جمال اسطيفي عندما أطلق الحكم السنغالي بادارا سيني صافرته معلنا نهاية مباراة فريقي المغرب الفاسي والنادي الإفريقي التونسي في إياب نهائي كأس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، سجد المدرب رشيد الطوسي شكرا لله، قبل أن ينخرط في «موجة» فرح هيستيري، وهو يطوف بالعلم المغربي احتفالا بأول لقب إفريقي للفريق الفاسي. وحينما أضاف كأس العرش إلى لقب «الكاف»، عقب تفوقه على النادي المكناسي بالرباط، السبت الماضي، وضع على رأسه قبعة تحمل لوني العلم الوطني، ورفع يديه إلى السماء، قبل أن يسجد مرة أخرى شكرا لله. يحرص الطوسي قبل بداية مباريات فريقه «الماص»، على قراءة الفاتحة، لذلك لم يكن مفاجئا بالنسبة للذين يعرفونه جيدا أن يشهر نسخة من المصحف الكريم، بعد التتويج الإفريقي، فقد رافقته هذه النسخة طيلة مسار الفريق في التصفيات، بل إنه يتفاءل بها. يحرص الطوسي على صلواته الخمس، كما أنه يقرأ القرآن الكريم بانتظام، ولذلك يلاحظ عدد من جلسائه كيف أنه في أحاديثه مع أصدقائه وحتى في حواراته الصحفية، يستشهد بشكل دائم بآيات قرآنية. هذه «النفحة» الدينية للطوسي، خيطها الناظم، هو انتماؤه إلى أسرة محافظة حرصت على تلقينه ثقافة دينية، وعلى وضعه في الطريق «الصحيح»، دراسيا ورياضيا. بدأ الطوسي علاقته بكرة القدم، ضمن اتحاد سيدي قاسم، فريق الجينرال القوي في عهد الحسن الثاني، أحمد الدليمي، الذي كان والده لحسن رئيسا فعليا للفريق. لم يتأخر الطوسي في فرض ذاته، وفي انتزاع مكانته ضمن الفريق الأول. في عمر 17 خاض أول مباراة له مع الفريق سنة 1977، ورغم «رهبة» البداية، إلا أن الطوسي نجح في أول مباراة له في إحراز أول هدف له مع فريقه في شباك مولودية وجدة. يعود الطوسي بذاكرته إلى الوراء، إلى لحظة الولادة مع الفريق القاسمي، ويقول ل»أخبار اليوم»،»جرت المباراة تحت أنظار الجينرال أحمد الدليمي الذي كان يتابع مباريات الفريق بشكل دائم، وكان مرفوقا بوزير الشباب والرياضة الطاهري الجوطي، كنت متحمسا لأثبت ذاتي وكان يلفني حماس كبير توجته بإحراز هدفي الأول مع اتحاد سيدي قاسم». رغم أن الطوسي انتزع مكانته في الفريق الأول، في سن صغير، إلا أن ذلك لم يكن ليتم لولا وجود الراحل عبد القادر الخميري الذي كان يدرب الفريق، والذي لم يكن يتردد في الاعتماد على اللاعبين الشباب، وقد كان أول مدرب آمن بمواهب الطوسي وقرر الاعتماد عليه ضمن التشكيلة الرسمية. تألقه اللافت مع اتحاد سيدي قاسم قاده بسرعة للانضمام إلى المنتخب الوطني للشبان، إلى جانب بادو الزاكي وعزيز بودربالة ومحمد التيمومي، وغيرهم من اللاعبين الذين صنعوا مجد الكرة المغربية في فترة الثمانينات. في سنة 1978 سيشارك الطوسي الذي كان يحمل القميص رقم 10، في دوري بلوهافر وسيتوج هدافا له بخمسة أهداف، وفي الوقت الذي كان يأمل فيه أن يشارك مع هذا المنتخب في أول كأس عالم للشبان سنة 1979 باليابان، سيقصى بشكل مفاجئ أمام منتخب غينيا