إطلاق نار يخلف 5 قتلى في نيويورك    قصف روسي يقتل سجناء بأوكرانيا    توقعات طقس اليوم الثلاثاء بالمغرب    هجوم مانهاتن يهز أمريكا مجددًا .. والمنفذ يضع حداً لحياته    أخنوش : المجموعات الصحية ستقلص الفوارق وتُحسّن جودة الخدمات الطبية        السيدة الأولى لجمهورية السلفادور تزور بالرباط مركز التشخيص والتأهيل السمعي التابع لمؤسسة للا أسماء    موانئ ومطارات الشمال تواكب جهود وزارة التعمير والإسكان لاستقبال مغاربة العالم        وصول الصحافي المغربي محمد البقالي إلى العاصمة الفرنسية باريس بعد إطلاق إسرائيل سراحه    الاكتظاظ في مراكز الاستقبال يدفع إسبانيا لتوزيع القاصرين المغاربة    المحليون يجرون أول حصة في نيروبي    المخيم التربوي المغربي..    السيد البرلماني عبد الرحيم بوعزة يهنئ صاحب الجلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش    أمرابط ينفي تدخله في صفقة بوطيب إلى الوداد    هكذا ودع لبنان زياد الرحباني.. لم تبكِ فيروز وحدها.. بكت بيروت والحارات والمسارح التي غنى فيها    المغرب ينادي ب"صندوق غذائي" بإفريقيا    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين من القوات الملكية الجوية        مكتب الفوسفاط يتجاوز 5 ملايين طن من إنتاج سماد ثلاثي سوبر فوسفاط    النيابة العامة بالبيضاء توضح بخصوص فيديوهات وفاة "هشام منداري"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    حادث خطير يهز شاطئ كلابونيطا بالحسيمة: دراجة مائية تصدم سبّاحاً واستنفار أمني لتعقب الجاني        غانا تسجل أول حالة وفاة بفيروس جدري القردة "إمبوكس"    تطوان تحتفي بحافظات للقرآن الكريم    تداولات بورصة البيضاء تنتهي بانخفاض    تصفيات كأس العالم 2026.. فيفا يحدد تاريخ مباراة الأسود وزامبيا    دراكانوف وقاسمي يختتمان المهرجان المتوسطي بالناظور    الملك محمد السادس يرحب بتعزيز التعاون مع البيرو    بالصدى .. قوافل ل «تكريس» العوز و«الهشاشة»    السفير الصيني يختتم مهامه بلقاء وداعي مع رشيد الطالبي العلمي    الرئيس الأمريكي يعلن التوصل إلى اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي    تشابي ألونسو يحسم مستقبل إبراهيم دياز مع ريال مدريد    المال والسياسة: زواج المصلحة أو طلاق القيم    منظمتان عبريتان: إسرائيل ترتكب إبادة بغزة وتستنسخها في الضفة    مسؤول في مجموعة هيونداي روتيم: المغرب يتموقع كقطب مهم لجذب الاستثمارات الصناعية الأجنبية    احتفال بنهاية الموسم الدراسي بنكهة إفريقيا على شاطئ كابونيكر بمدينة المضيق.    "فانتاستك فور" يلقى الإقبال في أمريكا الشمالية    المصباحي يدعو إلى التنوير الرقمي    فرقة "ناس الغيوان" تمتع التونسيين    تايلاند وكمبوديا توقفان إطلاق النار    رياض محرز يمتدح ملاعب المغرب ويؤكد: سنقاتل من أجل اللقب    ما علاقة السكري من النوع الثاني بالكبد الدهني؟        انطلاق فعاليات الدورة ال13 لمهرجان "صيف الأوداية" بسهرات جماهيرية وإشادة بتجربة حياة الإدريسي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    حقيقة احتراق غرفة كريستيانو في النمسا    انخفاض سعر الذهب إلى أدنى مستوى في نحو أسبوعين    سليم كرافاطة يكشف عن أغنيته الجديدة"مادار فيا"    هل الكاف تستهدف المغرب؟ زعامة كروية تُقلق صُنّاع القرار في القارة السمراء    أنفوغرافيك | بخصوص تكاليف المعيشة.. ماذا نعرف عن أغلى المدن المغربية؟    على ‬بعد ‬أمتار ‬من ‬المسجد ‬النبوي‮…‬ خيال ‬يشتغل ‬على ‬المدينة ‬الأولى‮!