استياء أوربي وردود فعل قوية على حكم محكمة العدل الأوروبية: المغرب سيظل شريكًا استراتيجيًا للاتحاد الأوروبي        ردا على محكمة العدل.. هنغاريا تتشبث بالشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب    الحسيمة.. تخليد الذكرى 69 لانطلاق العمليات الأولى لجيش التحرير بالشمال    قرار محكمة العدل الأوروبية.. نواب أوروبيون يعبرون عن امتعاضهم من قرار "يمس بالمصالح الاقتصادية الأوروبية"    بلجيكا تجدد تمسكها بعلاقات الصداقة والشراكة الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب    محكمة التحكيم الرياضي تخفف عقوبة توقيف بوغبا        المحكمة تأمر بإفراغ بركة زوج المنصوري بالقوة من منازل قرب ضريح مولاي عبد السلام    كيوسك السبت | مثقفون ورجال قانون وأجانب قاطعوا الإحصاء العام للسكان والسكنى    "ميتا" تعلن عن إنشاء نموذج ذكاء اصطناعي جديد    طقس السبت ممطر في بعض المناطق    مهنيون يرممون نقص الثروات السمكية    مدرسة التكنولوجيا تستقبل طلبة بنصالح    جماعة طنجة تصادق على ميزانية 2025 بقيمة تفوق 1،16 مليار درهم        إقليم تطوان .. حجز واتلاف أزيد من 1470 كلغ من المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك خلال 4 أشهر    منتدى الصحراء للحوار والثقافات يشارك في الدورة الثانية من مناظرة الصناعات الثقافية والإبداعية    خطاب خامنئي.. مزايدات فارغة وتجاهل للواقع في مواجهة إسرائيل    التعادل ينصف مباراة المحمدية والسوالم    هكذا تفاعلت الحكومة الإسبانية مع قرار محكمة العدل الأوروبية    مصدرو الخضر والفواكه جنوب المملكة يعتزمون قصْدَ سوقي روسيا وبريطانيا    مغاربة يحيون ذكرى "طوفان الأقصى"    قرار محكمة العدل الأوروبية: فرنسا تجدد التأكيد على تشبثها الراسخ بشراكتها الاستثنائية مع المغرب    إعطاء انطلاقة خدمات مصالح حيوية بالمركز الاستشفائي الجامعي الحسن الثاني ودخول 30 مركزا صحيا حضريا وقرويا حيز الخدمة بجهة فاس مكناس    ثلاثة مستشفيات في لبنان تعلن تعليق خدماتها جراء الغارات الإسرائيلية    ريدوان: رفضت التمثيل في هوليوود.. وفيلم "البطل" تجربة مليئة بالإيجابية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    امزورن.. سيارة ترسل تلميذاً إلى قسم المستعجلات    مرصد الشمال لحقوق الإنسان يجمد أنشطته بعد رفض السلطات تمكينه من الوصولات القانونية    صرف معاشات ما يناهز 7000 من المتقاعدين الجدد في قطاع التربية والتعليم    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″    بوريس جونسون: اكتشفنا جهاز تنصت بحمامي بعد استخدامه من قبل نتنياهو        باريس تفتتح أشغال "قمة الفرانكفونية" بحضور رئيس الحكومة عزيز أخنوش    إيقاعات ناس الغيوان والشاب خالد تلهب جمهور مهرجان "الفن" في الدار البيضاء    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    النادي المكناسي يستنكر حرمانه من جماهيره في مباريات البطولة الإحترافية    الاتحاد العام لمقاولات المغرب جهة الجديدة - سيدي بنور CGEM يخلق الحدث بمعرض الفرس    ارتفاع أسعار الدواجن يجر وزير الفلاحة للمساءلة البرلمانية    التصعيد الإيراني الإسرائيلي: هل تتجه المنطقة نحو حرب إقليمية مفتوحة؟    