عاد الحديث مجددا عن مجلس أعلى للصحافة، قالت مصادر حكومية إنه يمكن أن يرى النور خلال المائة يوم الأولى من عمر الحكومة الحالية، مما يعيد طرح عدة أسئلة حول هذا المجلس وصلاحياته وحدود مجالاته. نظريا، يقال إن مهمة هذا المجلس ستكون هي التحكيم في قضايا تهم الصحافة والإعلام ببلادنا، حيث سيكون من صلاحياته تحديد الخطأ المهني وإلزام الصحف باحترام المعايير المهنية، كما يمكن للمتضررين مما تنشره الصحف اللجوء إليه للمطالبة برد الاعتبار، علاوة على أنه سيكون بمثابة «هيئة قضائية» خاصة بالصحافة، يتقلص بوجودها اللجوء إلى القضاء في العديد من الحالات التي تهم هذا القطاع. التصور إيجابي ومهم، ولكن الأسئلة التي يثيرها تدفع البعض إلى التوجس من هذا المجلس الموعود، لأن هناك خشية من أن يتحول إلى أداة لضرب حرية الصحافة والإعلام في بلادنا، ووسيلة لتصفية حسابات مع الصحافة من مدخل «مهني» يقوم بنفس الأدوار التي تقوم بها الدولة اليوم بطريقة أخرى، وهو ما يدفع البعض إلى وصف هذا المجلس ب«مطرح نفايات» لقطاع الصحافة يلعب المخزن من خلاله نفس الأدوار القديمة بقفازات من حرير، بمعنى أن المجلس سيتحول إلى أداة في يد إعلاميين لضرب الإعلاميين، مما يفتح جبهة للحرب بين قبيلة الصحافيين أنفسهم. المجلس ينبغي أن يكون ترجمة لحوار واسع بين كافة مكونات الجسم الصحافي والإعلامي في بلادنا، وأن يدمج القضايا الشائكة التي شهدتها الساحة الإعلامية في مقاربته، مستفيدا من التراكم الذي حصل في هذا القطاع بدل رسم الخطوط الحمراء فقط، مما يوحي بأن دوره سيكون هو تقييد حرية الصحافة تحت ذريعة تنظيم المهنة. نعم لتنظيم هذا القطاع، لكن انطلاقا مما يشكو منه ومن حاجياته، لا من حاجيات يحددها من هم خارجه.