‬    الدكتور سعيد عفيف ل «الاتحاد الاشتراكي»: اليوم العالمي يجب أن يكون مناسبة للتحسيس وتعزيز الوقاية    صحة: اكتشاف "نظام عصبي" يربط الصحة النفسية بميكروبات الأمعاء لدى الإنسان    الوصول إلى مطار المدينة المنورة‮:‬‮ على متن طائر عملاق مثل منام ابن بطوطة!    اكتشافات أثرية غير مسبوقة بسجلماسة تكشف عن 10 قرون من تاريخ المغرب    الحج ‬إلى ‬أقاليم ‬الله ‬المباركة‮! .. منعطف المشاعر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ضرورة إنقاذ العملية السياسية من التخريب
نشر في المساء يوم 10 - 11 - 2011

يهدف المواطنون من وراء الديمقراطية إلى تطوير صيغة ممكنة لحل مشكلة الحكم تجعل الحاكمين خاضعين لإرادة المحكومين بشكل منظم ومقنن وفعلي، بحيث تسهر عليه مؤسسات
تنتخب انتخابا حرا على أساس القناعة، فكرا وممارسة، بضرورة المشاركة السياسية بمعناها الواسع. لكن إذا أردنا تطبيق هذا الحد الأدنى للديمقراطية على واقعنا المغربي، فإن ذلك سيشكل تحولا تاريخيا جذريا في البلاد، حيث إذا كانت المشاركة السياسية في السلطة هي جوهر الديمقراطية فإن بنية السلطة والأحزاب في بلدنا ترفض أي شريك للحاكمين في الحكم. ولإحداث هذا التحول، ينبغي تغيير ذهنية الإنسان المغربي لكي يدرك مزايا الديمقراطية ويتقبل الممارسة الفعلية لها؛ ويقتضي ذلك أن يرتبط المواطن بالفكرة أو المشروع لا بالأشخاص وأن يتم تعويض الأسرة والقبيلة والطائفة بالتعدد السياسي الديمقراطي. لكن السلطة والأحزاب عندنا لا تعمل رسميا إلا على تسويغ ما يسميه البعض بالمشروع اللاحضاري الذي يهدف إلى تأجيل الديمقراطية، حيث تتسم علاقاتها بالمجتمع بكونها غير مؤسسة، إذ تحكمها اعتبارات القرابة والولاء والزبونية...
كما أدى فشل السلطة والأحزاب في تحقيق وعودهما وانتشار الفساد إلى تآكل شرعيتهما، وهو ما لا ينجم عنه سوى تعميق انفصالهما عن المجتمع.
لا تنبع الديمقراطية دائما في واقعنا المغربي من قناعة سياسية حقيقية بضرورة إصلاح الحكم والحكام؛ فهناك من يطالب بها فقط ليحل محلهم أو يستفيد من غنائمها؛ ويسري هذا على أغلب الزعامات السياسية. ويمكن تفسير ذلك بالعودة إلى التاريخ العربي الإسلامي، حيث لم يكن الصراع على السلطة يهدف إلى الحد من تسلطها أو تقييدها عبر تقنين ممارستها بهدف تغييرها من حيث هي شكل حكم، بل كان يرمي إما إلى أن يحل من يخوض هذا الصراع محل الحكام أو أن يستفيد منهم ماديا عبر التقرب منهم.
تعطي البلاد الديمقراطية للأحزاب السياسية مكانة كبيرة في إدارة الدولة، وتعرف ساحتها السياسية منافسة حزبية قوية أكثر تطورا وتحضرا وشفافية وإنتاجا وتوفيرا للأمن والاستقرار من البلدان التي يسودها الاستبداد، حيث لم نسمع يوما أن البلدان الديمقراطية عانت من التخلف أو عجزت عن تجاوز الأزمات أو عرفت تعطيل مشاريع تنموية...
من أهم سمات الديمقراطية في العمل السياسي وجود تعددية سياسية مقتنعة بالديمقراطية، شكلا ومضمونا، وبالعمل السياسي الهادف وبتداول السلطة سلميا. ويشكل وجود الأحزاب شرطا أساسا للديمقراطية، إذ بدونه لا يمكن قيامها، بل إنها تنتفي بانتفاء التعددية الحزبية، حيث تجسد الأحزاب السياسية الوجه الحقيقي لحرية التعبير والتفكر والتنظيم... ويعد وجود الأحزاب وتعددها وتوسعها في الدول والمجتمعات من أبرز مظاهر الحرية السياسية وممارسة السيادة الوطنية لأبناء الشعب على أرض وطنهم. بدون ذلك ستسود الواحدية الفكرية والسياسية، فيغدو كل شيء واحدا ويحول، بالتالي، بين الإنسان والتمتع بأبسط حقوقه السياسية والاجتماعية...
