يُراقب المغاربة، باهتمام، بداية عمل حكومتهم الجديدة، ويتفاعلون، بحذر، مع المبادرات الراجحة، التي أخذت طريقها إلى وسائل الإعلام في شكل قرارات «رشيدة»، لوزراء «العدالة والتنمية»، تلقتها بعض الأوساط بشيء من الامتعاض. ويميز العامة بذكائهم المستنير بين التعابير الحقيقية للإصلاح في خطابات الملك محمد السادس، ومنها الخطاب الأخير في افتتاح البرلمان في 14 أكتوبر 2011، وبين السلوكات التي تحاول إعادة البلاد إلى المربع الأول. وينتظر الشعب، الذي صوت على الدستور بنسبة أزعجت الحاكمين، أن تتحقق آماله في رؤية مستقبل أفضل تنعم فيه الأجيال بهامش أكبر من الحرية والكرامة وتكافؤ الفرص، متساوية أمام القانون وبمؤسسات قوية ومستقلة عن المؤثرات الاقتصادية والسياسية. ولعل تصويت مليون و200 ألف ناخب وناخبة لحزب «العدالة والتنمية» في انتخابات 25 نونبر 2011 هو رسالة، تلقفها من يهمه الأمر، عن أحقية الحزب العتيد في المساهمة، من موقعه الجديد، في نقل البلاد، بشكل سلمي، إلى بر الأمان. ويجب القول، بكل موضوعية، إننا لم نشهد، في ما تابعناه من مواقف مقاطعة للانتخابات، مؤشرات عن بدائل مكينة يقدمها أصحابها، وهم نفر من أقصى اليسار المغربي وجماعة من «العدل والإحسان» وعدد من نشطاء حركة 20 فبراير، لإصلاح الأوضاع في البلاد وإقرار منهجية واضحة لتنميتها وتقدمها. وباستثناء مطلب المجلس التأسيسي، الذي حُسب لأصحابه كعنصر إلهام ارتقى بالنقاش إلى مستوى أعلى من الاحترام بين الفرقاء، فإن انشغال فصيل من النخبة بمخاوف تقييد الحريات الفردية والجماعية، تنم، على الأرجح، عن سوء تقدير لانتظارات الشارع وآماله. أما مؤسسة المعارضة الجديدة، بصلاحياتها المؤثرة، فإنها تستأثر بالاهتمام المستحق، لما ينتظرها من أدوار متميزة في النصح والتوجيه والانتقاد من دون أن تنشغل طويلا بالأمور المُحدثة، التي تمرست عليها قوى الشد العكسي المعروفة برفضها لكل المبادرات، التي يمكن أن تلحق الأضرار بمصالحها. ولا نحسب الناس مهتمين كثيرا بكشف الفوارق بين الملكية البرلمانية والملكية الدستورية في متون الوثيقة الجديدة، التي نسجها خبراء مغاربة مشهود لهم بالتمكن في مجال تخصصهم، إلا ما يتصل بواجب الطبقة السياسية الوطنية في الاجتهاد والمثابرة ونكران الذات والارتقاء بعمل المؤسسات إلى مستوى أحسن. وما يهم المغاربة، حقيقة، هو أن يبذل الفريق الحكومي الجديد ما بوسعه لتدارك الاختلالات، التي قد تهدد السلم الاجتماعي في البلاد، بوتيرة تمكن من قطع الطريق على عناصر مقاومة التغيير، التي تقتات على بعض التفاصيل، ويزداد نشاطها لصرف اهتمام العامة عما هو أهم. ولا شك أن تحمُّلات البرنامج الحكومي في سقفها الحالي وبنسبة النمو المعلنة تبشر بوتيرة معقولة للإصلاحات في ظل الصعاب التي ستعترض عمل الحكومة جراء تصاعد وتيرة الاحتجاج وبوادر موسم فلاحي معتدل وتأثر عائدات السياحة وتحويلات المهاجرين نتيجة الأزمة الاقتصادية، التي تضرب بلدان أوربا الواحدة تلو الأخرى. ويعرف