يجمل بنا ألا نحبس أنفاسنا في ضوء البيان السوري الصادر يوم الثلاثاء بالموافقة على طلب الجامعة العربية السماح لمراقبين عرب بالوصول إلى أراضيها. الناطق بلسان وزارة الخارجية السورية، جهاد المقدسي، أعلن في مؤتمر صحفي أن «سوريا ردت بالإيجاب على البروتوكول العربي»، وسارع إلى إضافة أن لسورية شروطا أخرى على موافقتها السماح لنحو 500 مراقب من الجامعة العربية بالعمل في أراضيها. هذه الشروط نظر إليها الأمين العام للجامعة العربية «كشروط جديدة لم تسمع بها الجامعة حتى الآن». وتتضمن هذه الشروط مطالبة سورية بالحصول مسبقا على قائمة المراقبين وجنسياتهم، تعريف تعبير «العنف» الذي سيعمل المراقبون على فحصه في سوريا، وإيضاح جوهر وطريقة عمل المراقبين. كما تطالب سورية الجامعة العربية بإلغاء العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الأخيرة على سوريا الأسبوع الماضي، وتعليق عضويتها في المنظمة فور التوقيع على البروتوكول، وكذا إرسال رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أملى صيغتها وزير الخارجية السوري وليد المعلم. وحسب هذه الرسالة، تشير الجامعة إلى أنه «تحققت نتائج إيجابية جراء التوقيع على الاتفاق»، وأن «الأمين العام للأمم المتحدة مطالب بأن يوزع هذه الرسالة على أعضاء الأممالمتحدة كوثيقة رسمية». ولا يوضح جواب سورية إذا كانت تعتزم فقط السماح للمراقبين العرب بالوصول إلى أراضيها أو أنها مستعدة لأن تتبنى أيضا المطالب التي يتضمنها البروتوكول العربي. وحسب هذه المطالب، على سوريا الكف فورا عن العنف، إخراج قوات الجيش من المدن، السماح لوسائل الإعلام الأجنبية بتغطية ما يجري في الدولة والشروع في حوار وطني عن المرحلة القادمة. هكذا، نجحت سوريا في أن تعرض نفسها كمن هي مستعدة لقبول تعليمات الجامعة، وفي نفس الوقت تعيد دحرجة الحسم في موضوع استمرار النشاط ضدها إلى بوابة الجامعة العربية، وذلك لأن البيان السوري مصوغ بشكل من شأنه أن يدخل الجامعة في خلاف عميق حول التفسير. يتعين على وزراء خارجية الجامعة العربية الآن أن يترددوا في ما إذا كانوا سينظرون إلى بيان الثلاثاء كموافقة وقبول لشروط سوريا الجسيمة أم يرفضون شروطها التي من شأن قبولِها أن يفرغ عمل المراقبين من مضمونه، التوجه إلى الأممالمتحدة بطلب إقامة منطقة حظر للطيران في سوريا، وهكذا شق الطريق نحو التدخل العسكري. وحسب مصادر تركية، فإن الولاياتالمتحدة تنتظر حسم الجامعة التي بيدها القرار إذا كانت ستطلب من الأسرة الدولية إقامة منطقة حظر للطيران أو معبر حيادي محمي في سوريا، دون طلب عربي من الأممالمتحدة يمهد الطريق لتدخل عسكري، تمتنع حاليا دول الغرب عن المبادرة إليه. وفي هذه الأثناء، إلى أن تحسم الجامعة العربية، يواصل المواطنون السوريون التعرض للقتل بنار قوات الأمن. نشطاء في الدولة أفادوا يوم الثلاثاء بأن ستين جثة، على الأقل، نقلت إلى المستشفيات في مدينة حمص، والتقدير هو أن عدد القتلى وصل حتى الآن إلى 4 آلاف نسمة. من لا ينتظر نتائج النقاش في الجامعة العربية هو الولاياتالمتحدة وتركيا، اللتان تواصلان التخطيط للمرحلة القادمة على فرض أن نظام الأسد سينهار. نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي التقى يوم السبت برئيس الوزراء التركي أردوغان، روى للصحفيين أن الحوار التركي الأمريكي يرمي إلى فحص سبل العمل المشتركة لمساعدة حركات الثورة في سوريا بعد أن تسقط نظام الأسد. وقدر بايدن أن سقوط نظام الأسد لن يؤدي بالضرورة إلى تدهور إقليمي أو حرب طائفية (بين السنة والشيعة). ولكن مصادر تركية أفادت «هآرتس» بأنه، حسب تقدير تركيا، يجب البدء في بلورة قيادة معارضة موحدة منعا لحرب أهلية وضمان نقل مرتب للحكم. تركيا، التي أصبحت دولة محور تعتمد عليها الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، تعمل بنشاط على مساعدة المعارضة المدنية والعسكرية السورية، ولكنها ليست بالضرورة كلب حراسة للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. هكذا مثلا، خلافا لاتفاق مع الولاياتالمتحدة في موضوع سوريا، تعتقد تركيا أنه لا يجب فرض مزيد من العقوبات على إيران، وذلك ضمن أمور أخرى لأن تركيا تعتمد على استيراد النفط والغاز من إيران.