بعد غياب المنتخب المغربي عن دورتي تونس 1994، وجنوب إفريقيا 1996، عاد المنتخب المغربي إلى دائرة التنافس القاري من جديد، بتشكيلة لم يسبق فيها لأي لاعب أن خاض غمار نهائيات كأس إفريقيا، وبمدرب فرنسي لا سابق معرفة له بأدغال القارة السمراء اسمه هنري ميشيل. كان أول خصم للمغرب هو البلد المنظم بوركينافاصو، الذي استضاف الدورة وسط جدل الأهلية، خاصة وأن البلد الإفريقي كان غارقا إلى أخمص قدميه في مشكل الغذاء والأمية والنعرات القبلية، قبل أن يعد عيسى حياتو، رئيس الكونفدرالية الإفريقية، مسؤوليه بمكافحة كل المشاكل الاجتماعية والسياسية بوصفة الكرة. قبل السفر إلى العاصمة واغادوغو، أرسل الجنرال حسني بنسليمان فيلقا من مساعديه المقربين لاستقصاء الأمر، فأعدوا تقريرا يكشف عن مجموعة من الصعوبات التي يمكن أن تعترض المنتخب في العاصمة البوركينابية وغادوغو، أبرزها الإقامة والتداريب والنقل، لذا قررت الأركان العليا للجامعة بناء مخيم متنقل بالقرب من الفندق الذي ستقيم فيه البعثة المغربية، وانتداب طاقم طباخين من سلك القوات المسلحة في مهمة وطنية، وشحن كميات من المواد الغذائية صوب عاصمة بوركينافاصو، قبل وصول المنتخب. أثارت حالة التعبئة التي شهدها مقر إقامة المنتخب المغربي البعثات الصحفية المعتمدة في واغادوغو لتغطية الحدث الكروي، واعتبرتها إحدى الصحف المحلية استصغارا لإمكانيات البلد ولقدراته التنظيمية، ولم يشعر اللاعبون لحظة أنهم خارج البرنامج الغذائي المعمول به لدى الرياضيين، وبين الفينة والأخرى كان الطباخون يخضعون لمشيئة بعض اللاعبين أو أفراد الطاقم التقني فيعدون وجبات المشوي التي يتطاير دخانها فيجذب أطفال شوارع واغادوغو الذين جعلوا من مقر إقامة المنتخب المغربي وجهتهم المفضلة، بينما اصطحب المدرب الفرنسي هنري ميشال زوجته اللبنانية التي لازمته طيلة أيام الدورة واستغلت الحدث للقيام برحلات سياحية في العمق الغابوي البوركينابي. ميدانيا كانت الخلافات الداخلية بين اللاعبين هي القاعدة والاستقرار استثناء، إذ تبين أن العناصر المكونة للمنتخب المغربي، لا تحقق الحد الأدنى من الانسجام الإنساني وليس الكروي، إذ تعددت بؤر التوتر وتحول المدرب والمسؤولون العسكريون إلى ما يشبه رجال الإطفاء الذين يحاولون عبثا إخماد لهيب النزاعات المغربية/المغربية، من خلال محاولات صلح بين اللاعب نور الدين النيبت ومجموعة من العناصر كالبهجة والحضريوي وصابر، وهي خلافات انتقلت من الملعب إلى مستودع الملابس ومنه إلى مقر إقامة الوفد المغربي. وعلى الرغم من توفر المنتخب المغربي على عناصر وازنة قادرة على الوصول إلى النهائي، إلا أن النعرات الداخلية أجلت الحلم، حيث توقفت مسيرة الفريق الوطني عند حاجز الدور الإقصائي الثاني، إذ تعادل المنتخب المغربي أمام نظيره الزامبي في المباراة الافتتاحية بهدف لمثله سجل للمغرب أحمد البهجة، وفاز في المباراة الثانية بثلاثية أمام الموزمبيق سجلها كل من سعيد شيبا وعلي الخطابي ثم يوسف فرتوت، وواصل انتصاراته في المباراة الثالثة أمام منتخب مصر الجار، على مستوى الإقامة، بهدف خرافي للاعب مصطفى حجي قاده لنيل أفضل لاعب في القارة السمراء، إلا أن المسيرة الموفقة توقفت عند حاجز الربع نهائي بعد الخسارة أمام جنوب إفريقيا بهدفين لواحد سجله سعيد شيبا وهي النتيجة التي عجلت بهدم الخيام وجمع الأمتعة وتوزيع ما تبقى من مواد غذائية على ساكنة المدينة ثم العودة إلى المغرب بحلم مصادر. تقول مصادر «المساء» إن اللاعب النيبت عجز عن تحقيق الحد الأدنى من الانسجام مع زملائه، وظل يخوض طيلة مقام الفريق في واغادوغو معارك مع بعض اللاعبين كالحضريوي وصابر، وهما ظهيرين مما يعني أن الصراع كان حول تدبير الشأن الدفاعي وليس نزاعا شخصيا، إلا أنه، يقول مصدرنا، ظل يكسر التركيز الذي ينشده المدرب، الذي لم تنفع محاولاته لنزع فتيل الخلاف من مقر إقامة الفريق الوطني، وشهدت مستودعات الملابس فصولا أخرى من المعركة ساهمت بقسط وافر في عدم تحقيق التماسك، لاسيما في ظل وجود مدرب يعيش ليالي الأنس في واغادوغو رفقة زوجته. يستحضر مصدرنا المباراة التي خسرها منتخبنا أمام جنوب إفريقيا، ويؤكد على عنصرين ساهما في الهزيمة وبالتالي الإقصاء، أولهما التغيير الذي أقدم عليه المدرب هنري ميشيل حين تعرض يوسف روسي لإصابة وعجز عن استكمال المباراة ضد جنوب إفريقيا، حيث أقحم الطاهر لخلج في متوسط الدفاع بدل البحث عن حلول أخرى من قبيل ضم لحسن أبرامي إلى محور الدفاع، وثانيهما الصراع الذي تجدد بين اللاعبين وحالة التوتر والتي كشف عنها الهدف الثاني للجنوب إفريقيين. من المفارقات الغريبة في هذه الدورة أن المنتخب المصري الذي مني بخسارة أمام المغرب أنهى التظاهرة بتتويج إفريقي، بل إن الفريق الوطني الذي خرج صاغرا من بوركينافاصو سرعان ما رمم صفوفه وبصم بقوة في نهايات كأس العالم بفرنسا بعد ثلاثة أشهر. حينها قال هنري ميشال مقولته الشهيرة «الفوز بكأس العالم أهون من الظفر بكأس إفريقيا».