قبل بضعة أشهر أعلن القائمون على شؤون السينما بالمغرب أنهم اختاروا فيلم «عمر قتلني..» للممثل والمخرج الفرنسي (ذي الأصول المغربية) رشدي زمّ لتمثيل المغرب ضمن ترشيحات جائزة «الأوسكار» الأمريكية لأحسن فيلم أجنبي. وقد كان لافتا أن هذا الأمر (الذي يرقى إلى مستوى الفضيحة) لم يثر اهتمام (كيلا أقول غضب واستنكار) معظم الفاعلين في الساحة السينمائية المغربية، وفي المشهد الثقافي المغربي ككل. ذلك أن هذا الفيلم، الذي اختاره البعض لتمثيل المغرب، حتى وإن كان يتناول واقعة اتهام البستاني المغربي عمر الرداد بجريمة قتل لم يرتكبها، يظل فيلما فرنسيا بالدرجة الأولى والأخيرة؛ كما لا يشفع لهذا الاختيار كون قناة «دوزيم» والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة ساهمتا في إنتاجه، حيث تظل هذه المساهمة غير ذات قيمة أمام ثقل الجهات الإنتاجية الفرنسية في الفيلم (شركات الإنتاج: تيساليت ومارس وهول إن وان وفرانس2 سينما...) والجهات المشاركة في إنتاجه (كنال بلوس، سيني سينما، المركز الوطني للسينما بفرنسا...)، إضافة إلى الجهات المساهمة فيه والداعمة له (أكثر من 15 جهة)، وكلها فرنسية، يمكن لمن يشاء الاطلاع على أسمائها بالتفصيل عبر موقع الفيلم (الذي يشار إليه باعتباره فرنسيا، لا مغربيا) على الشبكة العنكبوتية. يضاف إلى ذلك أن هذا الاختيار يعني ضمنيا أن كل الأفلام المغربية التي تم إخراجها هذه السنة (يقول المسؤولون إن عددها يبلغ 23 فيلما) لا ترقى إلى مستوى اختيار ولو واحد منها لتمثيل المغرب خارج الحدود؛ وهذا إقرار من هؤلاء المسؤولين بفشل سياسة الدعم الحالية التي رفعت كم الإنتاج السنوي للأفلام لكنها نزلت بنوعيتها إلى الحضيض. والحقيقة أن هذا الالتباس الهوياتي (الموروث عن الفترة الاستعمارية، والذي كنا نعتقد أننا تخلصنا منه منذ فترة طويلة) بين ما هو مغربي وما هو فرنسي ضمن الثقافة المغربية قد أعيد مؤخرا بقوة وفرض على مشهدنا الثقافي والفني بوقاحة لا حد لها، في مجال السينما خاصة، حيث اعتبر البعض إدراج فيلم فرنسي باسم المغرب ضمن مسابقة مهرجان مراكش قبل ثلاث سنوات أمرا عاديا (فيلم «قنديشة» للفرنسي جيروم أوليفار كوهين)؛ كما قرأنا مقالات هذا العام تتحدث عن فيلم «عين النساء» للفرنسي، ذي الأصول الرومانية، رادو ميهايليانو باعتباره فيلما مغربيا، يمثل بلادنا في المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي الدولي... بما يعني، في النهاية، أن الأمر ليس من قبيل الصدفة وإنما هو يندرج ضمن خطة يشتغل عليها أصحابها بمنتهى الإحكام، لكن: وبمنتهى الغباء كذلك. لقد كانت فرنسا الاستعمارية أول من أدخل الفن السابع إلى بلادنا، إلى جانب الفنون التشكيلية، هذه واقعة تاريخية لا يمكن إنكارها، ومنذ ذلك الوقت إلى الآن ما زالت هذه الفنون تمثل نوعا من «المستعمرات» داخل الثقافة المغربية (شعرا وموسيقى ومسرحا وغناء وأدبا...)، عاجزة عن التفاعل مع باقي القطاعات الثقافية الناطقة باللغة العربية. ولن نكشف سرا هنا إذا قلنا إن معظم سيناريوهات الأفلام التي يكتبها ويصورها مخرجون مغاربة تكتب باللغة الفرنسية، وإن عددا لا بأس به منها يعيد كتابته فرنسيون (كشرط من شروط ما يطلق عليه «الإنتاج المشترك»)، وإن الحوارات في الوسط السينمائي المغربي تتم كلها باللغة الفرنسية؛ إلى حد أنه صار يقال عن كثير من مخرجينا أنهم حين يسقط المطر في باريس يفتحون مظلاتهم هنا (في الرباط أو الدارالبيضاء، أي حيث تتركز صناعة السينما عندنا)، لكن المؤسف أن لا أحد في باريس يعبأ بهم أو بمظلاتهم، بل بعكس ذلك، يتم التعامل بتعالٍ ونفور واستخفاف مع هذا «العشق المجنون» حدّ الرغبة في التماهي مع المعشوق الذي يصر على أن يمارس وصايته (وليس حبه) إلى النهاية.