أثار القرار الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي مؤخرا حول عدم التجديد لاتفاقية الصيد البحري مع المغرب الكثير من ردود الفعل المتباينة حول الخسائر والفوائد، التي يمكن أن يجنيها المغرب من وراء تصويت البرلمان الأوروبي على هذا القرار، بالرغم من أن إسبانيا نزلت، حسب بعض المتتبعين ب«كامل قوتها للضغط على الاتحاد الأوروبي لتجديد العمل بالاتفاقية لمدة سنة واحدة، حيث تشكل هذه الاتفاقية بالنسبة إليها رهانا أساسيا لتجاوز الكثير من متاعبها الاقتصادية الداخلية». لكن المغرب قلل من حجم الخسائر التي يمكن أن تلحق باقتصاده نتيجة هذا القرار.
وكان المغرب يعتبر أن توقيع اتفاقية في الصيد البحري تعد بمثابة الرهان الرئيس لتوطيد العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، إذ لم يتردد كثيرا بداية تسعينيات القرن الماضي في توقيع اتفاقية تقوم بالأساس، حسب الخبير الاقتصادي عبد الفتاح فاتحي، على «أن يتلقى المغرب بموجب هذ الاتفاقية مقابلا ماليا يصل إلى 36.1 مليون يورو سنويا كتعويض له عن سماحه للقوارب الأوروبية بالصيد في المياه الإقليمية المغربية. كما تنص الاتفاقية أيضا على تخصيص مبلغ 13.5 مليون يورو لتطوير قطاع الصيد البحري التقليدي في المغرب عامة والمناطق الصحراوية بشكل خاص». وفي نفس السياق كذلك، فإن التأصيل الكرونولوجي لبداية اتفاقية الصيد البحري يشير إلى أن إسبانيا هي المستفيد الأول من هذا الاتفاق، حيث تقوم وحداتها بالصيد بشراكة مع شركات مغربية يبلغ مجموع وحداتها 150 قطعة، وتتجه 90 في المائة من المنتوجات البحرية إلى السوق الإسبانية.
المعاهدة التي ألحقت ببروتوكول، والتي تم تجديدها سنة 1995 ثم في مارس من سنة 2007، «تمكن من تدبير ولوج بواخر الاتحاد الأوروبي إلى مصايد الأسماك المغربية، ومساهمة الاتحاد الأوروبي لدعم القطاع في المغرب، وتمكن بالإضافة إلى ذلك من تمديد البرتوكول سنة واحدة و مواصلة المباحثات من أجل تحسين سبل التعاون، التي توفرها الاتفاقية، وملاءمتها مع التوجهات الاستراتيجية والمشاريع، التي أطلقها «مخطط أليوتيس». وتنص الاتفاقية المجددة سنة 2007 بالموازاة مع ذلك على أن الطرفين المغربي والأوروبي يقومان بتحديد اتفاقية الصيد البحري و المبادئ والقواعد والإجراءات المنظمة للتعاون الاقتصادي والمالي والتقني والعلمي، وشروط ولوج بواخر الاتحاد الأوروبي إلى مناطق الصيد المغربية، وأشكال مراقبة الصيد في مناطق الصيد المغربية، والشراكات بين المقاولات. وقد أعلنت وزارة الفلاحة والصيد البحري آنذاك أن هذا التمديد يجسد اهتمام الطرفين بالتوفر على إطار للتعاون في مجال مصايد الأسماك، على أساس أهداف متقاربة، وحماية الموارد السمكية واستمرار استغلالها.
وكانت الاتفاقية المغربية الأوروبية للشراكة في الصيد البحري تنص على السماح ل119 باخرة أوروبية، أغلبها بواخر إسبانية وبرتغالية، بالصيد في المياه الأطلسية المغربية لمدة أربع سنوات، وولوج 20 سفينة لصيد السمك السطحي، و20 سفينة للصيد في الأعماق ذات حمولة تقل عن 40 طنا إلى المياه المغربية، و20 سفينة للصيد التقليدي في الجنوب، أضيفت إليها سبع سفن للصيد في الأعماق، و11 قاربا، و17 باخرة للصيد بالصنارة، والسماح لحصة سنوية من 60 ألف طن بالنسبة إلى الصيد السطحي الصناعي، موزعة بصفة رئيسية بين سفن من أوروبا الشمالية، خصوصا من هولندا، وليتوانيا، وألمانيا.
وبمقتضى الاتفاقية، يقدم الاتحاد الأوروبي للمغرب تعويضا ماليا إجماليا يبلغ 144 مليونا و400 ألف أورو، أي 1.36 مليون أورو سنويا، منها 5.13 ملايين أورو سنويا، مساهمة في تنمية وتأهيل السياسة القطاعية للصيد البحري، و75.44 مليون أورو لتحديث أسطول الصيد الساحلي، و25 مليون أورو لبرنامج سحب الشباك العائمة والمتحركة، والباقي مخصص للبحث العلمي، وإعادة هيكلة الصيد التقليدي، وتأهيل شبكات التسويق، وإنعاش الاستهلاك الداخلي، ومكننة وسائل الإفراغ، والتكوين.
وإذا كان المتضرر من رفض هذا الاتفاق بالدرجة الأولى هو بلدان الاتحاد الأوروبي، التي تستفيد من هذه الاتفاقية، فإن المغرب يرى أن تأثير هذا القرار محدود على المستوى الاقتصادي، علما بأن المقابل المالي للاتفاقية لا يتجاوز 13 مليون أورو، حسب زكية الدريوش، مديرة الصيد البحري وتربية الأحياء البحرية بوزارة الفلاحة والصيد البحري، التي قالت في تصريح صحفي إنه من أصل 36 مليون أورو توجه إلى تأهيل قطاع الصيد البحري فقط 13 مليون أورو، وهو مبلغ ليس بالمهم للغاية مقارنة بما يستثمره المغرب في مختلف البرامج الموجهة إلى قطاع الصيد البحري.