مدير أو مدبر بهذه المواصفات؟ إن التكوينات الحديثة، بل الحداثية، التي ينبغي أن يخضع لها ويستفيد منها مدير الإدارة التربوية الجديد، تمتح من الانشغالات السائدة في عالم التربية في وقتنا الراهن، والتي لها صبغة عالمية وكونية. فالمدرسة التي نأمل منها تخريج شباب عارف وقادر على خوض غمار الحوار الحضاري في بُعده الكوني، والانضمام إلى مجتمع الإعلام والمعرفة، يجب أن يكون مسيِّروها مستوفين للشروط ذاتها، أي قادرين على مصاحبة العملية التربوية في بُعْدِها الجديد هذا بالذات. من أبرز تلك التكوينات: أولا: تكنولوجيا المعلوميات، من أجل استثمارها في التدبير الإداري والتربوي، وليس كما هو الحال في الوضع الراهن مجرّد ديكور، وفي أحسن الأحوال مجرّد آلات راقنة متطوِّرة، دون القدرة (حاليًا وسابقاً) على استغلال ممكناتها في التحليل والتخطيط والبرمجة والمتابعة والتقييم واستخلاص النتائج والخُلاصات، والأكثر من ذلك، استغلالها في ابتكار صِيَغ تدبيرية جديدة وغير مسبوقة، في إطار ما نسمّيه إنتاجاً للمعرفة. ثانيا: أساليب تحليل سلوك الأطفال وردود أفعالهم إزاء التعلمات، وتُجاه أطر هيئة التدريس. ذلك أن كل التجارب الإصلاحية التي سبق تطبيقها، أو تطبيق جوانب منها، كانت تنطلق من وجهات نظر الكبار وتصوّراتهم وقناعاتهم... ولم يسبق لأي تجربة منها أن سألت نفسها: «ما موقف الطفل من كل ما نُعِدّه ونهيِّئه ونخطط له بعيدًا عنه وفي غيابه؟» ثالثا: كيفية تغيير المفهوم القديم والمتجاوَز لمهمة المدير والمدرّس، والتي ينبغي أن يحُلّ محلها مفهوم الشريك والصديق والقريب، بالشكل الذي يجعل المدرسة امتدادًا حقيقيًا لبيت الأسرة، بدلاً من أجواء التجييش في العلاقات، وسلوكات الاستعلاء في نظرة المدير والمدرّس إلى التلاميذ، والتي تبدو أشبه ما تكون بأجواء الثكنات العسكرية. ثم رابعا، كيفية تكريس الاستقلالية في اتخاذ القرارات، وأيضاً في تحمّل تبعاتها بصدر رحب، وبغير أي شعور بالغبن أو نحوه. فالأمر يشكل معادلة متكافئة تأتي في أحد طرفيْها حرية المبادرة، في تفضيل بعض الكتب والبرامج والأساليب التلقينية... الخ؛ ويجيء في طرفها الآخر وجوب الخضوع للمحاسبة، التي هي أساس عدالة الاختيار الحُرّ. بمعنى أن علينا أن ندرّب مديري الإدارة التربوية على اكتساب القدرة على الأخذ بالخيارات الصائبة، أو الأكثر صواباً على الأقل، ثم القدرة على تحمّل ما يترتب عن تلك الحرية من نتائج. وكما نرى اليوم، فإننا لم نفعل سوى أننا خرّجنا مسؤولين تربويين متعوّدين على تلقي التعليمات وتنفيذها، وبالتالي إرجاع نتائجها السلبية إلى السلطات الأعلى في سلم الإدارة التعليمية، وهذا موقف لا يمكن وصفه إلاّ بالمريض والقاصر، والدولة هي المسؤولة عن إنتاج هذا النوع من المديرين التربويين. أغلب فئات المنظومة تطالب اليوم بتسويات، بعضها ذات مطالب منطقية مقبولة، وبعضها تحمل مطالب «طارئة» جاءت بعد ما يسمى بالربيع العربي، أين يكمن الخلل في تقديركم؟ هل في القوانين السائدة أم في الذهنيات؟ هناك حالات مختلفة كما ورد في السؤال ذاته، فهناك فئة عانت من أخطاء في التنظير والتدبير، نجمت عنها تغييرات وتعديلات متتالية في وسائل الحكامة وأدواتها، الأمر الذي جعل مطلب الحكامة الجيدة بعيد المنال في معظم التجارب الإصلاحية السابقة، بالرغم من الاقتراب بيْن الحين والآخر من الصيغ الصائبة والمطلوبة. هذه الفئة ينبغي أن تتحلى بالصبر لأن إصلاح ما فسد واعوجّ خلال عقود طويلة، يتطلب بعض الوقت، ونتمنى أن يكون هذا الزمن في حدود سنة مالية وليس أكثر. ذلك أن معظم المسائل المطروحة يتوقف حلها على توفير الاعتمادات اللازمة. وتبقى المطالب التي قد لا تتطلب أموالاً، ولكنها تقتضي الصبر على أساس إشراك كافة الأطراف المعنية في معالجتها. هناك ملاحظة على هذا الصعيد: فأعداد كبيرة من التظلمات الواردة على الإدارة تكون القرارات المتعلقة بها صادرة عن لجان أو هيئات يشترك فيها الفرقاء الاجتماعيون (النقابات التعليمية) الذين يُفترَض أنهم ممثلون للأسرة التعليمية، أي للمتضرِّرين من القرارات ذاتها. والحال أن هؤلاء يستمرون في تذمرهم واحتجاجهم ومؤاخذتهم الإدارةَ بالرغم من علمهم بأن ممثليهم ساهموا في معالجة ملفاتهم، وأن الإدارة تركت هامش المساهمة واسعا أمام هؤلاء توخِّيًا للعدل والمساواة وتكافؤ الفرص. حرصت برامج الإصلاح الأخيرة على تمتيع الأكاديميات الجهوية باستقلالية مالية وإدارية، هل الإطار القانوني الحالي المنظم لعملها قادر على استيعاب روح الجهوية كما يتم التفكير في تبنيها مستقبلا؟ أعتقد أن الإطار القانوني مستوف لجميع شروط تكريس الاستقلالية الواسعة المطلوبة. غير أن العقلية السائدة على صعيد السلطة المركزية لا تزال في حاجة إلى إعادة تشكيل حتى تقبل الانفصال المنشود بيْن المركز والجهات. هناك مثلاً تنصيص القانون المحدِث والمنظم للأكاديميات على أن النيابات الإقليمية تعتبَر مصالح خارجية لهذه الأخيرة، ولكن الوزارة ومسؤوليها ما زالوا يعتبرونها مصالح خارجية للوزارة، ويتعاملون معها على هذا الأساس. ويكفي أن أشير إلى أن هذا الوضع يعود إلى سنة 1975، وأن القانون 00.07 المؤسس للأكاديميات يجعله غير ذي موضوع. بل إن الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الذي يشكل الإطار العام للإصلاحات الجارية، وكذا للقانون المحدث للأكاديميات، فصَل في هذه العلاقة منذ سنة 2000، ولكنها لا تزال على حالها خارج النص. هناك مثال آخر يتمثل في مبادرة السلطة المركزية إلى تفويض بعض صلاحياتها للأكاديميات، بينما القانون يقتضي تفويت تلك الصلاحيات وليس تفويضها فحسب... أي أن هناك جيوبا لا تزال ترى أن الأكاديميات مجرّد وسيلة للتخفيف من بعض أعباء الوزارة، أو تراها قاصرة بَعْدُ ولم تبلغ سن الرشد لكي تستحق واقع الاستقلالية. للتذكير، فالأكاديميات الجهوية تبلغ حاليًا السنة الثانية عشرة من العمر ويزيد. إذن، فالإطار القانوني متوفر وملائم، ولكن واقع الممارسة هو الذي لم يتسنّ له أن يرتقي إلى المستوى المطلوب. لماذا علينا الانتباه مستقبلا بجدية إلى مشكلة التأهيل المعرفي والمهاري للموارد البشرية؟ المشكل هنا مشكل ثقافة وفهم باطل ترسخا منذ عقود. هناك إحساس شبه عام، ولا أريد هنا أن أعمم، بأن التخرّج من مراحل التكوين الأساسي هو نهاية النهايات، وربما وجد البعض أن التداريب المنظمة في إطار التكوين المستمر لا فائدة منها. فالمدير يدبر شؤون المدرسة، والمدرسة قائمة وحيّة تُرزَق... وكفى الله الأطر التعليمية شر الجهاد في النفس. هناك واقع بالغ المرارة، فأعداد وفيرة، وربما مخيفة من حيث حجمُها، من أطر التربية والتكوين، تحتاج أكثر من أي وقت مضى ليس إلى تحسين مستوياتها المعرفية والثقافية والتقنية، بل إلى التأسيس لجهد معرفي جديد، أي أساسي، يُعيدها إلى سكّة الواقع. هناك مثلاً مديرون وأطر تربوية وقفوا بشكل كليّ عند المستوى المعرفي الذي كان لديهم لحظة التخرّج. نضيف إلى هذا جهل أعداد كبيرة منهم بالمعلوميات، بل أبسط أسباب الاستعمال العادي واليسير للحاسوب، الأمر الذي يجعل أعدادًا منهم عاجزين عن متابعة تلاميذ المؤسسات التي يُزاولون بها مهام الإدارة أو التدريس، ويجعلهم بالتالي عاجزين عن متابعة الأنشطة المندمجة أو مراقبة جودتها أو إبداء رأيهم حول أساليب تدبيرها كلما كانت لتلك النشاطات علاقة بالمعرفة المعلوماتية أو بوسائلها الآلية والإلكترونية والرقمية. والمعضلة أن هذا العجز لا يتبلور على هذا المستوى فحسب، بل يتمطّط فيشمل موقف الأطر المعنية من صيغ الإصلاح الجديدة، والتي تقترحها الوزارة في كل تجربة إصلاحية جديدة.. وفي نظري المتواضع، فإن الجهوية الموسعة هي مفتاح الخلاص، لأنها تُحيلُنا على تفتيت ملائم لجسم هذه المعضلة، ذلك أنها تضعنا أمام إمكانيات جهوية أكثر قوة وحسما، وأمام استقلالية في وسعها أن تؤمن معالجة المشكل من خلال عناصره المحلية والإقليمية والجهوية، المطبوعة بطابع الخصوصية البيئية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكل نطاق جهوي أو إقليمي أو محلي على حدة. وفي ذلك تيسير شديد وتدليل أكيد لصعوبات كان يفرضها علينا أسلوب مغرق في المركزية يمكن عزْو معظم هموم القطاع التعليمي إلى نمطه التسلّطي هو بالذات. الحل الأمثل إذن، هو التدبير الجهوي فالإقليمي فالمحلي لمعضلة انحسار أفق جمهور غير يسير من أطر التربية والتكوين، دون أن نغفل أن نضيف إلى أسباب هذا الانحسار عزوف الأطر المعنية عن بذل أي جهد ذاتي من أجل تنويع المعارف وتوسيع المَدارك بغية الانتماء الفعلي إلى العصر، والسفر بثقة وتفاؤل إلى آفاقه.