إثر خسارته في كوناكري بهدف لصفر، وتعادله في المغرب بهدف لمثله، ليفوت فرصة مواجهة مارادونا الذي أعلن ولادته في هذه الكأس العالمية، خصوصا أن منتخب غينيا الذي تأهل أوقعته القرعة في مجموعة الأرجنتين. التحق الطوسي بمنتخب الأمل الذي سيشكل نواة المنتخب الأول، ورغم أنه كان هدافا بالفطرة وصانع ألعاب من طراز رفيع، إلا أن الطوسي لن يكتب له مواصلة الرحلة مع زملاء بودربالة، إذ خاض مباراة واحد فقط، وتفرغ بعدها لمواصلة دراسته بضغط من العائلة، خصوصا أن امتحانات البكالوريا كانت على الأبواب. يقول الطوسي:» لم يكن بإمكاني التفريط في الدراسة، خصوصا أن كرة القدم في ذلك الوقت لم تكن توفر إمكانيات مالية، كما هو الأمر في الفترة الحالية، لذلك تفرغت للدراسة، لأحصل على شهادة البكالوريا سنة 1979»، لكن الطوسي الذي سيلتحق في فترة لاحقة بمدرسة الأساتذة بفاس، سيواصل رحلته في عالم الكرة مع فريق اتحاد سيدي قاسم، إلى غاية سنة 1985، ولما عين أستاذا للتربية البدنية بمدينة فاس، طلب من مسؤولي اتحاد سيدي قاسم الترخيص له بالالتحاق بالمغرب الفاسي، خصوصا أن سعيد بلخياط الذي كان رئيسا للفريق في ذلك الوقت، ألح في طلبه. يقول الطوسي:» رفض مسؤولو اتحاد سيدي قاسم الترخيص لي، لذلك كنت أتدرب مع المغرب الفاسي، طيلة الأسبوع، وأخوض المباريات مع الاتحاد القاسمي». في سنة 1989 سيتوقف الطوسي نهائيا عن ممارسة كرة القدم، بعد خضوعه لعملية جراحية، لكنه انتقل بسرعة إلى عالم التدريب، حيث عمل في السنة نفسها مدربا مساعدا لحمادي حميدوش الذي كان يدرب اتحاد سيدي قاسم آنذاك. وفي الموسم الموالي، سيصبح الطوسي أصغر مدرب في البطولة الوطنية، عندما سيتولى قيادة الاتحاد القاسمي كمدرب أول. في سنة 1993 التحق الطوسي بمنتخب الفتيان ليشرف على تدريبه، قبل أن تسند له في سنة 1995 مهمة تدريب منتخب الشبان. تولى الطوسي قيادة هذا المنتخب، خصوصا أن المغرب كان مقبلا على احتضان كأس إفريقيا لهذه الفئة سنة 1997 بمدنيتي فاس ومكناس. نجح الطوسي وهو في مقتبل العمر في تكوين «نواة» منتخب قوي، أبهر المغاربة بإمكانياته، ونجح في انتزاع اللقب الإفريقي، ليدخل الطوسي دائرة التتويج من أوسع الأبواب، ولتكتب له المشاركة في نهائيات كاس العالم لهذه الفئة بماليزيا حيث بلغ دور ثمن النهائي، وسيقصى «الأشبال» بهدف ذهبي أمام منتخب إيرلندا الجنوبية(1-2). كان منتخب الشبان، بوابة العبور للطوسي، وفي الوقت الذي كان يستعد فيه لقيادة المنتخب الأولمبي، خصوصا أنه هو الذي ساهم في إبراز لاعبيه، فإن الجامعة قررت بشكل مفاجئ تعيين الفرنسي هنري ميشيل مدربا له، لكنها ستدرك «فداحة» الخطأ الذي ارتكبته بعد خسارة الأولمبيين أمام الكوت ديفوار في تصفيات أولمبياد سيدني 2000 بأبيدجان(1-4). حينها ستستنجد الجامعة بالمدرب سعيد الخيدر الذي أكمل الهمة وقاد الأولمبيين للتأهل، أما الطوسي فعمل مساعدا لهنري ميشيل مابين سنتي 1995 و1999، ثم مديرا تقنيا