يقوم المشروع الذري على ثلاثة أشياء.. على المادة وعلى المعدات وعلى الناس. ويحتاج السلاح الذري إلى كمية ونوعية كافيتين من اليورانيوم أو البلوتونيوم، وإلى منشآت لتخصيب المادة ووسائل لنقلها إلى الهدف (قنابل جوية وطائرات، ورؤوس حربية وصواريخ وإلى الجهاز التكتيكي، بل إلى قذائف وألغام)، وإلى علماء ومهندسين ومُشغلين.. إلى أولئك الذين يضغطون الزر وأولئك الذين يبنون ما سيطير في اللحظة التي يُضغط فيها ذلك الزر. سيصعب على الشيعة الأشد ورعا من أولئك الذين يؤمنون بالله وأنبيائه الثلاثة، أن يؤمنوا بأن الصدفة هي التي تجعل ناس البنية التحتية الذرية يُفجَرون، هم خاصة لا غيرهم مرة كل شهرين.. إنهم يرتابون في أن هناك تدخلا بشريا وأن لكل شحنة ناسفة تأتي فوق دراجة نارية لها عنوان هو إسرائيل. رغم أن تصريحات كتصريح رئيس هيئة الأركان بني غانتس الثلاثاء الماضي، بشأن ما يحدث في إيران على غير سنة الطبيعة، تميل إلى تعزيز تخمين المؤامرة، فليس من المهم في الواقع هل الارتياب صحيح تماما أو أقل صحة من ذلك، وهل عمليات الاغتيال هي من إنتاج إسرائيل أم إن المجاهيل الذين ينفذونها يشاركون إسرائيل في أن لهم عدوا مشتركا هو النظام الإسلامي المتطرف في طهران. إن الغموض الذي هو شقيق الغموض الذي يلف المشروع الذري الإسرائيلي هو الهدف: ففرض العمل أن إسرائيل تعلم من النشيط في المشروع الذري في إيران، وتعلم أين ومتى تعثر عليه وتعلم كيف تقتلعه من بين العلماء. وبعبارة أخرى، ليعلم كل عالم ذري إيراني أنه مستهدف. إن التسلل إلى قلب عاصمة إيران أو إلى المدن الساحلية أو إلى شوارع نائية قرب منشآت أمنية، والاغتيال والهرب بغير إبقاء علامات تدل على المنفذين، كل ذلك يدل على منهجية وحرفية. لم تميز هذه الخصائص العملية التي نسبتها شرطة دبي قبل سنتين إلى الموساد على محمود المبحوح، لكن قبل ذلك بسنتين نجح في دمشق اغتيال أهم لعماد مغنية بحيث بقي ميزان الارتياب على حاله. إن المعركة الغربية على البرنامج الذري الإيراني، بقيادة أمريكية وشراكة دول أخرى، هي ليست حربا عنها مناص، فمن غيرها سيزداد التوتر في منطقة الشرق الأوسط إلى مستوى لا يُطاق. لكن إذا أردنا أن نحكم بحسب النتائج المدوية قلنا إنها حرب انتقائية جدا، تُختار أهدافها في حرص، فهم ليسوا من رموز النظام بل ولا من متخذي القرارات وليسوا من المستوى الديني أو السياسي أو العسكري. ولا يعني أن هؤلاء لهم حصانة يمكن أن يكونوا مؤمنين بصورة أفضل لكن يبدو أنه لم يُنفق عليهم جهد شخصي منقطع النظير. قد يكون العامل في هذا غريزة البقاء عند وزراء وقادة في عواصم الغرب يخشون ردا إيرانيا على اغتيال مسؤولين كبار بصورة أكثر إحكاما من جمع المعلومات الاستخبارية تمهيدا لاغتيال السفير السعودي في واشنطن، وهو قضية غير محكمة كشفت عنها نميمة، إنه قد يكون أيضا تقديرا لمضاءلة حدود المعركة. إن حصر عمليات الاغتيال في علماء الذرة فيه رسالة مزدوجة إلى النظام في طهران، الأولى أن مُرسلي المُغتالين لن يُسلموا بحصول إيران على القدرة الذرية العسكرية، فهم مصممون على المس بها بجميع جوانبها، وهم يدركون أيضا أن إعادة بناء كل نظام يتضرر أو يُباد ممكنة إذا وُجد ناس ملائمون لإحيائه. ومن المؤكد أن يكون لهؤلاء الناس الذين يُفجَرون الآن حساب في المصرف المركزي للأهداف الغربية في فترة جهود إعادة البناء بعد مهاجمة المنشآت الذرية إذا تمت هذه من أجل تأخير البناء من جديد لما سيُهدم بضع سنين؛ والثانية أن هذا ليس هجوما عاما على السلطة بل على ذراعها الذرية فقط. يُطلب إلى القيادة الإيرانية أن تبت في أمرها، بصورة غير قوية الآن وبصورة أقوى بعد الهجوم، أتجعل عملية محصورة حربا واسعة. إذا هاجم الغرب إيران على طول الجبهة كلها فإن الرد المطلوب في المقابل سيكون ردا كبيرا. في المقابل، إذا كان الهجوم على النظام الذري وحده فسيبقي في يد إيران ممتلكات كثيرة ستحجم عن خسارتها في ردها على الرد مثل منشآت النفط وقواعد حرس الثورة والنظام وقادته فوق الجميع. إن أحمدي روشان، بموته، قد أوصى قادتهبأن يحاسبوا أنفسهم. كانت الدراجات النارية مع المواد المتفجرة على هيئة مبعوثين: فقد نقلت مع الحكم على العالِم الذري رسالة إلى سلطات طهران أيضا.