إن تسوية وضع الدكتور داخل الإدارات المغربية والقطاع المدرسي والعالي، ماديا وقانونيا وعلميا ومهنيا، أمر غير منوط فقط بصنف من الدكاترة استدرج إلى هذه المؤسسات، وإنما كذلك بإرجاع ماء وجه شهادة الدكتور باعتبارها ذخيرة علمية وطنية وركيزة أساسية في تفعيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وتقويم وجبر ما اعوج وعطب من منظومة التربية والتكوين والبرنامج الإصلاحي الحكومي للإدارة العمومية (PARAP)، وربط الوشائج والجسور بين قطاعيهما بما يجعل كل واحد منهما يخدم الآخر، وبث فيهما جوهر الفاعلية والجودة والحكامة والحداثة الذي ينبني على عنصر التحفيز من القمة إلى القاعدة ومن القاعدة إلى القمة. إنها تسوية إصلاحية متعددة الأبعاد والمرامي والأصعدة والمجالات، لا تفصل بين الوضعين الخاص والعام الذي يوجد فيه الدكتور، بمعنى أنها تتجاوز ما هو خاص مميز منوط بدكاترتنا لتعانق مجالها العام الذي يطال كافة القطاعات العمومية وشبه العمومية والجماعات المحلية، مما يجعلها أكثر فعالية ومردودية ونجاعة وشمولية وانخراطا في إصلاح وتنمية وتطوير وحكامة وتحديث مختلف القطاعات، خاصة مجال التعليم والتربية والتكوين والبحث العلمي والإدارة والتسيير الذي أعتبره أم القطاعات والعمود الفقري لكل المؤسسات، عمومية كانت أو مخوصصة، ورهان نجاحها وجودة ثمارها. بقاء مطالب هذه التسوية حبرا على ورق وانتهاك حقوق دكاترة أسلاك الوظيفة لأكثر من 15 سنة إلى يومنا هذا على عهد أربع حكومات تداولت زمام التسيير والتدبير بالبلاد، يكشف بالدامغ والملموس مدى التكالب والتآمر والاحتيال والرجعية والاستبداد تجاه هذه الثروات العلمية العليا، أي ضد قاطرة التنمية والتنوير والتقدم والتحديث التي لا تمر سوى عبر سكة المجال المذكور، وإلا: - كيف يتم صدور قرارات ومراسيم تناط بتحديث وتعديل قانون الوظيفة العمومية وأنظمتها الأساسية، دون التطرق إلى دكاترتنا العاملين بمختلف أسلاكها، ولا حتى ذكر أسمائهم!؟ أيحل تكبيل وكبح طاقاتهم وأنشطتهم وثرواتهم الجمة المتنوعة في مختلف التخصصات، بموجب ظهير وقانون ومرسوم، بذرائع واهية مثل طغيان طابعها التجاري!؟ - كيف ساغ خلط جميع الشواهد العليا المحصل عليها من قبيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة والماستر والماستر المتخصص ودبلوم الأطباء ومهندسي الدولة بأعلى شهادة علمية أكاديمية وطنية ودولية، وهي الدكتوراه الوطنية أو دكتوراه الدولة، وجعلها متساوية في سلم الوظيفة العمومية!؟ - كيف يجوز منح الذين لم يحصلوا بعد على الشهادة المذكورة كمهندسي الدولة والأطباء أجرا أكبر مما يخول للحاصلين عليها من الدكاترة العاملين في أسلاك الوظيفة العمومية، إلى حد يتجاوز أجر الأطباء بأكثر من الضعفين ما يحصل عليه دكاترتنا شهريا!؟ - أمن الحمق والبغض والحسد أم من الجهل والجفاء والشطط أن يخول هؤلاء الدكاترة، منذ ما يربو على 15 سنة، إطارا قانونيا وماديا أدنى مما لدى أصاغرهم شهادة من أطباء ومهندسين!؟ - لماذا تم تمديد مناقشة دكتوراه الدولة منذ سن نظام فبراير 1997 ما يربو على 15 سنة إلى أجل غير مسمى لفائدة أساتذة قطاع التعليم العالي ومؤسسات تكوين الأطر العليا، مقابل حرمان الحاصلين عليها، سواء منهم العاملون في قطاعات مختلفة أو العاطلون عن العمل، من المشاركة في مباريات ولوج القطاع المذكور (أساتذة مساعدون في التعليم العالي) لفترات مختلفة أطولها الفترة المتراوحة بين فاتح شتنبر 2007 ويومنا هذا!؟ - كيف تم تبخيس قدر دكاترتنا حتى في مهامهم وتسمياتهم المهنية من قبيل «عون قضائي» في وزارة العدل و«مساعد طبي» في وزارة الصحة!؟ - كيف تحول مصير الدكاترة من أساتذة لأصحاب الشواهد العليا كشهادة الماستر والماستر المتخصص ودبلوم الدراسات العليا المعمقة ودبلوم الطب والصيدلة والهندسة، إلى أقرانهم في الوظيفة العمومية، بل أعوانهم ومساعديهم كما هو شأن المساعدين الطبيين في وزارة الصحة، إلى حد أفضى بالأمين العام لجبهة القوى الديمقراطية التهامي الخياري، حينما كان وزيرا للصحة العمومية في حكومة عبد الرحمان اليوسفي، إلى اقتراح تسوية وضعية دكاترتنا المساعدين الطبيين في إطار المهندسين!؟ - أهذا هو جزاء الحاصلين على أعلى شهادة أكاديمية علمية تخولها مؤسسات التعليم العالي الوطنية والعربية والأجنبية، أم هو عقاب لمن اقترفوا جريمة اسمها البحث العلمي الذي هو معيار ورهان تطور ورقي الأمم!؟ - كيف تسوغ تسمية الطبيب بالدكتور وهو لم يناقش بعد أطروحته لنيل الدكتوراه الوطنية، وتخويله دبلوما يحمل اسم الدكتوراه مجازا كما يلي «دبلوم الدكتوراه في الطب» بناء على بحث متواضع يسمى Mémoire، بعد حصوله على شهادة الباكلوريا وقضاء خمس أو ست سنوات من الدراسة، علما بأن دبلومه يماثل دبلوم الدراسات العليا المعمقة والماستر وما يعادلهما من الشواهد!؟ - كيف تشابهت الأمور وانقلبت حتى تجرأ الأطباء على القيام بمختلف أشكال الاحتجاج والاعتصام والإضراب، أبرزها خوضهم إضرابا وطنيا يوم 25 ماي المنصرم في مسيرة نصف مليونية تقريبا في الرباط، قادمين من مختلف ربوع البلاد للمطالبة بمعادلة دبلومهم المذكور بالدكتوراه الوطنية التي تصدرت مطالبهم الأخرى، بعدما شلوا حتى أقسام المستعجلات في العديد من المستشفيات الوطنية!؟ - لماذا امتنعت وزارة تحديث القطاعات العامة في شخص وزيرها المنتدب لدى رئيس الحكومة عن توقيع محضر اتفاق بينها وبين «النقابة الوطنية المستقلة للدكاترة بالمغرب» في شأن تسوية ملفها المطلبي، وتملص صلاح الدين مزوار، وزير الاقتصاد والمالية، من هذا الأمر، مخالفا هو الآخر وعوده تجاه النقابة نفسها عند اقتراب الانتخابات التشريعية ونهاية مدة ولايته، مقابل قيامه دون أدنى استحياء بإقرار منحة ل«نهاية الخدمة» تتراوح مبالغها بين 75 مليونا و300 مليون لكل واحد من المسؤولين الكبار بغض النظر عن التعويضات التي يتقاضونها عن جميع مهامهم من الميزانية العامة للدولة!؟ - ألم يكن أضعف الإيمان التوقيع على هذا المحضر حتى تضمن وتسهل أجرأته في الحكومة الجديدة، مثلما تم فعله مؤخرا في ما يناط بملف توظيف العاطلين من حملة الشواهد العليا، كي لا تذهب الجهود الجمة المبذولة سدى، خاصة وأن تقادم الزمان والانتهاك الذي طال ولا زال يطال ملف تسوية مطالب دكاترتنا العاملين في أسلاك الوظيفة العمومية، أمر تجاوز بكثير حدود الصبر والعقل والمنطق!؟