مرتدية جلبابها المغربي، دخلت تلك السيدة إلى مركز الرعاية اللاحقة التابع لمؤسسة محمد السادس، حاملة معها ملفا يضم مجموعة من الوثائق. تم استقبالها والاستماع إليها ليس لأنها سجينة سابقة وإنما لأنها تواجه مشكلة في تسجيل ابنتها المولودة حديثا في الضمان الاجتماعي بسبب التأخر في التصريح بها لأن زوجها اعتقل منذ أربعة أشهر. استقبلت السيدة من طرف منسق المركز ورئيس مصلحة التأهيل وإعادة الإدماج، وقدمت شرحا لمشكلتها قبل أن يضربا لها موعدا آخر يتزامن مع موعد زيارتها لزوجها في سجن الزاكي. قد يبدو للوهلة الأولى أن مراكز الرعاية اللاحقة الموجودة بخمس مدن مغربية تهتم فقط بمتابعة السجين، لكن هذه المراكز التابعة لمؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء تحاول إيجاد حلول حتى للمشاكل العائلية للسجناء، التي تعتبر أحد محاور اشتغال المؤسسة من أجل إعادة السجين. فعملية إدماج السجين في المجتمع تبدأ قبل مغادرته أسوار السجن، من خلال الدور الذي تقوم مصالح التأهيل وإعادة الإدماج داخل السجون «تستقبل المصلحة السجناء وتهيئ لهم جوا تربويا نفسيا يسهل قضاء فترة الاعتقال» يشرح كريم الزويني، رئيس المصلحة بسجن الزاكي، بعض مهام وأدوار المصلحة، قبل أن يسترسل في حديثه قائلا: «إن هذا الأمر يسهل عملية إعادة الإدماج بعد خروجهم». كانت البداية من زنازين السجن تحاول بعض الأنشطة الترفيهية التي يتم توفيرها أن تخفف ولو نسبيا من حالة الاحتقان داخل السجون المغربية، في ظل شكاوى متصاعدة من حالة الاكتظاظ الكبير الذي تعرفه السجون «المشكل الحقيقي الذي نعانيه هو مشكل الاكتظاظ في السجون في ظل عدم اعتماد العقوبات البديلة» يقول الزويني. كما يحاول المتدخلون حل بعض المشاكل العائلية والاجتماعية حتى يحس المفرج عنه بالاستقرار على الأقل داخل البيت، لأن مشروع إعادة إدماج النزيل عن طريق التأهيل المهني يهدف بالأساس إلى معالجة بعض المشاكل الاجتماعية التي تكون لها انعكاسات سلبية قبل الإفراج. فريد سجين لم يستسلم للتحديات التي واجهته، فقد بدأ الإعداد لما بعد السجن وهو سجين بين زنازينه المكتظة، بعدما قرر الاستفادة في تلك الفترة من برامج التكوين المهني داخل السجن «لقد حاولت الاستفادة من برامج إعادة التأهيل التي توفرها المؤسسة السجنية، ونلت شهادة التكوين المهني في شعبة النجارة بميزة جيدة، مما أهلني للاندماج مرة ثانية في المجتمع بعد معانقتي الحرية» يقول فريد. لكن قدرته على الاندماج مرة أخرى لم تكن مفروشة بالورود كما قد يعتقد البعض، فقد واجهته مجموعة من المشاكل والتحديات سواء في المحيط الاجتماعي أو في المحيط المهني «من أجل تغيير نظرة المجتمع بذلت الكثير من المجهودات في الحياة» يضيف، لكن نجاح فريد في بلوغ هدفه تأتى له من خلال المساعدة المالية التي تلقاها من عائلته «سلمني إخوتي مبلغا ماليا، كما ساعدوني على رد القرض الذي أخذته من مؤسسة تعمل في مجال القروض الاجتماعية» يسرد فريد تفاصيل نجاحه بعد مغادرته أسوار السجن المحلي بوجدة. تضافر الجهود شعب التكوين المهني من حدادة ونجارة وحلاقة... إلخ تستقطب سنويا حوالي 200 مستفيد من أصل 4 آلاف سجين بسجن الزاكي يتابعون دراستهم في إطار الإعداد المهني الذي سطرته المصلحة للسجناء. في حين يختار بعضهم الآخر مواصلة الدراسة أو الاكتفاء بالفضاء الترفيهي والأنشطة الموازية التي تنظمها مندوبية السجون. وتحاول المصلحة توفير برنامج متكامل من أجل توفير الأرضية المناسبة لعودة السجين للاندماج بعد انتهاء مدة عقوبته، سواء من خلال تدليل المشاكل العائلية أو حتى مشاكل الاعتقال أو المشاكل القضائية التي تؤرق حياة أغلب المعتقلين، خاصة في ما يتعلق بنقطة «رد الاعتبار». وحرصا على السير العادي لملفات السجناء تحرص لجنة التنسيق بين المصلحة والمركز على الاجتماع كل خميس من أجل الوقوف على الحالات التي تحتاج إلى تدخلها وإيجاد حلول للمشاكل العالقة. وفي إطار هذا الدور التكاملي يستقبل المركز الحالات التي كانت المصالح الداخلية تقوم بتتبعها داخل السجن إضافة إلى مستفيدين آخرين «بالنسبة إلى هذه الفئة نواصل العمل الذي بدأته المصلحة، أما بخصوص الفئة التي لم تستفد من