للجامعة، قبل أن يشرف على تدريب مجموعة من الفرق كالفتح والجيش الملكي واتحاد طنجة، والمغرب الفاسي، ثم يلتحق بالإمارات حيث عمل مديرا رياضيا لفريق العين الإماراتي، الذائع الصيت بالخليج. حينما عاد الطوسي من الإمارات، ألح مسؤولو المغرب الفاسي على التعاقد معه لقيادة الفريق، قبل الطوسي العرض، خصوصا أنه ظل دائما يمني النفس بالحصول على لقب مع «الماص»، وهو الذي بلغ معه مرتين نهائي كأس العرش، دون أن يكتب له التتويج بلقبه. رتب الطوسي بيت الفريق، ومنحه المكتب المسير جميع الصلاحيات، سواء في ما يتعلق ببرمجة التجمعات التدريبية، أو اللاعبين الذين يرغب في التعاقد معهم. بصمته سرعان ما ظهرت على أداء الفريق، وفي النهاية توج الفريق بلقبي الكاف وكأس العرش، ومازال بمقدوره إضافة ألقاب أخرى. لم ينجح الطوسي في مهمته مع «الماص» بفضل نظرته الثاقبة في التدريب فقط، بل إن الطوسي نسج خيوط علاقة قوية مع لاعبيه، فهو قريب منهم، يشاركهم أفراحهم وهواجسهم، كما أنه رجل نكتة، يعرف متى يكون حازما ومتى يكون لينا. يقول الطوسي:» لاعب كرة القدم، يعيش ضغوطا كثيرة، وشخصيا لا أتردد في تبادل النكت مع اللاعبين وفي إضفاء أجواء مرحة على التجمعات، لكن دون أن يتحول ذلك إلى إسفاف، فعندما يكون الحزم ضروريا وتفرض بعض الوقائع ذلك، فإنني أتعامل بصرامة مع المواقف». ويضيف: «اللاعبون هم بمثابة أبناء لي، وأتعامل معهم من هذا المنطلق، شخصيا أكون سعيدا عندما أجد لاعبين دربتهم أو اشرف عليهم حاليا يعيشون حياة كريمة، ولديهم زوجة وأبناء». الطوسي متزوج من صيدلانية، وأب لأربعة أبناء هم: محمد طه (23 سنة يتابع دراسته في الهندسة بباريس) واسماعيل (18 سنة بمونريال بكندا) وخديجة (18 سنة) ويوسف (14 سنة). يقول الطوسي إن والده ووالدته لعبا دورا كبيرا في حياته، مثلما لعبته شقيقته سعاد، ولا يتردد في التأكيد أن زوجته لها نصيب وافر في نجاحه، بسبب تربيتها السليمة للأبناء. الطوسي عفيف اللسان.. متسامح.. رجل تواصل بامتياز، لكنه حين يغضب أو يتعرض للظلم لا يتردد في إبداء غضبه، كما حدث عندما وصف الهولندي بيم فيربيك، مدرب المنتخب الأولمبي ب»الديكتاتور»، إثر رفضه تسريح اللاعب علي بامعمر ليخوض إياب نهائي الكاف. الطوسي، «يعشق» أن يرفع في كل مرة تحديا جديدا، فبعد أن توج بلقب الكاف، قال إن الهدف المقبل كاس العرش، ولما حصل عليه، شدد على أن الرهان المقبل كأس «السوبر» الإفريقية أمام الترجي التونسي. يحسب للطوسي أنه يؤمن بأن العمل الذي يقوم به جماعي، لذلك فإنه دائما يلح في تصريحاته على أن لديه أفضل طاقم تقني، من مدرب مساعد ومعد بدني وطاقم طبي، ومتخصص في التغذية. ويحسب له كذلك أنه لا يبحث عن أعذار مسبقة لبعض النتائج السلبية، فنادرا ما ينتقد الحكام أو لجنة البرمجة، وذلك حتى يضع الضغط على لاعبيه، ليكونوا في كامل التركيز. الطوسي اليوم، يصنع أفراح المغرب الفاسي والكرة المغربية، والأكيد أن سقف طموحاته بلا حدود.