يبدو، عمليا وسياسيا، أن النسق السياسي للحزب الشعبي الحاكم في إسبانيا لا يحتمل أي تصعيد سياسي تجاه المغرب، وعليه فإن الحزب لن يغير من إستراتيجيته السياسية والاقتصادية المعتادة تجاه المغرب، بعدما ورث وضعا اقتصاديا وسياسيا في العلاقات المغربية الإسبانية، من أبرز عناصره تحول إسبانيا إلى الشريك التجاري الثاني الأساسي للمغرب في سنة 2010، بل ويتوقع أن تشهد العلاقات بين البلدين في عهده تحسنا متناميا، نظرا إلى التحديات التي تعترضهما، كالحاجة إلى حكامة دولية متوسطية تفرضها الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، وكذا المتغيرات الإقليمية بعد الربيع العربي... إن المتغيرات المتسارعة، التي يعيش العالم تفاصيلها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، يقع جزء كبير منها في الفضاء المتوسطي، هي عوامل تستدعي تطوير آليات التعاون بين الدول المنتمية إلى هذا الفضاء لتجاوز تداعياتها وفق منهجية تعاون إقليمي ومتوسطي ندي. ولعل ملحاحية الحاجة الاقتصادية والاجتماعية كفيلة بإخراج المارد الإسباني مهرولا نحو المغرب، حيث عبر رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي عن أمله في تعزيز أواصر الصداقة مع المغرب. ومن المرتقب أن يقوم رئيس الحكومة الإسبانية والأمين العام للحزب الشعبي الإسباني ماريانو راخوي بزيارة المغرب خلال هذه الأيام من يناير، سيرا على عادة رؤساء الحكومات الإسبانية المتعاقبة في القيام بأول زيارة رسمية لهم خارج إسبانيا. وتأتي زيارة راخواي في سياق أزمة مالية عاصفة تجتاح بلاده وتهدد مستقبلها داخل فضاء الاتحاد الأوربي، وفرضت عليها تبني سياسة تقشف قاسية جدا، تجلت ملامحها في تقليص عدد وزراء الحكومة إلى 13 وزيرا في سابقة هي الأولى من نوعها على مستوى تشكيل الحكومات في إسبانيا. وتشير التوقعات إلى أن راخوي سيعمل على تقديم إشارات سياسية نحو المغرب لطي صفحة التوتر الذي نشب بين البلدين بسبب مواقف حزبه الشعبي من قضايا الوحدة الترابية للمغرب، وما أعقب ذلك من زيارة عاهل إسبانيا وقرينته إلى مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، مما جعل المغرب يستدعي سفيره حينها من العاصمة الإسبانية مدريد. ولعل الرغبة في تجاوز التحديات الاقتصادية والاجتماعية ستدفع بالبلدين في اتجاه خلق حراك سياسي مغاربي في المستقبل المنظور بالتزامن مع تشكيل حكومات مغاربية منتخبة ديمقراطيا، حيث شددت مختلف القيادات المغاربية على ضرورة إعادة تنشيط هياكل الاتحاد المغربي. وفي هذا الإطار، أكد وزير الخارجية الجزائري، مراد مدلسي، أن إغلاق الحدود مع المغرب قد تمّ اتخاذه بقرار «لم يعتبر بعد نهائيّا إلى حدود الآن»، وأعرب عن الرغبة في تطبيع علاقات بلاده مع المغرب... مشيرا إلى وجود «تقارب كبير مع الرباط منذ أشهر». وقد علم أن تحضيرات جارية على قدم وساق لعقد اجتماع وزراء خارجية الدول الخمس المشكلة ل«الاتحاد المغاربي» في الجزائر العاصمة قبل نهاية شهر فبراير المقبل بغرض «الرفع من حجم التعامل بين البلدان المغاربيّة». إن الوعي بوحدة التحديات والرهانات في المحيط المتوسطي تدفع بأبرز الفاعلين فيه (المغرب وإسبانيا) إلى تجاوز الخلافات السياسية المعطلة لعجلة التنمية الاقتصادية والسعي نحو تعاون ندي نزيه، وهو ما حذا بوزير الخارجية الإسباني السابق أنغيل موراتينوس إلى الدعوة إلى إزاحة ما يسميه «رائحة السردين» عن العلاقات المغربية الإسبانية، في إشارة إلى نمطية العلاقات المغربية الإسبانية، وكذا نمطية مسببات الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، كقضية