ساهم قرار التدبير المفوض لوكالة النقل الحضري في فاس في تعميق أزمة سياسية «تاريخية» بين حزبي الاستقلال والعدالة والتنمية في فاس. ورغم أن المجلس الإداري للوكالة قد صادق على القرار، وإلى جانبه أغلبية المجلس الجماعي في دورة فبراير، التي انتهت بمشادة بين الحزبين، يوم الأربعاء، فإن حزب العدالة والتنمية ما يزال متمسكا بمطلب إحداث وكالة للتنمية المحلية عوض قرار التدبير المفوض. وقال عز الدين الشيخ، المستشار الجماعي للحزب، في ندوة صحافية عقدها الحزب مساء يوم الخميس، إن «قرار التدبير المفوض قرار «مهزوز» بالنظر إلى التجارب الفاشلة لهذا التدبير على الصعيد الوطني». وأشار تقرير لحزب العدالة والتنمية إلى أن مستشاريه طالبوا، منذ فبراير 2006، بتنظيم يوم دراسي حول الموضوع. وفي مارس 2010، ونظرا إلى ثقل الديون التي أصبحت «تحاصر» وكالة النقل الحضري، أقيم يوم دراسي عرض فيه مدير الوكالة المبررات التي أدت إلى تأزم الوضع. وخلص اليوم الدراسي، حسب الوثيقة، إلى «وجوب إشراك جميع المتدخلين والمستفيدين للخروج بتوصيات». ويؤكد حزب العدالة والتنمية أنه ظل يُصرّ على اعتماد صيغة «شركة التنمية المحلية»، كما نص عليها الميثاق الجماعي. ويورد أنه سبق لمدير الوكالة أن أوضح لمستشاريه أن هذه الصيغة تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاجتماعية والقانونية التي تسمح للجماعة بالتحكم في الموجودات والمنشآت والتسعيرة، إلى جانب الحفاظ على الموارد البشرية وتأهيلها، مع تحكم الجماعة في رأسمال الشركة. واتُّفِق على تحويل 150 مليون درهمٍ من وزارة الداخلية والإدارة العامة للجماعات المحلية والمجلس الجماعي من أجل أداء ديون الوكالة واقتناء حافلات جديدة تغني الأسطول. لكن حزب العدالة والتنمية تفاجأ، حسب تعبير الوثيقة، بعدم تحويل المجلس الجماعي 48 مليون درهم التزم بأدائها للوكالة وبمذكرة تلغي صيغة «شركة التنمية المحلية» وتعوضها بصيغة «التدبير المفوض». دفاع شباط قال عمدة فاس، في دفاعه عن قرار التدبير المفوض، إن المجلس الجماعي، في إحدى دوراته في 2010، قرر دعم الوكالة ونص على إمكانية تحويل القطاع إلى التدبير المفوض، في حال بقاء الأمور على ما هي عليه. وأشارت مذكرة المجلس حول قرار التدبير المفوض إلى أن المجلس الجماعي قام بعدة مبادرات من أجل النهوض بالقطاع وتسوية ديون الوكالة وتعزيز أسطولها، لكنْ اتضح أن الوكالة ما تزال تعاني من نفس مشاكلها، مما دفع المجلس إلى اتخاذ قرار التدبير المفوض. وذكرت الوثيقة أن صيغة «شركة التنمية المحلية» لم يسبق لها أن طُبِّقت في المغرب، وقال إن هناك مشاكل قد تترتب عنها. تخوفات العدالة والتنمية يتخوف حزب العدالة والتنمية من أن يؤدي قرار التدبير المفوض إلى الرفع من تسعيرة تذاكر الحافلات وإلى الإضرار بالمصالح الاجتماعية للعاملين في الوكالة وإلغاء تخفيضات يستفيد منها الطلبة والتلاميذ. في حين ذكرت وثيقة المجلس الجماعي أنه تقرر الاحتفاظ بكل المستخدمين في الوكالة وإدماج كل المتعاقدين وترسيمهم قبل التفويت، مع إضافة عدد كافٍ من السائقين. وتشير تقارير إدارة وكالة النقل الحضري في المدينة إلى أن جميع المؤشرات المتعلقة بالاستغلال في تراجع متواصل، رغم المجهودات المبذولة والإمكانيات المالية المهمة التي رُصِدت لإعادة هيكلة الوكالة. ولم تتمكن الوكالة، طبقا لهذه المعطيات الرسمية، من تشغيل أزيدَ من 115 حافلة متحركة بسبب النقص الحاصل في السائقين، نتيجة عدم تعويض السائقين المتقاعدين في السنوات الأخيرة. وتتوفر الوكالة على حوالي 214 سائقا، في حين يتطلب الوضع تشغيل 110 حافلة و272 سائقا. ولجأت الوكالة، من أجل تدارك هذا العطب، إلى تشغيل عدد من السائقين طيلة اليوم. وستكون الوكالة أمام مشكل كبير بسبب العدد الذي سيغادر الوكالة هذه السنة. وكانت الوكالة ترغب في تشجيع المغادرة الطوعية لمستخدميها لضخ مقاربة جديدة للعمل والإنتاج، لكن التقارير تؤكد أن هذه المغادرة لم تحقق النتائج المتوخاة منها. وكلفت زيادات في أجور المُستخدَمين ميزانية كبيرة للوكالة، التي