الفيفا تعلن تاريخ تنظيم كأس العالم للسيدات لأقل من 17 سنة بالمغرب    الفيفا يقترح فترة انتقالات ثالثة قبل مونديال الأندية    اختبار صعب للنادي القنيطري أمام الاتحاد الإسلامي الوجدي    الدوري الأوروبي.. تألق الكعبي ونجاة مان يونايتد وانتفاضة توتنهام وتصدر لاتسيو    وزارة الصحة تكشف حقيقة ما يتم تداوله حول مياه "عين أطلس"    عزيز غالي.. "بَلَحَة" المشهد الإعلامي المغربي    محنة النازحين في عاصمة لبنان واحدة    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محنة مغربيات مع الزواج المختلط في الغابون
المساء تروي حكايات زواج مهرب إلى العمق الإفريقي
نشر في المساء يوم 15 - 02 - 2012

حين تسأل أفراد الجالية المغربية عن ظاهرة الزواج المختلط، والغابون يعيش في غمرة بطولة كأس أمم إفريقيا لكرة القدم، تنتصب علامات
الاستغراب على محيا المغاربة وتشعر أن سؤالك أشبه بلاعب في حالة «شرود».. فتسحب السؤال وتنخرط في لعبة الرهان حول حظوظ المنتخب المغربي وقدرته على تجاوز الدور الأول من مباريات أنست كثيرا من المغاربة والمغربيات همومهم في بلد يصنف في خانة البلدان المرتبطة «عائليا» بالمغرب. كان علينا أن ننتظر خروج المنتخب المغربي من منافسات كأس إفريقيا كي تستعيد الجالية المغربية إيقاعها الرتيب وتتفرغ لمشاغلها اليومية، بحثا عن كسرة خبز مبللة بالجهد والعرق، ونحمل بالتالي سؤال القلق إلى من يهمهم الأمر. في شوارع ليبروفيل، من السهل أن تتعرف على سيدة مغربية، ولو «تخلصت» من الجلباب، لكنْ من الصعب أن تكتشف دواخل نساء يفضلن «ابتلاع» معاناتهن، إيمانا منهن بالمثل المغربي «اللي دارها بيديه يفكها بسنيه». لكنْ ليس كل المغربيات يعانين من مضاعفات الزواج المختلط، فللكأس نصفها الآخر أو، على الأقل، ربعه..
أغلب أفراد الجالية الغابونية في المغرب من الطلبة، الذين يفضلون استكمال دراستهم الجامعية في بلد يوفر مناهج تعليمية لا تختلف كثيرا عن المناهج الفرنسية وبأقل تكلفة مالية، بينما تتقاطر على المغرب، بين الفينة والأخرى، بعثات من الغابون قصد التكوين واستكمال التكوين في مجالات عديدة، خاصة التكوين العسكري والأمني، بحكم العلاقات التاريخية بين البلدين، والتي تتجاوز حدود العلاقات الدبلوماسية.
يرتبط الشاب الغابوني بعلاقة صداقة مع مغربيات، قبل أن يجد في إحداهن بوصلته في بلد الغربة،. يكتشف الغابوني في الفتاة المغربية صفات الوفاء المُفتقَدة في المرأة الغابونية وتكتشف المغربية في صديق جديد عوالم أخرى، بل إن ارتفاع قيمة العملة الغابونية تساعد المهاجر، طالبا كان أو عسكريا، على العيش الرغيد في المغرب، مما يتيح له فرصة كراء شقة وتلبية متطلباته ومتطلبات صديقته بيسر، مما يقوي خيوط الارتباط بالآخر ويُسهّل، بالتالي، اقتحام قلوب ظلت مغلقة في وجه المشاعر القادمة من دول ما وراء الصحراء الكبرى.
تحلم الفتاة المغربية بزوج مخلص يوفر لها مستلزمات العيش الرغيد وتبدي استعدادا لتحمل مشقة السفر إلى أقصى نقطة في العالم، خاصة في ظل تقلص حالات الزواج المختلط في أوربا وأمريكا الشمالية. تبدأ الحكاية بنظرة فابتسامة فموعد فلقاء، فمغامرة.. تتحملها الفتاة المغربية حين تقرر الارتقاء بعلاقة عاطفية من مجرد نزوة عابرة إلى زواج على سنة الله ورسوله، لاسيما حين يبدي الشاب الغابوني استعدادا لاعتناق الديانة الإسلامية ورغبة في استكمال الجزء الثاني من قصة الحب شمال -جنوب.
