في هذا الحوار، يشرح إدريس لكريني، أستاذ الحياة السياسية بجامعة القاضي عياض، التوجهات الكبرى، التي يمكن أن تتخذها التحالفات المقبلة في ظل المشاورات القائمة حول تشكيل الحكومة، التي يترأسها عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية. ويطرح لكريني في معرض تحليله للسيناريوهات المحتملة للحكومة المقبلة الصعوبات التي ستواجه حزب العدالة وتنمية لضمان تحالفات مريحة تسمح له ببلورة أغلبية منسجمة تستجيب لانتظارات المواطن المغربي، وتسعى إلى احتواء الحركات الاحتجاجية، مرجحا أن يتمسك إخوان بنكيران بالتحالف مع الكتلة الديمقراطية. - على ضوء الاتصالات التي قام بها الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، مؤخرا، ماهي السيناريوهات المحتملة لتشكيل الحكومة المقبلة؟ أود التأكيد بأنه في غياب أي ملامح واضحة للمتتبعين للشأن السياسي المغربي بخصوص التحالف الحزبي، الذي سيقود الأغلبية الحكومية المقبلة، لا يمكن أن نجزم بوجود سيناريوهات محددة، لكن في تقديري سنكون أمام سيناريوهين اثنين، سيتخذ الأول صبغة التحالف التكتيكي، حيث سيعمد حزب العدالة والتنمية إلى الدفع باتجاه عقد تحالف حزبي مع أحزاب الكتلة الديمقراطية، لاسيما أن التحالف الثماني، بزعامة التجمع الوطني للأحرار، أربك قبيل الانتخابات حسابات المشهد السياسي المغربي على اعتبار اختلاف المرجعيات والرؤى لدى أحزاب هذا التحالف. وإذا تحقق هذا الأمر سنكون أمام ثنائية قطبية حقيقية، إذ ستتشبث أحزاب كبيرة مثل الأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية بالمعارضة، في حين ستقود أحزاب البيجيدي والاستقلال والاتحاد الاشتراكي الحكومة المقبلة. وهذا السيناريو هو بمثابة الصيغة الجيدة التي بإمكانها أن تفيد العدالة والتنمية كثيرا، والذي تتملكه، على ما يبدو، رغبة كبيرة في تسيير الشأن العام، بل سيستفيد من الخبرة التي راكمتها أحزاب الكتلة في هذا الباب، الشيء الذي سيساعد إخوان بنكيران على تحقيق الأهداف التي سطروها. أما السيناريو الثاني، فيتمثل في أن يسعى حزب العدالة والتنمية إلى تكوين تحالف استراتيجي يجمع بين مكونات لها تقارب إيديولوجي تسمح بتدبير حكومي منسجم، وبدوره، سيبلور هذا التحالف ثنائية قطبية على قدر مقبول من الانسجام، وسيتشكل هذا التحالف من البيجيدي والاستقلال والحركة الشعبية. أعتقد أن هذه الصيغة تتوافر فيها بعض معالم التناغم على المستوى الإيديولوجي. ومن هذا المنطلق، ستتبلور معارضة قوية جدا بقيادة حزب الاتحاد الاشتراكي الذي يتوفر على قاعدة عريضة. ولامناص كذلك من التذكير بأن هذه اللحظة السياسية التي يعيشها المغرب الآن تعيد إلى الأذهان لحظة تجاذبت فيها أحزاب اليسار السجال مع القوى الإسلامية، ووصلت في بعض الأحيان إلى حد الانتقاد اللاذع، وهذا ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول تباين الإيديولوجيات بين الاتحاد الاشتراكي المسنود بقواعد قوية والتقدم والاشتراكية. - لكن السيناريو القائم على تحالف حزب العدالة والتنمية مع أحزاب الكتلة الديمقراطية بدأ يتبدد، خاصة أن العديد من التكهنات تشير إلى أن المجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي يسير نحو تبني خيار الاصطفاف في صف المعارضة، الأمر الذي أزعج الاستقلاليين، حليفهم في الكتلة. كيف تنظر إلى هذه المعطيات؟ أرى أن اللجوء إلى قواعد الحزب وهياكله للتشاور أمر طبيعي جدا، خاصة إذا علمنا أن قواعد الاتحاد الاشتراكي لن تتسامح مع الحزب في حالة ما اتخذ موقفا انفراديا من المشاركة في الحكومة من عدمه. الشيء الثابت إلى حدود اللحظة أن قرار مشاركة الحزب في الحكومة المقبلة لازال مفتوحا أمام كل الاحتمالات، والراجح أن قيادة الاتحاد الاشتراكي ستلفي نفسها في وضع صعب جدا حين تواجه هياكلها الداخلية في ظل تباين الرؤى بين زعامات الحزب. أما الشق الثاني من سؤالك المتعلق بانزعاج بعض القيادات الاستقلالية من المسار الذي يسير فيه حزب الاتحاد الاشتراكي، فإن قواعد السياسة الحقيقية لا ترتكز على مثل هذه الأشياء لأن التحالفات لا يمكن التعامل معها بشكل مقدس كما يزعم بعض