أدت بها الأزمة، في عدة مرات، إلى العجز عن أداء أجور المستخدمين. ولم تتردد هذه التقارير في وصف الأزمة ب«العجز البنيوي الذي لا يُمكّنها من مواجهة وتغطية مصاريفها الضرورية بواسطة مداخيلها المباشرة». وتربط حافلات وكالة مدينة فاس بعدد من الجماعات القروية في إقليمي صفرو ومولاي يعقوب. لكن هذه الجماعات لا تؤدي ميزانيات دعم لفائدة الوكالة، رغم الاتفاقات الموقعة في هذا الشأن، ما زاد من حدة الأزمة. وتخلف الخطوط الجامعية والمدرسية خصاصا في ميزانية الوكالة يقدر ب52 مليون درهم سنويا. وبقيت تسعيرة التذاكر مُجمَّدة منذ سنة 2006 لاعتبارات اجتماعية، لكن الوكالة تتحدث عن «عدم وجود توازن بين الزيادات في كل عناصر الاستغلال وبين ثمن التذكرة». وتعرف الحافلات ارتفاعا في الخطوط «الشعبية» تملصا من أداء ثمن التذكرة. وتقارب نسبة المتملصين من الأداء 15 في المائة. وينافس النقل السري والدراجات الثلاثية وسيارات الأجرة الصغيرة والكبيرة حافلات النقل الحضري. وتشير الإدارة الجديدة للوكالة إلى أن جميع المؤشرات ما زالت تسجل تراجعا متواصلا، رغم التدابير التي تم اتخاذها. وكان اسم وكالة النقل الحضري غي فاس قد ارتبط، لعقود، بكونه من أبرز «قلاعط نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، الدرع النقابي لحزب الاستقلال. وطفت إلى السطح، في الآونة الأخيرة، ملفات اتُّهِم فيها نقابيون بسوء التدبير من قبل لجنة للمستخدمين. معاناة الساكنة سواء اعتمدت السلطات قرار التدبير المفوض أو صيغة شركة التنمية المحلية، فإن أزمة النقل الحضري لا تقتصر فقط على وكالة النقل الحضري وما تتخبط فيه من مشاكل هي نتاج اختلالات تدبير سادت في الوكالة لعقود من الزمن وتداخل فيها النقابي بالإداري بالسياسي.. فالوضع يفرض زيادة عدد كبير من الحافلات لكي يتمكن الأسطول من تغطية مختلف الأحياء الشعبية والجديدة والمناطق المحيطة، في ظل توسع عمراني مرتبط بكثافة سكانية متزايدة. لكن هذه الزيادة ستزيد من إغراق الطرق والشوارع في المدينة، وهي التي أصبحت، في الآونة الأخيرة، تعاني من اختناقات كبيرة تجعل مستعملي الطريق من أصحاب السيارات يخسرون ساعات من أجل الخروج من «نفق» هذه الشوارع، التي تعاني، من جهة أخرى، غياب أي ضوابط لركن السيارات ونقصا حادا في علامات التشوير. كما أن القطاع يعاني من انتشار النقل السري في عدد من الأحياء الشعبية وفي خطوط ذات كثافة سكانية كبيرة، ما سيؤدي إلى خلافات حادة بين حافلات النقل وبين أصحاب سيارات النقل السري، الذي يتم التعامل معه في المدينة بنوع من «المرونة»، بسبب حساسية الأوضاع الاجتماعية. كما ستقوى «المشاحنات» بين الحافلات ومن سيتولى شأنها وبين سيارات الأجرة، التي يعمد عدد من سائقيها إلى تقنية ما يعرف ب»الريكولاج» بين خطوط تعرف رواجا كبيرا. وأشارت معطيات للوكالة الحضرية للنقل إلى أن المنافسة غير الشريفة لحافلاتها ساهم في أوضاع الأزمة التي تعانيها. وتحدد الوكالة المنافسين في سيارات الأجرة الكبيرة والنقل السري والدراجات ثلاثية العجلات وسيارات الأجرة الصغيرة، التي تلجأ إلى استغلال محطات ومسارات حافلات الوكالة بتسعيرة جزافية تنافس تلك التي يتم العمل بها في «الخطوط المربحة». وتقول المعطيات إن هذه الظاهرة أصبحت تتجذر يوما بعد يوم وتهيكل نفسها في النسيج الاجتماعي، ما سيصعب، في المستقبل، من التخفيف من آثارها. ورغم طمأنة رئيس المجلس الجماعي بأن التسعيرة لن يمسها أي تغيير بعد اتخاذ قرار التدبير المفوض، فإن بعض الفاعلين السياسيين يتخوفون من أن يعمد من سترسو عليه الصفقة في المستقبل إلى زيادات ستثقل كاهل المواطنين وستزيد من «احتقان» اجتماعي في المدينة. وتقول المصادر إن الدراسات التي يتم إجراؤها تتجه نحو تمكين المستفيد من الصفقة التي ستُعلَن على الصعيد الدولي من امتيازات عقارية كانت في ملكية الوكالة، مقابل التزامه بالتسعيرة الحالية. لكن الزيادات التي تعرفها عناصر الاستغلال (البنزين، الالتزامات الاجتماعية، قطع الغيار) من الممكن أن تضغط في اتجاه الإخلال بهذا الالتزام.