الغاية تبرر الوسيلة
تبدأ معاناة الطرفين في إقناع الأسرة بجدوى ارتباط خارج المألوف.. تحاول الفتاة المغربية أن ترسم لشريك حياتها صورة الشاب المتعلم، الثري، القادر على بناء عش الزوجية على أسس متينة، قوامها الحب والمال، بل إن رغبة شريك الحياة في استبدال ديانته المسيحية بالدين الإسلامي هو، في نظر الكثير من الأسر، أغلى من المهر وأكبر ضمان على صدق السريرة.
يتطلب الإقناع جهدا كبيرا من الطرفين، وغالبا ما تبحث الفتاة عن حلفاء لدعم موقفها أمام «فيتو» العائلة، التي تؤمن بأن الزواج المختلط مغامرة غير محسوبة العواقب، خاصة إذا تعلق الأمر بزوج من دول جنوب الصحراء. كما تبحث الفتاة عن نماذج زواج مختلط ناجح تقدمها على سبيل الاستئناس لدعم موقفها ومحاولة اختراق جدار الرفض.
ولأن الغاية تبرر الوسيلة، فإن الكثير من المغاربة والمغربيات اعتبروا الزواج شأنا خاصا، وبذلوا جهدا كبيرا لربح الرهان. قال الزبير فرحان، وهو مغربي هاجر إلى الغابون في بداية التسعينيات، إن روح المغامرة حاضرة حين يتعلق الأمر برحلة زواج أو عمل، ويضيف أن المغاربة الذين تزوجوا من مغربيات يعيشون مشاكل أسرية أقل، لكن الاندماج داخل أسرة مختلطة أو غير مختلطة ليس أمرا هيّناً في الغابون.
وقال خديجة لهلالي، الخبيرة بتضاريس العلاقات الاجتماعية في الغابون، إن فتاة مغربية قد ارتبطت بشاب غابوني في المغرب بعد أن أوهمها بأن والده يتوفر على بئر نفط في منطقة «بور جانتي»، وحين حلت بهذه المدينة البترولية، اكتشفت أن والده مجرد مستخدَم في محطة لبيع الوقود..
مسطرة مختلطة لزواج مختلط
إن إبرام عقد الزواج المختلط لا يختلف كثيرا من الناحية المسطرية عن الشروط والإجراءات القانونية المتّبَعة في الزواج غير المختلط، إذ تبدأ الخطوة الأولى بملء مطبوع خاص يترتب عنه إذْنٌ بتوثيق الزواج، مع إرفاقه بالوثائق الإدارية الضرورية، كرسم الولادة وشهادة إدارية تحدد بيانات الخطيبين وشهادة طبية للطرفين، إضافة إلى وثائق أخرى تعزز الملف ك»الإذن بالزواج، في حالات الزواج دون سن الأهلية، والتعدد، في حالة توفر شروطه المنصوص عليها في هذه المدونة، زواج الشخص المصاب بإعاقة ذهنية، زواج معتنقي الإسلام والأجانب، شهادة الكفاءة بالنسبة إلى الأجانب أو ما يقوم مقامها»، ويؤشر قاضي الأسرة المكلف بالزواج، قبل الإذن على ملف المستندات، ويأذن للعدلين بتوثيق عقد الزواج. وتترتب عن الزواج المختلط الآثار القانونية ذاتها المترتبة على عقد الزواج المبرم بين مغربيين، مثل الإرث والحضانة والنفقة، وفقا لمقتضيات مدونة الأسرة. لكنْ من خلال الروبورطاج الميداني الذي أنجزته «المساء» بين الدار البيضاء وليبروفيل، فإن أغلب الحالات تصر على وجود ثغرة في المسطرة، وهي غياب بحث اجتماعي من طرف الحكومة المغربية يقدم صورة حقيقية عن وضعية الطرف الغابوني، تفاديا لأي مفاجأة محتملة وإلغاء جانب المغامرة من رحلة الزواج المختلط.