الصحراء وسبتة ومليلية، إضافة إلى البرتقال والطماطم.. وبالرغم من ذلك، فإن الرباط لا تزال تتوجس خيفة من أن يعيد راخوي سياسة استعداء المملكة المغربية، حيث تميزت حملته الانتخابية الأخيرة بإرسال إشارات استفزازية حول الوحدة الترابية المغربية، ولاسيما في ما يتعلق بملف الصحراء، حيث تم تأكيد اعتزامه العودة إلى الحياد، وهو موقف أقرب إلى دعم أطروحة البوليساريو منه إلى الحياد الموضوعي. وقد حذر تخوف مغربي من أن يسير «راخوي» على نهج زميله في الحزب «خوصي ماريا أثنار»، حيث عرفت فترة حكمه الأخير تصعيدا في العلاقات بين المملكتين، كاد بعضها أن يدخلهما في حرب عسكرية غير مسبوقة في المنطقة، كأزمة جزيرة ليلى، وقيام الحزب الشعبي بتبني مواقف معادية للوحدة الترابية للمملكة المغربية، ولاسيما قضية الصحراء وقضية المدينتين السليبتين سبتة ومليلية، واستمرت الأزمة بينهما إلى غاية صعود الاشتراكيين إلى الحكم. وكان الحزب الشعبي يستغل كل طارئ يتعلق بالصحراء، مثل «أزمة أميناتو حيدر» وأحداث مخيم «أكديم إيزيك»، لتمرير قرارات تدين المغرب في البرلمان الإسباني أو الأوربي، وظل نوابه يعرقلون مشروع المصادقة على اتفاقيتي الشراكة الأوربية في الفلاحة والصيد البحري مع المغرب. ومن جهته، يحتفظ المغرب بالكثير من الملفات التي تشكل أساس الضغط السياسي على الجانب الإسباني حينما تجابهه إسبانيا بكل ما يمس أمنه القومي والإستراتيجي، ومنها ملف المورسكيين وملف الغازات السامة التي استعملتها الجيوش الإسبانية ضد سكان الشمال، وهي أسلحة محرمة دوليا، والتعويض عن الفترة الاستعمارية للشمال المغربي. وقد كلفت عملية الشد والجذب بين الجانبين ضياع الكثير من فرص التنمية، وهو ما لا يمكن السماح بتكراره اليوم مع اليميني ماريانو راخوي، نظرا إلى الظروف الاقتصادية الحرجة التي تمر منها إسبانيا حاليا. الحق أن الحزب الشعبي لا يمكنه، بأي حال من الأحوال، أن يبقى رهين مواقف عهده في المعارضة في ظل أزمة عالمية خانقة أرخت ظلالها على الواقع الاجتماعي والاقتصادي الإسباني، فأخرجت الإسبان للاحتجاج في الشارع العام.. واقع تنضاف إليه المتغيرات الدولية والإقليمية التي أجرت الكثير من المياه الراكدة تحت جسر العلاقات بين البلدين، ويرتقب إثرها أن تنقشع غيوم الأزمة. والمؤكد أن البلدين الجارين سيجدان ما يكفي من الأسباب لنسيان وطي خلافاتهما السياسية، وقد لا يتخذ الحزب الشعبي مواقف استفزازية أو غير ناضجة تجاه المغرب بحكم أن كل حزب سياسي يتعامل مع الملفات بمسؤولية حينما يصل إلى السلطة، حتى يتأتى للحكومة الإسبانية استيعاب حجم التحديات الاقتصادية والاجتماعية، وفضلا عن ذلك فإن إسبانيا تربطها بالمغرب العديد من الاتفاقيات التي وقعتها الحكومة الاشتراكية مع الحكومة المغربية، من قبيل اتفاقيات الصيد البحري، فضلا عن وجود مقاولات إسبانية كثيرة تستثمر في المغرب، وهي كلها مؤشرات تفيد أن لا مفر للطرفين من تعزيز علاقات التعاون بينهما. كما أن رهانات الحزب الشعبي على المغرب والمحيط المتوسطي كبيرة جدا لحل مشاكل بلاده الاجتماعية والاقتصادية، وهي مطالب شعبية مستعجلة وملحة، ليس بمقدور حكومة راخوي أن تحلها ما لم تتعاط براغماتيا مع المملكة المغربية. وحيث إن العديد من المشاكل الإسبانية يتم تصريفها في المغرب، باعتبارهما مجالات حيوية لبعضهما البعض، فإنه ينبغي إقامة علاقات اقتصادية ناجحة بدل الدخول في صراعات سياسية غير مجدية، كالميل إلى تبني مواقف استفزازية بخصوص قضيايا الصحراء وسبتة ومليلية وجزيرة ليلى. محلل سياسي متخصص في قضية الصحراء والشأن المغاربي