يواصل العشرات من المحتجين من ساكنة الجماعة القروية إميضر في ضواحي تنغير احتجاجاتهم التي بدؤوها منذ غشت الماضي، لمطالبة مسؤولي الشركة التي تتولى استغلال منجم الفضة في المنطقة، بالمساهمة في تنمية المنطقة وإخراجها من العزلة التي تعاني منها والتخفيف من حدة البطالة التي تنتشر في صفوف شبابها. ويقول سكان الجماعة إن المنطقة تعاني من نقص حاد في الماء الشروب منذ ربيع 2011. ويعتبر السكان أن هذا النقص ناجم عن «استغلال مفرط» للفرشة الباطنية من طرف الشركة. وألحق هذا النقص أضرارا بالفلاحة المعاشية، التي تُعتبَر من أهمّ الموارد الاقتصادية في المنطقة. كما تتحدث الساكنة عن أضرار ألحقت بهذه المادة الحيوية نتيجة التلوث بمخلفات عمليات الإنتاج في المنجم عبر تسرب مواد سامة. ويتهم السكان الشركة بطرح النفايات السائلة والغازية والصلبة دون اتخاذ أي إجراءات وقائية للحفاظ على البيئة. كما يتهمون الشركة باستغلال أراضٍ تابعة للجماعات السلالية، دون اعتماد أي إجراءات قانونية لهذا الاستغلال. ويطالب السكان، في المقابل، بالمساهمة في اتخاذ إجراءات لإخراج المنطقة من العزلة التي تعاني منها، عن طريق تعبيد الطرق وتعميم الشبكة الكهربائية وإحداث مرافق صحية وتوفير النقل المدرسي وربط منازل القرية بالماء الصالح للشرب، ويعيبون على الشركة عدم التزامها بدورها في التنمية المستدامة. وتقارب النسبة التي تخصصها الشركة لتشغيل شباب المنطقة 14 في المائة من مجموع المستخدمين فيها. ووقّعت كل من الجماعة القروية والشركة بندا ينص على فتح المجال أمام الطلاب والمتدربين للتشغيل الموسمي. وتطالب ساكنة المنطقة بالرفع من نسبة تشغيل شباب المنطقة في مختلف مرافق الشركة وتطبيق بند التشغيل الموسمي للطلبة والمتدربين. وقال يونس هرا، أحد أبناء المنطقة، إن احتجاجات الساكنة مشروعة بحكم أن الشركة نقضت بعض العقود التي أبرمت معها من قبل في ما يخص استغلال المياه واستغلال المساحة المخصصة للاستغلال. وأضاف أن ساكنة المنطقة تعاني، في المقابل، من تهميش، لكنه اعتبر أن الحل لن يكون إلا بالحوار وبانخراط جميع الأطراف، من سلطات محلية ومنتخبين وجمعيات وساكنة في إيجاد حلول منطقية للمشاكل التي تعاني منها المنطقة وبجدولة زمنية. وسار ابراهيم أماد، من فعاليات المنطقة، في نفس الاتجاه وقال إن لا يمكن للشركة أن تستمر بدون انخراط السكان، ولا يمكن المنطقة أن تعيش بدون الشركة، موردا أن المخرج لن يكون إلا بالحوار البنّاء بين الأطراف. وأورد ابراهيم أماد أن الاحتجاجات التي بدأت قبالة المجلس القروي، قبل أن تنتقل إلى أحد ثقوب المياه في الجبل المحاذي للمنجم، تعرضت لاستفزازات، رغم أنها كانت سلمية، واتهم منتخبين من حزب الأصالة والمعاصرة، ومعهم أطراف من السلطة، بالوقوف وراء هذه الاستفزازات. وفي السياق نفسه، طالبت مصادر متتبعة لهذه الاحتجاجات السلطات بالتعامل بحزم في مراقبة ميزانية الجماعات المحلية التي غالبا ما لا تصرف في مشاريع تنموية تعتبر المنطقة في أمسّ الحاجة إليها. وذكرت المصادر أن الجماعة القروية لإميضر تتصرف في ميزانيات مهمة كان من الأجدر أن تساهم في فك العزلة عن المنطقة، إلى جانب الشركاء الآخرين، بما فيهم الفاعلون الاقتصاديون والقطاعات الحكومية والسلطات الإدارية المحلية التي تتهم ب«التقاعس» وتغييب منطق الاجتهاد لإخراج المنطقة من الاحتقان الاجتماعي الذي تعاني منه. وكانت عدد من جلسات الحوار قد أجريت مع المحتجين في مقر عمالة تنغير وبالقرب من «ساحة» الاحتجاج، لكن هذه الجلسات التي طغى عليها «الهاجس الأمني» لدى المسؤولين المحليين، لم تنفع في إقناع عدد من السكان بجدوى فض الاحتجاجات. وقد اضطرت الشركة، من جهتها، إلى إصدار بلاغ إشهاري، يوم 10 فبراير الجاري، ل»تنوير الرأي العام» حول الوضع في المنجم، بعد تعرض إنتاجه لأضرار ناجمة عن الاحتجاجات وإيقاف تزويده بالمياه، بعدما عمد المحتجون إلى قطع أحد خزانات المياه في الجبال المحاذية.