الاصطدام بصخرة ثقافة جديدة
في الغابون، هناك نوعان من الزواج: عرفي، ساري المفعول، وآخر مدني، معترف به لدى السلطات الدينية والحكومية، لكنْ غالبا ما يكون قبول الزوج الغابوني أو الزوجة الغابونية اعتناق الديانة الإسلامية خطوة أولى في طريق زواج مختلط، إلا أن التأشيرة الدينية غالبا ما تنتهي صلاحيتها بمجرد استخلاص عقد الزواج، حيث تنتهي العلاقة بالسجاد، على حد تعبير سيدة مغربية متزوجة من لبناني مقيم في ليبروفيل، «حين يمر الغابوني أمام الكنيسة، يردد في قرارة نفسه عبارة شهيرة «يا كنيسة الرب، اللي في القلب دائما في القلب».. في إشارة إلى استمرار التمسك الوجداني بالديانة المسيحية.
تتمسك الغابونيات المتزوجات من مغاربة، على قلتهن، بالديانة الإسلامية، على الأقل، من حيث الشعائر الأساسية، كالصلاة، وخاصة الصيام، علما أن اعتناق الرئيس الغابوني علي بانغو الديانة الإسلامية ساهم في إقبال الكثير من أفراد الشعب على الإسلام كدين للتسامح.
تقول سلمى حرمة، وهي مغربية متزوجة من مغربي، إن الزواج المختلط فيه جانبان، جانب ناجح وآخر فاشل، كغيره من العلاقات المختلطة وغير المختلطة، وقالت ل»المساء» إن نجاح أي علاقة زوجية رهين بفترة الاستئناس التي تسبق العلاقة، والتي تعتبر فترة لجس النبض، على غرار كل العلاقات الإنسانية. لكن أغلب المغربيات تُجْمعن على أن الاصطدام بعادات جديدة هو المسمار الأول في نعش الزواج المختلط: «تكتشف الزوجة أن زوجها غير مستقل في قراراته وأن «مجلس الأسرة» يمارس سلطاته على الزوجين معا وأن تعدد الزوجات ظاهرة منتشرة بشكل واسع في المجتمع الغابوني.. تفضل كثير من المغربيات الاستمرار في العلاقة الزوجية وتحدي ظروف الاستقبال الجديدة، والتي تختلف كثيرا عن أسوأ السيناريوهات التي ترسمها الزوجة وهي على هودج الزفاف، بل إن أغلبهن، خاصة المتزوجات، يفضلن الاستمرار في العلاقة إلى أقصى مدى، كي لا تعود إلى أسرتها بجرح نفسي غائر، حينها ستقوّي موقف من رفعوا «الفيتو» في حق الزيجة.
فاطمة تخوض «حربا» ضد عسكري
لا يمكن الحديث عن الزواج المختلط في الغابون دون ذكر مغامرة المغربية فاطمة سحاد، «المرأة الحديدية»، التي تحولت، بعد معركتها الطويلة من أجل «كرامة المرأة المغربية على حد تعبيرها»..
كانت فاطمة تستعد للسفر إلى سويسرا، هناك كانت تبني في أحلام النوم واليقظة حياة جديدة، بعيدا عن صخب مدينة الدار البيضاء، التي تابعت فيها دراستها الابتدائية والإعدادية والثانوية ثم الجامعية، لكن زيارة مريض في مدينة القنيطرة غيّر مسارها من جنيف إلى ليبروفيل..
كان قدَر فاطمة أن تتلقي، عند صديقتها المغربية المتزوجة من غابوني، مقترح زواج مختلط، لكنها رفضت، قبل أن تفاجأ بشاب غابوني كان يخضع لدورة تدريبية عسكرية في مدينة مراكش يطرق باب أسرتها طلبا للقرب..