التتبع في السجن فإن المركز يبدأ عمله من مرحلة التعرف وإلى إعداد خطة المصاحبة والتتبع» يقول محمود بلفقيه، منسق مركز الرعاية اللاحقة بسلا. تسهيل إدماج السجين هؤلاء المستفيدون من خدمات مراكز الرعاية اللاحقة يكونون في حاجة إلى الدعم النفسي والسيكولوجي، سواء خلال وجودهم بالسجن أو خارجه «إنهم أناس محملون بالاصطدام مع الواقع» يقول بلفقيه، لذلك فإن المركز يوفر لهم طبيبة نفسية توجد مرة في الأسبوع بالمركز في إطار الدعم السيكولوجي للسجناء» كما أنها تقوم في بعض الحالات بمواصلة متابعة الحالة النفسية للمستفيدين» يضيف منسق مركز الرعاية اللاحقة بمدينة سلا لأنها نفس الطبيبة التي تقدم للسجناء الدعم السيكولوجي داخل سجن الزاكي من أجل استمرار التتبع الجيد للحالات. ولتحقيق الأهداف المنشودة، ومساعدة المفرج عنهم من أجل الاندماج، كان لا بد من عقد شراكة مع مجموعة من المتدخلين حتى تسهل عملية تأهيل المفرج عنهم لإعادة الإدماج، ولهذا الغرض تكاثفت جهود عدد من الجهات، كالوكالة الوطنية لإنعاش الشغل والكفاءات ووزارات العدل والتربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي والصحة «حاول المركز، إضافة إلى الشراكات التي يتوفر عليها مع القطاعات الحكومية، أن يعقد شراكات متعددة مع القطاع الخاص وكذا فعاليات المجتمع المدني» يضيف بلفقيه. المرزوقي، أحد هذه النماذج، فهو محاسب يضع خدماته المجانية تحت تصرف مستفيدي المركز منذ فترة ويحاول مساعدتهم على التحضير لمشاريعهم. وصادفت زيارتنا للمركز وجوده لأنه كان يضع اللمسات الأخيرة لإنشاء شركة للأمن الخاص لأحد السجناء السابقين «دير مزيان ومتسولش فين» يقول المحاسب المرزوقي. بحثا عن عمل.. مركز الرعاية اللاحقة بسلا، القريب من المحكمة، منذ تأسيسه سنة 2006، أي ثلاث سنوات بعد تأسيس مؤسسة محمد السادس، يحاول أن يقوم بالبحث عن فرص عمل للسجناء بعد مغادرتهم للسجن بما يتناسب مع تكوينهم وقدراتهم وحتى ميولاتهم. لكن الاندماج في سوق الشغل لا يكون من السهولة بمكان «نعاني فعلا مع مشكل رد الاعتبار، نحن في حاجة إلى إعادة النظر في الآجال القانونية لرد الاعتبار» يقول بلفقيه. وبالرغم من هذه المشاكل القضائية التي تعيق اندماج السجناء السابقين في الحياة المهنية فقد استطاع المركز إدماج 241 مستفيدا في سوق الشغل خلال سنة2011 في حين قدم المركز مساعداته ل15 شخصا ممن وجدوا بأنفسهم فرصا للعمل. ويحاول المركز توفير العدد الكافي من مناصب الشغل من خلال الاستفادة من خدمات الوكالة الوطنية لإنعاش الشغل والكفاءات وكذا الشراكات المتعددة مع شركات الخواص. أما الراغبون في إحداث مقاولة خاصة بهم فإن المركز يمدهم بمجموعة من المعلومات القانونية والعملية، وإطلاعهم على جميع الإجراءات المسطرية التي يتطلبها إحداث مقاولة وتدليل بعض العقبات القانونية في وجه المستفيدين مع إمكانية توفير الدعم المادي. مساهمة المركز في إدماج السجناء حسب أرقام مركز الرعاية اللاحقة بسلا، والتي حصلت عليها «المساء» فإن المركز وفر حوالي 241 منصب شغل للمستفيدين إلى حدود نهاية شهر أكتوبر بعدما كان الرقم هو 237 حالة خلال السنة المنصرمة. كما تمكن المركز من خلال شبكة شراكاته من توفير 81 تدريبا مؤدى عنه و28 تدريبا آخر غير مؤدى عنه خلال السنة الحالية. وواصل المركز خلال نفس السنة تقديم خدماته في إطار توفير التكوين المهني والتقني ل 93 مستفيدا مسجلا انخفاضا بسيطا مقارنة مع السنة المنصرمة التي عرفت تسجيل 105 مستفيدين من التكوين المهني. ويسجل المركز ارتفاعا في عدد المشاريع الصغرى التي أقامها المستفيدون بدعم من مركز الرعاية اللاحقة، حيث إن الرقم الذي سجل هو إنشاء 29 مقاولة صغرى و7 شركات خلال سنة 2011 و16 مشروعا صغيرا و4 شركات خلال 2010. واستقبل المركز خلال سنة 2011 1473 مستفيدا يعانون مشاكل مختلفة 70 في المائة منهم من المدن. أما بخصوص حالات العود التي يتم تسجيلها في صفوف السجناء الذين يقوم المركز بتتبعهم تبقى ضعيفة، إذ سجلت حالة واحدة خلال سنة 2010 وحالتان خلال السنة الجارية، في حين عرفت سنة 2008 تسجيل أعلى رقم في حالات العود، أي 5 حالات حالتان منهما حصل صاحباها على البراءة.