عندما نتأمل أوضاع أحزابنا المغربية، نجد أن غالبية زعاماتها قد وصلت إلى قمة الهرم الحزبي عن طريق السلطة أو خرجت من رحمها، وأن تبوؤها مواقع المسؤولية الحزبية يعود إلى ظروف ما رغم أن المطلوب هو العكس، إذ المفروض أن تقوم زعامتها على أساس وطنيتها وقدرتها على تطوير المشاريع والتدبير العقلاني والديمقراطي لتنظيماتها... لقد أصبح واضحا لأغلبية المواطنين أن عقلية الزعامات الحزبية المغربية تنهض على أساس أنها تحكم أحزابها إلى الأبد وأنها لا تُحكم إلا من قبل السلطة التي تقصر مكرماتها على الزعامات الحزبية التي تواليها... مانحة نفسَها الحقَّ في ممارسة الاستبداد والتحكم والإقصاء، مما شوه الأحزاب وزرع فيها ثقافة التكلس... لقد تحولت الزعامات الحزبية إلى سدود مقفلة وانكفأت على ذاتها، حيث لم تعد تقبل بالتداول السلمي للسلطة، لأنها تخاف من التغيير وترفض كل جديد يخدم الشعب والوطن، وتنسى أن التغيير ضرورة تاريخية طبيعية.. نتيجة ذلك، أدى ابتلاء الأحزاب بمثل هذه الزعامات إلى جعلها عاجزة عن الفعل في محيطها.
تبعا لذلك، انتهت صلاحيات الزعامات الحزبية بعدم قدرتها على تقديم أي شيء لصالح الوطن والشعب واقتصارها فقط على خدمة مصالحها الخاصة، فصارت تسعى إلى تكريس وجودها بطرق غير شرعية من أجل الاستفادة من الريع بأي ثمن، وهو ما زجَّ بها في الانحراف والفساد بشتى أنواعه.
وتكمن مشكلة هذه الزعامات في أنها أوصلت نفسها إلى واقع كاريكاتوري، حيث تجاوزها الحراك الاجتماعي وكشف أن بقاءها أصبح في مهب الرياح، فصار جهدها منكبا في الوقت الراهن على محاولة تلافي مصيرها عبر السعي إلى الاستنجاد بالسلطة للحفاظ على مواقعها المتهاوية... في وقت ضائع للأسف الشديد.
إضافة إلى ما سبق، هناك اتفاق سلبي ضمني بين مختلف الزعامات الحزبية -بما فيها تلك التي كانت تصنف في القطب الوطني الديمقراطي- على دعم تأجيل البناء الديمقراطي بهدف استمرار الظروف التي تمكنها من الاغتناء غير المشروع، وبذلك تفرغ الديمقراطية من محتواها. لا ينجح تغييرٌ على يد أناس يسعون إلى المناصب والمال ويقصرون تفكيرهم على ذلك.
تفقد الديمقراطية الداخلية الحزبية فاعليتها في ظل تدخل السلطة في حياة الأحزاب أو عندما تبسط زعامات هذه التنظيمات السيطرة عليها متحولة إلى جهاز تشريعي وتنفيذي في آن كما هو الشأن عندنا. وعندما يتم تغييب الديمقراطية عن صفوف الأحزاب السياسية، تسود داخلها أنظمة دكتاتورية.
لقد كانت النتيجة الطبيعية لاستبداد السلطة والزعامات الحزبية هي هشاشة البنية الفكرية والنفسية، مما نجم عنه ضعف النمو والتطور والإبداع الحياتي والمجتمعي. ونجم عن ذلك ضعف مجال الاجتماع السياسي، الأمر الذي أدى إلى استقواء السلطة وعقم الحياة السياسية في بلدنا.. وهذا ما قاد أيضا إلى تدمير البنية المجتمعية المدنية المغربية التي يمكن أن يلجأ إليها الأفراد للتعبير عن قناعاتهم وآرائهم وأفكارهم...، إذ هناك إضعاف للأحزاب من قبل السلطة، بالرغم من أن وجودها الفعلي قد يؤدي إلى تطوير الحياة السياسية، خاصة أن دورها يكمن في مراقبة المدبرين للشأن العام وطرح بدائل أخرى وخلق مناخ سياسي سليم وحضاري يعمق التنافس والنقاش والحراك السياسي الفعلي والمثمر..