«لم يفقد الأمل، فقد كان إصراره كبيرا، ولأنني كنت أكبر إخوتي، فإن القرار النهائي ظل مرتبطا بي، بل إنه أقنع والدي بحسن نيته عندما اعتنق الإسلام وشرع في أداء الصلوات الخمس وصيام شهر رمضان.. مما دفع أفراد أسرتي إلى دعم موقفه، علما أن وضعيته الاجتماعية والمهنية تشجع على الارتباط به، لأنه ضابط عسكري مُعيَّن بظهير رئاسي ولأنه سيوفر الاستقرار. شرعت السلطات الغابونية في إجراء بحث حولي، لأن وظيفته تفرض ذلك، ثم عاد إلى بلاده بعد انتهاء الدورة التكوينية، دون أن تتوقف اتصالاته بي وبأسرتي، وفي سنة 1992، أقمنا حفل زفاف على الطريقة المغربية وسافرتُ إلى الغابون في شهر غشت من نفس السنة.. لكن أولى المفاجآت هي التعيين، حيث قُدِّر لي أن أعيش معه في منطقة عسكرية نائية تدعى «مويلا»، نسافر إليها عبر طائرات عسكرية، والمفاجأة الثانية هي أن والدته خطبت لابنها، وهو في المغرب، زوجة من قبيلته، وهذا هو سر هروبه إلى «بويلا»، التي قضينا فيها ثلاث سنوات كلها معاناة، لذا كنت مضطرة إلى بيع أشرطة فيديو للعساكر من أجل البحث عن مورد رزق إضافي، علما أنه وعدني، بعد أن تسلم مني شواهدي الجامعية، بتشغيلي في إحدى الإدارات العمومية قبل أن يتبين لي أن وعوده مجرد كذب، لأن الشواهد كانت مخبأة بعناية في أحد دواليبه، ليبدأ مسلسل جديد من معركة ضد رجل ظهر وجهه الحقيقي في الغابون»..
رُزقت فاطمة من زوجها أمين، واسمه الحقيقي بلاستر، بثلاثة أبناء: دنيا وسارة ثم أنور، هذا الأخير تم ختانه على الطريقة المغربية وأقيم احتفال بنفس الطقوس المعمول بها في المغرب، إلا أن ذلك لم يمنع من نشوب «حروب» يومية بين زوجة تقول عن زوجها إنه لا يعير اهتماما لعش الزوجية ويدمن على شرب الخمر والسهر مع خليلاته.. فاستعصت عليه القدرة على تأمين احتياجات الزوجة المغربية والأبناء، علما أن راتبه ظل يخضع لاقتطاعات شهرية، بفعل تهوره وعدم انتظامه في مهامه كعسكري..
«طلب الطلاق فطالبت بحقوقي وحقوق أبنائي، لأن الحياة بيننا أصبحت مستعصية. كنت ألجأ إلى رؤسائه في القاعدة العسكرية، وحين يعود إلى البيت، يهددني بالقتل أحيانا، مما جعلني ألجأ إلى القضاء، الذي أنصفني بعد رحلة طويلة بين دهاليز المحكمة في ليبروفيل، حيث أدليتُ بما يثبت الاعتداء الذي تعرّضَ له بيت الزوجية وتعرض له جسدي أيضا.. وتمكنتُ من الحصول على النفقة التي حددت في حوالي 5 آلاف درهم مغربي كصائر شهري لإعالتي أنا وأبنائي، وبهذا المكسب، أصبحت أول مغربية تربح قضية نفقة ضد زوج غابوني»..
زهراء، نادية وسهام والباقيات الصالحات
تستحق حكاية المغربية زهراء أن تروى على الأقل لإشعار الكثير من المغربيات الحالمات ببناء عش الزوجية في الغابون، لأنه بمجرد وفاة زوجها، الذي ترك في عهدتها ثلاث بنات، تبيَّنَ لابنة سوس أن مجلس العائلة قد أصدر قرارا بطردها، مما حولها إلى نزيلة في مستشفى للأمراض العقلية في ليبروفيل، لكنْ بعد جهد كبير من سفارة المغرب في الغابون ومن الجالية المغربية المقيمة في هذا البلد، عادت زهراء إلى أكادير لتتخلص بعناء من كابوس مرعب حوّلها من زوجة محترمة إلى متشردة..