المتتبعون أن عدم استقرار الوضع في الشرق الأوسط والتجاذبات المستمرة حول الملف الإيراني وطموحات القوى العظمى في اقتسام السيطرة على مناطق النفوذ، يمكن أن تعصف ببعض الآمال إذا ما ارتفعت أسعار البترول ومواد الطاقة عن المعدلات المتوقعة. ونعتقد أن غالبية المغاربة تتوقع منح الفرصة، كاملة، للفريق الحكومي الجديد للعمل على أجرأة البرنامج الحكومي، بالأريحية الممكنة ومن دون ضغوطات مرحلية، قد تعصف بالآمال المعلقة على زملاء بنكيران، وعلى الخصوص في القطاعات ذات الأولوية. ذلك أن استمرار الاحتجاجات اليومية وارتفاع وتيرتها، بشكل مضطرد، في المدن والمراكز والبلدات، سيزيد من الضغط على الحكومة الجديدة ويدفعها إلى الانشغال بدور الإطفائي لمعالجة الأخطاء المتراكمة نتيجة الجشع والفساد والتسرع في اتخاذ بعض القرارات التي أدت، فيما سبق، إلى نتائج عكسية. ولا نحتاج إلى التذكير ببعض الممارسات الرعناء لبعض المسؤولين على المستويين المركزي والمحلي نتجت عنها صدامات قامت، في ما يذكر الجميع، على سوء تقدير خطير للعواقب، أدى إلى نشوب أحداث عام 1981 بالدار البيضاء وعام 1984 ببعض مدن الشمال وعام 1991 بفاس و1999 بالعيون، إضافة إلى أحداث مدينة تازة الأخيرة وغيرها. وفي هذه الظروف، سيكون التفاف الفُرقاء السياسيين حول البرنامج الحكومي، الذي تم الإعلان عنه، مطلبا شعبيا مُلحا لا نميز فيه بين ألوان الغالبية والمعارضة إلا بقدر ما ستبذلانه من جهود مضاعفة، كل من موقعه، لتنزيل أحكام الدستور الجديد بما سيكرس بناء ترسيخ هوية الدولة وتكريس مبادئ العدل وقيم القانون وتقوية المؤسسات. وسنرى كم سيسعد الناس إذا نجحت الحكومة في الوفاء بالتزاماتها في الحد من اتساع مساحة الفقر بأنواعه والتخفيض من نسبة الأمية والتحكم في أعداد البطالة وتعميم التغطية الصحية الإجبارية ونظام المساعدة الطبية وفك العزلة عن المناطق الريفية، قبل الخوض في مسألة المناصفة ووقف العمل بعقوبة الإعدام، على أهميتهما. إن معالجة ثقافة الريع واحتواء آثار سياسة الامتيازات وثقل الاقتصاد غير المهيكل من الأوراش الحساسة، التي يَحسُن التعاطي معها بكثير من الهدوء واليقظة والحزم لترسيخ الحكامة الموعودة، ضمن مشروع الإصلاح المندمج الذي تضمنه البرنامج المعتمد خلال الولاية الحكومية الحالية. وعلى سبيل التفَكُّر، سيكون من عدم الإنصاف تحميل حكومة بنكيران مسؤولية انحباس المطر وتأخر القطارات عن مواعيدها وعدم احترام السائقين لإشارات المرور وغياب الضمير والمسؤولية لدى قلة من موظفي الإدارات العمومية وتراجع ترتيب المنتخب الوطني للسيدات للكرة الطائرة. ولذلك، فلا بأس من أن نؤجل المطالبة بوضع رجل شرطة عند كل تقاطع مروري وانتداب رقيب لغوي لتصحيح أخطاء بعض المسؤولين وتعيين طبيب بيطري في حظائر تربية الدواجن درءا لمخاطر انتشار الأمراض وتدريب رجال الجمارك على مراقبة المصنفات الفنية قبل عبورها للحدود وتحرير سوق الرسائل النصية القصيرة لتسهيل الاتصالات، إلى موعد انتخابي قادم.