لقد ضاق الناس عندنا ذرعا بهول الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، كما لم يعودوا يطيقون السكوت عنها؛ ولهذا خرج الشباب للاحتجاج على إقصائهم والتعبير عن ضرورة تغيير ديمقراطي يضع حدا للسلوكات اللاديمقراطية المُمَارسَة في حق المجتمع التي أدت إلى إدخال فئات واسعة منه في دوائر الفقر والجهل والتخلف...
يقتضي ما سبق ضرورة بناء عقد سياسي جديد بين المواطن المغربي والسلطة، لأن العقد القديم، الذي يشكل أساس القهر السياسي الذي ساد خلال العقود الماضية، صار مرفوضا من لدن المواطن الذي أصبح يتطلع اليوم إلى التوجه نحو واقع جديد أساسه ترسيخ الحريات الديمقراطية، ولاسيما أن الشباب اليوم يطالبون بالديمقراطية باعتبارها قيمة جوهرية في الحقل السياسي والاجتماعي وأساس بناء نظام سياسي عادل وتعددي يصون حقوق الإنسان السياسية والاجتماعية والمدنية والثقافية والدينية وفق المعايير الكونية، ويضمن سيادة حكم القانون، واستقلال منظمات المجتمع المدني وحمايتها من هيمنة السلطة عليها، ويقرُّ، فكرا وعملا، بأن الشعب هو مصدر السلطات...
لا ينتظر أغلب المواطنين من الانتخابات التشريعية المقبلة شيئا ذا بال ولا أن تأتي بجديد، إذ لم تبذل الدولة ولا الأحزاب أي مجهود في اتجاه توفير الشروط السوسيولوجية والأنثروبولوجية... لحدوث تحول فعلي. ونتيجة ذلك، يُتوقَّعُ أن تبقى دار لقمان على حالها. ومن الطبيعي ألا يشارك المواطنون في الانتخابات ما داموا لم يعودوا ينتظرون منها أي شيء.
ستدخل الأحزاب الانتخابات المقبلة بلا قانون أحزاب ديمقراطي ولا شروط مؤسسية سليمة ولا رؤى ولا برامج فعلية...، لأنه لا يهمها سوى المقعد، وهذا ما جعل أغلب مرشحيها من الأعيان، ويعني ذلك أن ما كان يسمى بالأحزاب الديمقراطية ستعتمد في فوزها في هذه الانتخابات على أموال الذين سيشترون لها المقاعد ولو اقتضى ذلك تسخير بلطجيتهم... وهكذا سيحتل الأعيان الأحزاب ويمسخونها، فكريا وتنظيميا، وقد تُوارى التراب.. وحينئذ سينعدم الاستقرار وسيكون الوطن أكبر الخاسرين.
وبما أن هذه الأحزاب تسيرها زعاماتٌ فردية تتحكم فيها فوقيا بدعم من السلطة، فقد أصبحت سلطة القرار بداخلها في يد تلك الزعامات التي صارت بدائل لتنظيماتها عبر الانقلاب عليها وتعطيل أدوار أعضائها وإحلال نفسها محل أجهزتها التقريرية بهدف تنفيذ قرارات السلطة.
تقتضي رعاية العملية السياسية قبول تطور مسارها الرامي إلى تشكيل مؤسسات الدولة وفق آليات الديمقراطية.. وبخلاف ذلك، يكون الكلام عن الالتزام بتطوير مسيرة العملية السياسية مجرد ادعاء مزيف يتعارض، جوهريا، مع الخطوات الأولى لبناء مؤسسات الدولة وإرساء آلياتها القانونية، وعلى رأسها آلية تداول السلطة.
إجمالا، تدل أغلب مؤشرات الوضع على عدم الرغبة في البناء الديمقراطي الذي يعد أفضل طريق لخدمة مصالح الشعب والوطن. وعندما تعطى الأولوية لمآرب الأشخاص ومبتغاهم، فإن هذا يشكل خطرا على العملية السياسية برمتها ونسفا لها، وبالتالي نسفا للسلم الاجتماعي وتفجيرا للوحدة الوطنية...
يجب إنقاذ العملية السياسية من التخريب، إذ يعني تخريبها نسف الوجود الوطني المغربي بأكمله!!


محمد بوبكري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.