أما نادية فقد اضطر أفراد أسرتها إلى بث نداء عبر برنامج «مختفون» في القناة الثانية، طالبوا من خلاله الجالية المغربية المقيمة في ليبروفيل بالاستفسار عن أحوال ابنتهم نادية، التي تزوجت، قبل أزيد من 20 سنة، بعسكري غابوني وأنجبت منه ولدين دون أن يظهر لها أثر أو تربط الاتصال بأصولها. وتبيّنَ، بعد أن شاع خبر النداء، أن نادية محتجَزة في بيت زوجها، الذي وضعها في ما يشبه الأسْر.. حينها، تدخّلَ أفراد الجالية المغربية والسفارة والحاجة خديجة من أجل فك الأسر، لكن المحاولة باءت بالفشل واضطرت نادية إلى القبول بالأمر الواقع. أما سهام فقد تزوجت من رجل غابوني وعمرها لا يزيد على 18 سنة، وبعد أن أنجبت منه، اكتشفت أن الزوج لا يحترم روابط العلاقة الزوجية ويبيح لنفسه الارتباط مع أكثر من فتاة من جنسيته، قبل أن يحدث الانفصال بينهما، دون أن تكون لها القدرة على الرجوع إلى المغرب، محمَّلَة بتبعات زواج فاشل، لذا قررت البقاء في ليبروفيل، حيث خرجت للعمل في أحد المحلات التجارية من أجل تأمين الحياة لفلذتَي كبدها والهروب من زوج مازالت آثار عدوانه بادية على جسدها..

المجتمع المدني يتحرك
أمام هذه الوضعية، تحرّكَ المجتمع المدني وتبيّنَ أن العمل الجمعوي قادر على التصدي لكل من سولت له نفسه النيل من حق الإنسان في العيش الكريم فوق تراب بلده أو خارجه، فحقوق الإنسانة مطلب كوني يتجاوز حدود البلد.. صحيح أن الزواج المختلط في دول أوربا الغربية وأمريكا الشمالية أهون من زواج مختلط في دول جنوب الصحراء، إلا أن هذا الاختلاف لا يمنع من التصدي لكل محاولة تحقير للمرأة المغربية التي تعاني أكثر من الرجل حين يتعلق الأمر بزواج مختلط.
من بين التنظيمات الجمعوية في الغابون التي تتعامل مع هذا الملف نجد، منتدى المغاربة واتحاد المغاربة المقيمين في الغابون وجمعية للا خديجة لرعاية الأيتام والأرامل، ومن بين المناضلات في هذا المجال، نجد كلا من أمينة فرحان وحسناء درار وفاطمة سحاد وحرمة سلمى وخديجة لهلالي، وكلهن يُجْمعن على ضرورة التعامل مع الملف بمقاربة جديدة، مع ضرورة تعيين محامية مغربية لتسهيل مسطرة التقاضي، لاسيما أن المتضررة تجد نفسها وحيدة في «حرب الكرامة»، وحين تلجأ إلى أسرتها في المغرب لطلب المساعدة، يكون الرد بالمثل الشعبي «اللي دارْها بيديه يْفكّها بْسنّيه».




كلما ضاق الحال بمغربية ووجدت نفسها مُهدَّدة بالطرد خارج بيت الزوجية في الغابون، تلجأ إلى بيت خديجة لهلالي في وسط ليبروفيل. هناك، تجد في «الحاجّة» الدرع الاجتماعي الذي يقيها من مضاعفات صراع غير متكافئ مع زوج متحرر من كل ضوابط العلاقات الزوجية. «المساء» زارت بيت الحاجة واستمعت إلى حكايات زواج مختلط تدمي القلب قبل العين وأنصتت إلى شهادات من مساعدة اجتماعية لا تتردد في إيواء كل من ضاق بهن الحال.