السياسيين المغاربة، فقد يحدث أن تفرز الانتخابات خريطة سياسية جديدة تستدعي إجراء تغييرات بعينها في التموقعات كما يحدث في كل البلدان الديمقراطية. وربما التحالف الذي يمكن أن يتشكل في غضون الأسابيع المقبلة سيخلخل المشهد السياسي المغربي وسيعيد ترتيب تموقع الأحزاب. - نعود إلى السيناريو الثاني الذي طرحته. فدخول حزب الحركة الشعبية إلى الحكومة المقبلة تعترضه صعوبات بالغة كما يرى بعض المحللين بدليل أنه ينتمي إلى التحالف من أجل الديمقراطية وكذا ستمارس عليه ضغوط من طرف أحزاب التحالف لثنيه عن الانضمام إلى الأغلبية الحكومية. ماهي قراءتك لهذا التحليل؟ أشير إلى أن حزب الحركة الشعبية حزب عتيد، وهو في نفس الوقت يتوفر على هياكل تحدد قراراته المصيرية، وإذا كان الحزب يتلقى تعليمات وأوامر من جهة، مهما كانت، فإنه لا يستحق أن يكون، سواء في المعارضة أو الأغلبية. وإذا كان الأمر بهذا الشكل، فإن شعارات من قبيل تقوية دور الأحزاب في ظل الدستور الجديد تبقى فارغة من محتواها. لكن يبدو حزب الحركة الشعبية قريبا نوعا ما إلى الأغلبية الحكومية، فهو يتقاسم مع حزبي العدالة والتنمية نقاطا كثيرا يمكن أن تستثمر لتشكيل حكومة منسجمة، أما إذا اختار الحزب أن يمارس المعارضة، فذلك أمر محمود مادام الدستور الجديد يمنح للمعارضة مكانة متميزة. - الأكيد الآن أن حزب الاستقلال سيشارك في الحكومة المقبلة. كيف تنظر إلى تصريحات كريم غلاب حول تباين البرامج الانتخابية للحزبين، ففي الوقت الذي وعد فيه البيجيدي بتحقيق نسبة نمو تصل إلى 7 بالمائة تعهد الاستقلال ببلوغ 5 بالمائة؟ وهل سيؤثر مثل هذا التباين على انسجام الحكومة المقبلة؟ أعود إلى السيناريو الأول الذي خمنت فيه أن يتحالف حزب العدالة والتنمية مع أحزاب الكتلة الديمقراطية، ففي اعتقادي سيكون هذا الاختيار مريحا لرئيس الحكومة المقبل، حيث سيعمل كل من حزبي الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية على تبديد المخاوف التي أبدتها بعض الحركات النسائية وبعض النخب بشأن إمكانية أسلمة المجتمع. ولا شك أن إعطاء حزب العدالة والتنمية الأولوية للكتلة الديمقراطية يحمل في ثناياه إشارات قوية. أما مسألة البرامج الانتخابية فينبغي التشديد على أن تنفيذها يرتبط بظرفية حساسة جدا، إما أن تؤدي إلى تثبيت أركان الديمقراطية وبناء دولة المؤسسات والحق والقانونى أو أنها ستؤدي إلى إفراغ مكتسبات الدستور الجديد من محتواها. وأعتقد أن هناك أولويات أخرى أكبر من البرامج الانتخابية التي تحدثت عنها، وهي المصلحة العليا للوطن وإعادة النظر في توازن السلط، وكذلك يجب استحضار أن ثمة حراكا مجتمعيا ينتظر إشارات إيجابية من الحكومة المقبلة في تعاطيه مع قضاياه الملحة، وهي تخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد واستقلالية القضاء وتحسين الدخل الفردي للمواطن المغربي. - لنتوقف عند النقطة المتعلقة بالحراك الشعبي. هناك من يقول إن هاجس احتواء الاحتجاجات المستمرة، خاصة من طرف حركة 20 فبراير، تحكم بشكل ما في تحديد طبيعة التحالفات التي سيعقدها حزب العدالة والتنمية. إلى أي مدى تصح هذه الفرضية؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال، أرى أن مسألة تشكيل التحالف الذي سيقود الحكومة المقبلة تتطلب وقتا، لذلك سيكون لزاما التحلي بالتأني والتريث، وبالتالي لابد من التركيز على الأهداف الكبرى التي تتوخى الحكومة المقبلة تحقيقها، ومن هنا يمكن تبرير التريث الذي تحدثت عنه سلفا. بطبيعة الحال، أي تحالف حكومي من واجبه أن يسعى إلى احتواء هذا الاحتجاج بطريقة أو بأخرى، وبكل تأكيد، فإن طبيعة التحالف الذي سيتبلور سيساهم في تكون رؤية حتى وإن لم تكن واضحة عن مستقبل عن هذه الاحتجاجات. ويجب في هذه الظرفية أن يستثمر حزب العدالة والتنمية بشكل إيجابي بعض المتغيرات من قبيل الهامش الدستوري الذي أتاحه التعديل الدستوري الأخير الذي لم يتوفر لحكومة التناوب التوافقي في نهاية التسعينيات من القرن الماضي. ولذلك عليه أن يتفاعل بصفة مباشرة مع هموم المواطن المغربي المتشعبة، وفي مقدمتها مشاكل السكن والتعليم والدخل الفردي.