في هذا الحوار يقدم عبد الحميد أمين، نظرته النقدية للدستور وللانتخابات، ويتحدث عن وضعية حقوق الإنسان في المغرب، كما تقاربها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، التي يعتبر أمين أبرز وجوهها. ويسلط الضوء على مسارات حركة 20 فبراير وآفاقها، وينفي أن يكون النهج الديمقراطي متحالفا مع العدل والإحسان. كما يفصِّل في مفاهيم مثل العلمانية والحريات الفردية، ويصف الحقوقيين الذين يعارضون هذه الحريات بالانتهازيين. - كيف تنظر إلى أول انتخابات تجرى في ظل الدستور الجديد؟ قبل الجواب، أريد أن أعبر عن تضامني مع الأخ رشيد نيني الذي ما زال معتقلا منذ عدة شهور، والذي حُكم عليه جورا بسنة حبسا نافذا. لقد كنا في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان دائما إلى جانبه ونطالب بإطلاق سراحه دون قيد أو شرط، كما نددنا بمحاكمته استنادا إلى القانون الجنائي. أما في ما يتعلق بسؤالك، فما سميته أنت دستورا جديدا أعتبره أنا دستورا جديدا قديما، لأن دستور فاتح يوليوز2011 لا يختلف في الجوهر عن الدستور القديم، فهو يكرس الاستبداد، إذ نجد أن كافة السلطات الأساسية، سواء التنفيذية أو القضائية أو التشريعية أو الدينية، توجد بيد المؤسسة الملكية أو تتحكم فيها. بل أضيفت سلطات أخرى، مثل المجلس الأعلى للعلماء الذي يترأسه الملك والذي أنيطت به دستوريا مهمة إصدار الفتاوى. لا ننكر أن هناك في الدستور الجديد مكاسب متعلقة بحقوق الإنسان، لكن ليست هناك ضمانات دستورية لتطبيقها، وهناك أيضا مقتضيات تتعلق بحقوق الإنسان شكلية أكثر مما هي واقعية. - اذكر مثالا على وجود مقتضيات شكلية في الدستور تخص مجال حقوق الإنسان؟ مثلا، عندما يتحدث الدستور، في بداية الفصل 19، عن المساواة بين الرجل والمرأة في المجالات السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، نقول هذا شيء عظيم، لكنه في نهاية هذا الفصل يضرب بعرض الحائط مسألة المساواة ويكبلها بالقوانين المحلية وأحكام الدستور وثوابت المملكة. - التعارض بين حقوق الإنسان الكونية، وبين القوانين المحلية، المستقاة من الشريعة، هو مطلب شعبي، ليست الدولة من يفرضه بل المواطن المغربي هو الذي يعتبره من صميم دينه وهويته؟ هذا صحيح، هنالك ثقافة سائدة في مجتمعنا مرتبطة بالموروث الثقافي وبالدين الإسلامي، وأنا دائما أقول لو طرحت مسألة عقوبة الإعدام للتصويت حاليا سيكون هناك 90 في المائة من المغاربة ضد إلغاء عقوبة الإعدام. - إذن، مادام أن المغاربة هم الذين يعارضون الاحتكام إلى المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، فلماذا تحملون الدولة المسؤولية؟ لأن الدولة هي المسؤولة، وهي التي لها إمكانية التأثير وتغيير الرأي العام في بلادنا. فإذا أرادت الدولة إلغاء عقوبة الإعدام مثلا فستستعمل التلفزة والمدارس والفن والمساجد، وكل الإمكانيات التي تتحكم فيها من أجل إقناع الرأي العام المغربي وتغيره في هذا الاتجاه. ولكن الدولة لا تريد ذلك، وهنا أستحضر مسألة أساسية وقعت أثناء مناقشة الدستور المغربي، بحيث كادت تتم دسترة حرية العقيدة، لكن الدولة استشعرت خطورة هذه المسألة عليها ودفعت بحزب العدالة والتنمية إلى تصعيد الخطاب والقول إنه سيعارض الدستور إذا تمت دسترة بعض البنود المعارضة للديانة الإسلامية. - هل يعني هذا أن الخرجة القوية للأمين العام للعدالة والتنمية عبد الإله بنكيران ضد مسألة دسترة حرية العقيدة كانت بإيعاز من الدولة؟ أنا أعتقد أنه كان تنسيق بين الدولة وبين العدالة والتنمية في هذا المجال. - ما رأيك في عدد من الدول والمنظمات الغربية التي أشادت بالتجربة المغربية واعتبرت أن المغرب استجاب لمطالب الشارع؟ الذين أيدوا الدستور المغربي، وأتحدث بالخصوص عن فرنسا والولايات المتحدة، لهم مصالح مع النظام السياسي القائم في المغرب، ولذلك فهم يشجعون هذا النظام رغم تعارضه مع قيم الديمقراطية المتعارف عليها دوليا. - ولكن، ألم تكن لهاته الدول مصالح مع النظام التونسي والمصري، وحتى الليبي، فلماذا لم يعملوا على حمايتها من السقوط؟ لأنهم رأوا أن الاتجاه السائد في تونس هو ضد بن علي، وبالتالي تبين لهم أن مصالحهم تسير، بشكل جزئي مع مصالح الشعب، وعليهم ألا يعارضوا تلك المصالح. أنا أعتقد أن الذين يرون أن الدستور المغربي دستور ديمقراطي، وخصوصا الفرنسيون، هم يحتقرون الشعب المغربي، لأن ٫الإرادة الشعبية غير محترمة داخل الدستور المغربي. - أنت قيادي في نقابة الاتحاد المغربي للشغل، ونقابتكم أشادت بالدستور، ودعت لأول مرة في تاريخها إلى التصويت عليه بنعم، فيما أنت تعتبره دستورا غير ديمقراطي؟ الاتحاد المغربي للشغل كان دائما، في مواقفه، إما يعارض الدساتير المطروحة أو يترك الصلاحية لأعضائه ليتخذوا مواقفهم منها، وفقا لقناعاتهم السياسية. المفاجئ هذه المرة هو أن قيادتنا النقابية دعت إلى التصويت بنعم على الدستور، وهذا فعلا كان فيه تناقض بين موقفي الشخصي وموقف العديد من المناضلين وموقف المركزية التي أنتمي إليها، وكان لنا صراع قوي داخل اللجنة الإدارية للاتحاد المغربي للشغل التي اجتمعت يوم 20 يونيو، واستقر رأي الأغلبية على التصويت بنعم لدستور فاتح يوليوز. نحن كمعارضة في هذا المجال كنا نطالب بترك صلاحية التصويت للأعضاء. مادام الاتحاد المغربي للشغل هو منظمة جماهيرية فيها توجهات مختلفة فقد كان الموقف الديمقراطي الحقيقي هو ترك المجال لمختلف الأعضاء للتعبير عن مواقفهم من الدستور. - أنت أيضا عضو قيادي في حزب النهج الديمقراطي، الذي دأب منذ تأسيسه على «المقاطعة». ألم يكن حريا بكم التصويت بنعم أو بلا، بدل المقاطعة، حتى يتسنى لكم قياس حجم تأثيركم الحقيقي على الكتلة المصوتة، بدل قرار المقاطعة الذي هو قرار مريح ؟ قرار المقاطعة ليس مريحا. المقاطعة قرار نضالي والدليل هو ما يتعرض له أصحاب هذا الموقف من مضايقات وقمع. فعلا هي لا تسمح لنا بمعرفة من قاطع استجابة لدعوة المقاطعة، ومن قاطع تلقائيا. هذه مسألة تتطلب دراسة سوسيولوجية عميقة. - حركة 20 فبراير، التي أنت نائب منسق لجنة متابعة المجلس الوطني لدعمها، هناك من يعتبر أنها تتجه نحو انسداد آفاقها لسقوطها في التكرار والاستعراضية؟ أنا لا أعتقد أن تكرار الأشكال النضالية الأسبوعية هو أمر يجب احتقاره، بل هو دليل على طول النفَس وعلى الصمود، وأعتقد أن حركة 20 فبراير إذا استمرت في طول النفس هذا فستصل إلى أهدافها. كما أعتقد أن 25 نونبر سيكون امتحانا عسيرا لحركة 20 فبراير وعسيرا أيضا بالنسبة إلى السلطة، لأنه سيظهر بعد 25 نونبر أن نفَس الإصلاحات المقترحة كان قصيرا وأنها لم تأت بشيء نوعي في نهاية المطاف. وهذا سنعرفه بعد أيام؛ أنا أعتقد أن الانتخابات ستعرف مقاطعة قوية وأن ما سيظهر من نتائج لن يخرج عن المألوف، لأننا سنرى أن الأعيان هم من سيصعد إلى البرلمان وأن أصحاب المال والمصالح هم الذين سيحوزون على الأغلبية في البرلمان وأن هذا لن يغير شيئا بالنسبة إلى الشعب المغربي، وأعتقد أن هذا سيعطي زخما أقوى لحركة 20 فبراير لأنه سيبين أن كل الإجراءات الإصلاحية التي تم طرحها لم تغير شيئا من الواقع السياسي والاجتماعي. فالحكومة ستكون حكومة شبيهة بالحكومات السابقة، حتى لو تسلمها حزب العدالة والتنمية، لأن الحكومة ليست لها سلطة رغم التغييرات الجزئية التي وردت في الدستور فلن يكون لها تأثير في تغيير اللعبة السياسية في المغرب رغم أن هناك العديد ممن يحاولون إيهام الشعب بأن الانتخابات المقبلة ستفرز برلمانا قويا وحكومة مستقلة في قراراتها. - هناك من يقول إن هناك تحالفا هجينا وغير متجانس تشكل داخل حركة 20 فبراير بين النهج الديمقراطي، وجماعة العدل والإحسان؟ أنا أنفي أن يكون هناك أي تحالف بين النهج الديمقراطي وجماعة العدل والإحسان، لأن حركة 20 فبراير هي حركة جماهيرية شعبية، الجميع له الحق أن يوجد داخلها. خرج معنا السلفيون مرارا، فهل النهج الديمقراطي متحالف مع السلفيين. خرجت معنا حركة قريبة من العدالة والتنمية فهل النهج متحالف مع العدالة والتنمية؟ - ولكن، في عدد من المدن أظهر غياب العدل والإحسان والنهج الديمقراطي في بعض المحطات مدى تأثير هذين التنظيمين في حركة 20 فبراير. مما يدفع البعض إلى القول بأن 20 فبراير هي النهج زائد العدل والإحسان بمسمى آخر؟ هذا غير صحيح. حقيقة إن العدل والإحسان توجد بقوة دخل حركة 20 فبراير، وأكثر من النهج الديمقراطي. هذا واقع لا يمكن أن ينفيه أحد، لكن ليس هناك أي تحالف. التحالف يتطلب اجتماعات وأرضية. ما هو موجود داخل الحركة هو أننا يوم 20 فبراير خرجنا بشكل تلقائي إلى الشارع فوجدنا تيارات سياسية مختلفة في الشارع بشعارات أحيانا متضاربة. - مثل ماذا؟ كانت هناك شعارات إسلامية وأخرى ماركسية. وهنا فهم الناس أنه لا بد من تهذيب التعامل داخل الحركة لضمان استمراريتها. - هنا بدأ التنسيق بين ماركسيين وإسلاميين؟ لا، لم يكن أي تنسيق، كل ما في الأمر هو أن المجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير قبِل طلب جماعة العدل والإحسان الانضمام إليه، مادامت موجودة داخل الحركة، وتم هذا بشبه إجماع وليس النهج وحده الذي قبل ذلك، فالنهج لا يتحكم في مجلس دعم الحركة، بل مجموع الإطارات المدنية والسياسية هي التي تقرر. وأنا أسأل الذين يقولون بهذا، هل هناك تحالف بين النهج والعدل والإحسان داخل الاتحاد المغربي للشغل أو الكنفدرالية الديمقراطية للشغل أو الاتحاد الوطني للمهندسين المغاربة؟ هذه إطارات جماهيرية يوجد فيها الجميع، لذلك يجب التفريق بين منظمات جماهيرية شعبية للجميع الحق في الانتماء إليها، وليس لأي كان أن يطرد أيا كان من داخل صفوفها، وبين تنظيم جبهوي تختار جميع الأطراف فيه من تتعامل معه على أساس برنامج موحد. - تبدو حركة 20 فبراير منقسمة بين شعارين مؤطِِرين، شعار «الملكية البرلمانية» الذي يؤطر مسيرات الدارالبيضاء. وشعار «دستور ديمقراطي» الذي يؤطر مسيرات الرباط. إلى ماذا يعود هذا الخلاف؟ أنا لا أعتقد أن الفرق يوجد بين الرباطوالدارالبيضاء. صحيح أنه كانت هناك في البداية أرضيات يُرفع فيها شعار «الملكية البرلمانية» لكن لا أثر اليوم لهذا الشعار في التظاهرات. الآن هناك شعار إسقاط المخزن وإقرار دستور ديمقراطي، لأن جوهر حركة 20 فبراير يكمن في أن الشعب المغربي سئم من سيطرة العلاقات المخزنية ببلادنا وهو الآن يطالب بإسقاط المخزن الذي سيطر لقرون. القوى الديمقراطية والقوى الحية في البلاد تعتبر أن الحاجز أمام تطور المغرب هو العلاقات المخزنية، لذلك نسمع بكثرة في التظاهرات شعار «الشعب يريد إسقاط المخزن». هذا طبعا شعار سلبي، فما هو الشعار الإيجابي، أي البديل؟ هناك شعار «الملكية البرلمانية». لذلك فالأساسي والمتفق عليه لدى الجميع هو إسقاط المخزن. وما بعد إسقاط المخزن يمكن مناقشة النموذج البديل: هل هو الملكية البرلمانية؟ أم شيء آخر؟ لذلك فالجميع داخل الحركة وبشكل ضمني اتفق على شعار «من أجل دستور ديمقراطي» لأن الدستور الديمقراطي هو الذي سيحدد داخله شكل النظام الديمقراطي المنشود. - تتشبث الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بمسألة كونية وشمولية حقوق الإنسان، بدءا من الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، التي تجعلها أقرب إلى النقابة، وصولا إلى الحقوق الفردية مثل حرية العقيدة والحرية الجنسية ما يجعلكم في صدام مع المجتمع قبل الدولة، وفي خلاف مع عدد من رفاقكم اليساريين ؟ مبررنا في ذلك أن كونية حقوق الإنسان هي نتيجة لكفاح كافة الشعوب وليس لشعب معين، فالحضارات متواصلة في ما بينها بل كل حضارة هي تكملة للأخرى. وحتى لو كان الجزء الأساسي من ثقافة حقوق الإنسان أي المتعلق بالمجال السياسي والمدني غربي المنشأ، فإن الجزء الآخر، أي الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، قد نشأ بارتباط مع الثورة الروسية لسنة 1917. أنا أعرف أن هنالك بعض اليساريين لهم نظرة مغايرة، لكنهم مخطئون. فهؤلاء، ونظرا لأن المنظور الحقوقي في مجال الحريات الفردية غير مألوف بل ومستفز أحيانا، فهم يحاولون التملص من الدفاع عن هذه الحقوق بمبرر أنها غير مقبولة في الأوساط الشعبية.` - هل هذه انتهازية؟ نعم، هذا نوع من الانتهازية. فنحن كحقوقيين ندافع عن الحريات الفردية رغم أننا نعرف أنها تخلق لنا متاعب مع شعبنا. لكن الالتزام الحقوقي يفرض علينا أن تكون لنا تلك المواقف وأن نكون مبدئيين وألا نكون انتهازيين في هذا المجال. - تسييد تأويل حقوقي معين داخل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، يجعل عددا من الأطراف تتهمكم بتحويل الجمعية إلى ملحقة للنهج الديمقراطي؟ هذا غير صحيح. أنا أريد أن أعرف أين توجد تبعية الجمعية في مواقفها للنهج الديمقراطي؟ - على مستوى الأجهزة مثلا، فحزب الطليعة الذي قاد معكم تجربة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بعد إحيائها سنة 1988، انسحب من اللجنة الإدارية احتجاجا على ما اعتبره استحواذا عدديا لتيار النهج الديمقراطي داخل الجمعية؟ ما هو حقيقي هو أن النهج الديمقراطي له تأثير داخل الجمعية. هذا لن أنفيه، لكن هذا التأثير من أين أتى؟ هل أتى بشكل بيروقراطي وبممارسات غير ديمقراطية؟ بل هو نتيجة للعمل الذي قام به مناضلو النهج داخل الجمعية منذ أزيد من 20 سنة. ما وقع في المؤتمر الأخير هو أن رفاقنا في حزب الطليعة انسحبوا من الترشيح لعضوية اللجنة الإدارية لأنهم كانوا يريدون أن تكون لهم داخل الأجهزة حصة أكبر من الحصة التي كانت لهم داخل المؤتمر. الآن 80 في المائة على الأقل من أعضاء الجمعية مستقلون، غير متحزبين لا داخل النهج ولا داخل الطليعة أو أي حزب آخر، ومن لم يأخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار لن يعرف ما يقع داخل الجمعية. فهؤلاء المستقلون يقولون: «نحن سئمنا التوافقات، نريد انتخاب الأجهزة» لذلك، وللتوفيق بين الذين لا يريدون إلا الانتخابات وبين الذين يريدون التوافقات، طرحت مسألة الانتخابات على أساس اللوائح وبالنسبية. لأول مرة فكرنا في الجمعية أن تكون هنالك لوائح، حزبية أو غير حزبية، وكل لائحة يؤخذ منها أعضاء وفقا للنسبة التي حصلت عليها داخل المؤتمر. وقد يحصل توافق على السير في هذا الاتجاه بالنسبة إلى المؤتمر المقبل. - يعاب على الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أيضا كونها تُقحم السياسة في العمل الحقوقي، من قبيل دعوتها إلى دستور ديمقراطي، ومناداتها بتطبيق العلمانية، وتحريضها على مواجهة الإمبريالية؟ أشكرك كثيرا على هذا السؤال لأنه سيمكنني من رفع بعض المغالطات. صحيح أن مطلب الدستور الديمقراطي مطلب سياسي، لكنه كذلك مطلب حقوقي بامتياز، ففي القانون الأساسي للجمعية نجد هناك بندا يدعو إلى ملاءمة قوانين المغرب (مثل قانون الصحافة، قانون الأحزاب، قانون الشغل، القانون الجنائي) مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. فكيف نريد أن تكون جميع القوانين منسجمة مع المواثيق الدولية، ولا يكون الدستور، الذي هو أسمى قانون، منسجما كذلك مع هذه المواثيق؟ إذن، نحن نناضل من أجل أن يكون لنا دستور منسجم مع حقوق الإنسان. هذا هو سر مطالبتنا بدستور ديمقراطي. من جهة أخرى، نحن عندما انصب اهتمامنا على ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، كانت إحدى الخلاصات الأساسية من أجل عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة مستقبلا هي ضرورة بناء دولة الحق والقانون، وبناء دولة الحق والقانون يبدأ بالدستور الديمقراطي، إذ لا يمكن أن نتصور دولة الحق والقانون في ظل دستور كالدستور الحالي. المسألة الثانية