مغربية أرملة وزير دولة غابوني تحول بيتها في ليبروفيل إلى دار لرعاية المطلقات
خديجة لهلالي: بيتي «زاوية» يقصده كل من ضاقت به الأحوال
- من هي الحاجة لهلالي؟ وكيف بدأت علاقتك بهذا البلد؟
خديجة لهلالي، 60 سنة، بدأت علاقتي بالغابون في سنة 1977، حين التحقت بهذا البلد لأشتغل في مجال المطعمة، بحكم تخصصي في هذا المجال. تزوجت من غابوني وكان يشغل منصب وزير الاقتصاد والمناجم ثم التربية الوطنية ويدعى راكانغا. توفي، رحمه الله، سنة 1999، وترك لي ثلاثة أبناء ما يزالوا تحت عهدتي. كما أنني أقيم في المنزل الذي كنت أقيم فيه مع زوجي، والذي تحول إلى مزار لكل مغربي تطأ قدماه الغابون.
- من خلال معايشتك المغربيات، ما هي مضاعفات الزواج المختلط؟
أولا، علينا أن نعترف بأن المرأة المغربية، بشهادة الجميع هنا، سيدة بيت مقتدرة، مخلصة لزوجها ولبيتها، لكن المشكلة تكمن في وجود ظاهرة تعدد الزواج أو الارتباط لدى الغابونيين، فلا يمكن لشاب غابوني أن يتزوج مغربية أو غيرها ويكتفي بواحدة، بينما ترفض الفتاة المغربية التعددية وتعتقد أن الرجل الذي ارتبطت به في المغرب هو نفسه في الغابون، وهنا يبدأ الإشكال. في الغابون، حوالي مائة حالة زواج مختلط، 60 في المائة تعيش على إيقاع المشاكل، وهي أقرب إلى الانفصال، مقابل 40 في المائة تحاول الاستمرار، رغم المشاكل.
- لكن الإسلام لا يمانع في تعدد الزوجات؟
صحيح أن الدين الإسلامي لا يمانع في التعددية الزوجية، لكن التعددية هنا تتم بشكل آخر، الرجل يتباهى بكثرة خليلاته ولا يمانع في منح الخليلة حقوقا ربما لا تتوفر للزوجة نفسها.. هنا، ما يزال «مجلس العائلة» هو الحاكم وهو صاحب القرار، حيث يتحكم في مصير الزوجة، وبعد وفاة الزوج، يصبح الوضع أسوأ، ولدينا حالات كثيرة، حيث أتلقى، أحيانا، مكالمة هاتفية من مغربية تقول إن زوجها قد رماها في الشارع.. فأركب سيارتي وأعرج على مركز الشرطة من أجل مرافقتي في تدخل إنساني، وبعد أن أحملها إلى بيتي، نبدأ في إطار الجمعية ومع السفارة في إجراءات معقدة لحل المشكل.. أحيانا، نتوصل إلى حل وأحيانا نعجز، لكن الكمال لله.
- إلى متى سيظل إشكال الزواج المختلط أسير مبادرات فردية؟
بيتي بمثابة «زاوية» يقصده كل مغربي ضاقت به الأحوال في الغابون، وأسعى -قدر الإمكان- إلى جعله بيتا آمنا يشعر فيه الزائر بأنه في المغرب، يشرب الشاي ويأكل الكسكس ويعيش كل الطقوس المغربية، لكنْ لست الوحيدة التي أرعى هذه الفئة، هناك جمعيات المجتمع المدني، وخاصة اتحاد المغاربة والمنتدى، ولا بد من الإشادة بجهود زوجة السفير، التي تساعد في الحد من مضاعفات الظاهرة، لكنْ على وزارة الخارجية أن تتدخل وتجري بحثا على كل حالة وتُشْعِر الفتاة المغربية بما ينتظرها في الغابون، أي أن تكون ملمة بالعادات والتقاليد، كي لا تصطدم بواقع مخالف عن فترة الخطوبة أو أثناء العلاقة، فأسرة الزوج الغابوني تقول «رْسلْناه يْجيبْ دبلوم جابْ مغربيّة»!..




ليبروفيل: حسن البصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.