منطقة بمؤهلات تغيب عنها اجتهادات للتنمية تعيش مدينة تنغير وضواحيها، والتي أعلنت عمالة في التقسيم الترابي الأخير، على وقع أزمة صامتة تطفو بعض مظاهرها إلى السطح، بين الفينة والأخرى. وتشتهر المنطقة، التي عرفت تاريخيا بإنتاج الفضة وصناعتها التقليدية وسياحتها الجبلية، وبارتباطها بهدوء الواحات وقصورها التاريخية، بهجرة أبنائها الكثيفة نحو الخارج. وفي الوقت الذي تعرف الفلاحة المعاشية والصناعة التقليدية المحلية تراجعا بسبب عدم جاذبيتهما بالنسبة إلى تطلعات شبان المنطقة، فإن جل العائلات أصبحت تعيش على حوالات مهاجريها، الذين «تشتتوا» في كل من فرنسا وهولندا وإسبانيا وإيطاليا.. وتفتقر المنطقة إلى بنيات تحتية عمومية، فيما تزخر باستثمارات أبنائها، وخصوصا في مجال العقار، حفاظا على «الانتماء إلى الأصل». وتتهم السلطات المحلية والمُنتخَبون الذين تعاقبوا على تسيير شؤونها ب»التقاعس» في اتخاذ إجراءات لربطها بالتنمية المستدامة. ويبلغ التدهور في البنيات التحتية مداه في المناطق القروية المحيطة المدينة، ما يؤدي إلى هجرة مكثفة ستكون لها تداعيات كبيرة في التخطيط المستقبلي للمدينة. وترخي أزمة العمال في دول المهجر، في الآونة الأخيرة، بظلالها على اقتصاد المنطقة، الذي يعاني من «الانحباس»، ويساهم في تأزيمه «الغليان» الاجتماعي الذي يطفو إلى السطح، بين الفينة والأخرى في المدينة. وإلى جانب احتجاجات ساكنة منطقة «إميضر»، والتي تطالب بربط المنطقة بالطرق وبالمستشفيات والمدارس وتشغيل شباب البلدة، فإن ساكنة جل دواوير المنطقة تعاني من «عجز» السلطات المحلية عن إيجاد مقاربة للتعامل الخاص مع ما يسمى «البناء العشوائي» في أراضي الجماعات السلالية من قبل ذوي الحقوق. وأدى هذا الوضع، في الأيام الأخيرة، إلى اندلاع مواجهات في بلدة «واكليم» بين السكان وعناصر القوات العمومية. وتعرف هذه البلدة ب»احتضانها» التيار «السلفي غير المُسيَّس». وكانت المنطقة قد شهدت عدة مواجهات سابقة بين الطرفين، على خلفية قرارات لهدم بنايات تصفها السلطات ب«البناء العشوائي» في واحات لها خصوصيات في ما يخص تقسيم أراضي الجماعات السلالية بين أعضائها وغياب أي وثائق إدارية في هذا الشأن. كما تعيش المنطقة على وقع ملف ساخن، عادة ما يؤدي إلى مواجهات بين الجماعات السلالية نفسها، حتى في المناطق التابعة للمجال الحضري. وتختلف عدد من هذه الجماعات على ترسيم الحدود التاريخية بينها، ما يؤدي إلى نزاعات تُستعمَل فيها الأسلحة البيضاء ويعمد فيها طرفا النزاع إلى قطع الطرق العمومية والإضرار بممتلكات عمومية. وتتوفر المنطقة على مؤهلات بشرية وطبيعية من شأن حسن تدبيرها أن يؤدي إلى إعطاء دفعة جديدة للتنمية في المنطقة. وتفد على المدينة أفواج من السياح الفرنسيين والأمريكيين، لكنها تحتاج، في المقابل، إلى بنيات تحتية وإلى هيكلة للقطاع السياحي من أجل تطوير مداخيل هذا القطاع، الذي يحرّك سلسلة كبيرة من اقتصاد المنطقة.