«تسقط الأقنعة واحدا بعد الآخر وتكشف كيف ما يزال يحكمنا نظام مبارك»، هكذا صاغت أمس (يقصد الاثنين) حركة «السادس من أبريل» قلب الاحتجاج الجديد الذي اشتعل بحجم ضخم وعنف في ميدان التحرير في يوم الجمعة. «إن ما نراه الآن هو استعادة لما رأينا في بداية الاحتجاج في يناير»، اشتكت الصحيفة المستقلة «المصري اليوم». هل انتقضت الثورة حقا في نهاية الأسبوع وتتجه مصر إلى مسار عنيف؟ إن المَشاهد أمس (يقصد الاثنين) وأول أمس (يقصد الأحد) تُذكر، في ظاهر الأمر، بالأحداث العنيفة في يناير التي قتلت فيها الشرطة متظاهرين كثيرين. والهتاف المضاد ل«المُشير» حسين طنطاوي، الذي يرأس المجلس العسكري الأعلى، يُذكر بالهتاف المضاد لمبارك الذي صدر عن المتظاهرين، بل إن حركة السادس من أبريل أسرعت إلى صياغة خمسة مطالب يجب على الجيش أن ينفذها باعتبارها شرطا لإخلاء ميدان التحرير، منها إقالة وزير الداخلية ورئيس الحكومة عصام شرف، ويبدو أن خيبة الأمل العميقة من صورة إدارة المجلس العسكري الأعلى لشؤون الدولة هي المحور المركزي الذي تدور المظاهرات حوله. لكن بخلاف المظاهرات الضخمة التي بدأت الثورة في مصر وأظهرت وحدة صفوف تتجاوز الأحزاب في مواجهة نظام مبارك، فإن الاختلافات الداخلية هذه المرة بين الحركات السياسية هي التي تؤجج اللهيب في الميدان. السبب المباشر للمظاهرة المليونية التي تمت يوم الجمعة هو وثيقة المبادئ التي صاغها نائب رئيس الحكومة علي السلمي، التي ترمي إلى إقرار الأسس التي سيقوم عليها الدستور الجديد. وقد أثارت الوثيقة، التي أزالت عن الجيش كل انتقاد نيابي ومنحته صلاحية تحديد التهديدات الأمنية (ومنها التهديدات السياسية)، غضب الإخوان المسلمين الذين خشوا من أن تعرفهم هذه المادة بأنهم تهديد قومي، من جديد؛ وحددت مادة أخرى صورة انتخاب لجنة صياغة الدستور وقالت إنه يجب على ثلثي أعضاء مجلس الشعب أن يوافقوا على تركيبها، وهذه المادة ترمي -كما يرتاب الإخوان المسلمون والحركات العلمانية- إلى تعويق صياغة الدستور زمنا طويلا لأنه سيصعب على مجلس الشعب -في تقديرهم- أن يصوغ أكثرية كبيرة جدا تؤيد تركيب اللجنة. لكن معارضة وثيقة المبادئ، التي جرت عليها في أثناء ذلك تعديلات مهمة، تغطي على اختلاف شديد بين الحركات السياسية بعضها مع بعض، ولاسيما بين الإخوان المسلمين والحركات العلمانية. والشعور هو بأن الإخوان المسلمين ليسوا كبارا رابحين من الثورة فقط بأن تحولوا من حركة محظورة حسب القانون إلى حركة شرعية تستطيع أن تنشئ بل إن أنشأت أحزابا سياسية، بل إنها قد تكون الفائزة الكبرى في الانتخابات. تطلب بعض الحركات الليبرالية في ذلك تأخير إجراء الانتخابات لمجلس الشعب التي توقعوا أن تجرى بعد أيام قصد أن تحظى بزمن آخر لتنظيم نفسها، فالإخوان المسلمون من جهتهم يطلبون إجراء الانتخابات في موعدها ويتهمون الحركات العلمانية بالمبادرة إلى الإخلال بالنظام ليثبتوا بذلك أن الوضع الأمني في الدولة غير مستقر ولا يمكن من إجراء انتخابات. لكن الصفوف غير موحدة بين الحركات العلمانية أيضا، فبعضها يطلب أن يحدد الجيش برنامجا زمنيا قريبا حتى نهاية أبريل لنقل السلطة إلى رئيس منتخب، والبعض الآخر يطلب أن يصاغ في البدء دستور جديد وأن تجرى الانتخابات بحسبه. والجيش والحكومة من جهتهما لا يزالان يصران على أن تجرى الانتخابات في موعدها. وقد قضى أعضاء المجلس العسكري الأعلى أمس (يقصد الاثنين) بأن المسؤول عن المظاهرات الأخيرة «جماعات صغيرة من المخلين بالنظام» وأنه لا مشكلة عند قوات الأمن في السيطرة عليها. لكن في ضوء الأحداث الأخيرة، كثرت أمس (يقصد الاثنين) تقديرات أن يؤخر الجيش موعد الانتخابات، وهو ما قد يجر الدولة إلى فترة عدم هدوء طويلة بل إلى صدام طويل بين قوات الأمن والمتظاهرين. يبدو في هذه الأثناء أن جميع الأطراف، رغم التهم الموجهة إلى الجيش، تريد الحفاظ على مكانة الجيش باعتباره حاميا للثورة إلى أن تنتقل السلطة إلى قيادة مدنية. إذا تم الحفاظ على هذا الموقف فستبلغ مصر انتخابات مجلس الشعب في موعده وبهدوء نسبي، وستستطيع أن تستعد للنضال القادم من أجل الرئاسة.