هي مناهضة الإمبريالية. وهذا شعار سياسي، لكنه حقوقي كذلك، على اعتبار أننا كحقوقيين وكأعضاء في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان نناضل من أجل حق الشعوب في تقرير مصيرها، والإمبريالية هي العرقلة الأساسية أمام احترام هذا الحق. إذن مناهضتنا للإمبريالية تنطلق من الدفاع عن مبدأ حقوقي جوهري هو حق الشعوب في تقرير مصيرها. المسألة الثالثة تتعلق بالعلمانية التي هي كذلك مطلب سياسي ورؤية مجتمعية. لكن ما هي المكونات الأساسية للعلمانية، أليست هي حرية العقيدة وفصل الدين عن الدولة؟ وهذا مطلب حقوقي بامتياز، لأنه إذا كانت الدولة تتدخل في المسائل الدينية يمكن أن تنتج عن ذلك عرقلة لحقوق الإنسان وهذا هو ما يوجد في المغرب، إذ باسم الدين مثلا تتم عرقلة المساواة في كافة المجالات بين الرجل والمرأة ويتم الحفاظ على عقوبة الإعدام ويتم رفض سمو المواثيق الدولية لحقوق الإنسان على التشريعات المحلية. - أليس هذا ليَّا لعُنق مفاهيم سياسية وإلباسها لبوسا حقوقيا، فإذا نحن اتبعنا قياساتك، قد نقول أيضا إن مقاطعة الانتخابات هو موقف حقوقي مادامت أنها لن تفرز لنا حكاما يحترمون حقوق الإنسان، أو شيئا من هذا القبيل؟ ستلاحظ أننا لم نذهب إلى ذلك، فسواء تعلق الأمر بالدستور أو الانتخابات المقبلة، فإن الجمعية لم تتخذ أي موقف ولم تتبن موقف المقاطعة لأنها تعتبره موقفا سياسيا. ولو كان الغرض هو السياسة فعلا لقمنا بِلَيِّ العنق ولاتخذنا موقفا سياسيا، لكننا لم نفعل لأننا ملتزمون بحقوق الإنسان أولا وأخيرا. - مؤخرا، أقدمت مركزيتكم النقابية على تقديم شكوى ضد نقابة حميد شباط إلى منظمة العمل الدولية. كما نظمتم وقفة احتجاجية على شباط بمجلس مدينة فاس، كنت أنت حاضرا فيها. ما الذي جرى؟ أريد أن أعبر مجددا عن استنكاري لتوقيف الأخ لحسن علبو الذي ينتمي إلى نقابتنا، والأخ محمد الحراك الذي يشتغل كذلك بالمجلس البلدي لفاس، وينتمي إلى الفدرالية الديمقراطية للشغل. سبب توقيف هذين الموظفين هو المعاداة للعمل النقابي ولنضالهما ضمن حركة 20 فبراير. وهذا قمع غير مقبول من طرف رئيس المجلس البلدي لمدينة فاس. نحن نتعامل مع شباط باعتباره اتخذ قرارا جائرا؛ الأخ لحسن علبو متصرف مساعد، ووزير الداخلية هو الذي له الحق أن يتخذ في حقه أي قرار وليس رئيس المجلس. لذلك نحن في الاتحاد المغربي للشغل اعتبرنا قرار توقيفه تعسفيا بامتياز ولأجله قدمنا شكاية ضد العمدة- الباطرون وليس ضد المسؤول عن النقابة، ناهيك عن أنه من الغريب أن يتخذ مسؤول نقابي إجراء انتقاميا تعسفيا ضد نقابيين بل حتى ضد مجرد موظفين عاديين. - لكن شباط يقول إن ما حرك الاتحاد المغربي للشغل هو «غيرة» ورد فعل على انسحاب عدد من القطاعات النقابية من نقابتكم والتحاقها بنقابته، وليس موقفا مبدئيا مع هذين الموظفين؟ لا صحة لهذا الادعاء، وأفهم أن يضطر شباط لتبرير موقفه، وخرجاته الكلامية معروفة. لكن هذا لا يمكن أن يطمس الواقع الذي هو القرار التعسفي الجائر في حق نقابيين وهو قرار مدان من طرف الحركة النقابية المغربية وعلى المستوى العالمي ولا بد من إلغائه.