مادام عباس الفاسي يمارس رياضة المشي، فقد كان عليه قبل أن يأخذ الطائرة نحو واشنطن السبت الماضي، أن يتمشى قليلا داخل مطار محمد الخامس، وبالضبط في المحطة الجوية الجديدة التي دشنها الملك مؤخرا، لكي يرى كيف أغرقت الأمطار القليلة التي تساقطت ذلك اليوم أرضية المطار. وبما أنه قال في حواره مع «جون أفريك» أن أكثر مستشاري الملك الذين يلتقي بهم هو مزيان بلفقيه (المستشار نفسه الذي سلم عباس قبل سنة لائحة وزراء حكومة «ليلة القدر» في ضريح مولاي إدريس بفاس)، فما عليه سوى أن يسأله عن مدير المكتب الوطني للمطارات محمد بنعلو، لأنه هو الذي أتى به من تخصص لا علاقة له بالمطارات والطائرات. فقد كان بنعلو يشتغل مديرا لمركز الطاقات المتجددة، أي يشتغل في مجال تخصصه الذي درسه، حيث يبحث كيف ينتج الطاقة من الشمس والريح وفضلات البهائم. فجاء بالمهندس بنعلو إلى المكتب الوطني للمطارات، كما جاء بالمهندس شويحات إلى خنيفرة، قبل أن يقيله الملك عندما ذهب إلى أنفكو عبر الطريق العادية ويكتشف أن المنطقة التي يسيرها العامل تعود إلى العصر الحجري. وحتى قبل أن يسخن بنعلو كرسيه على رأس المكتب الوطني للمطارات، بدأ في عقد الصفقات. وكان أول مشروع ضخم يبدأ به هو إنشاء محطة وصول جديدة في مطار محمد الخامس بتكلفة فاقت مليارين ونصف مليار درهم. وقد كان بنعلو محظوظا جدا أكثر من عمدة الدارالبيضاء ساجد وواليها القباج اللذين فضحهما العمود الذي سقط بالقرب من الملك في عين الشق، لأن النخلة التي سقطت عند مدخل المطار ساعة تدشينه، سقطت قبل أن ينهي الملك زيارته التفقدية. لكن كما يقول المغاربة «خدمة الليل ضحكة للنهار». فمنذ الأمطار الأولى ظهر عيب هذه المحطة التي «أكلت» كل هذه الملايير. وبدأ السياح المغادرون عبر المطار يشهرون آلات تصويرهم ويلتقطون صورا تذكارية لأكبر وأهم مطار في أجمل بلد في العالم تنزل من سقوفه القطرة. وما وقع نهاية الأسبوع الماضي عندما تهاطلت الأمطار وتسربت المياه إلى أروقة المطار لم يحدث حتى في المحطة القديمة التي شيدت قبل عشرات السنين. فكيف يقبل العقل أن تتسرب الأمطار إلى أرضية محطة وصول صرفت عليها كل هذه المليارات من أموال دافعي الضرائب، ولم يمض على افتتاحها أكثر من سنة. في دولة ديمقراطية أول قرار ستتخذه المعارضة في البرلمان هو استدعاء كريم غلاب وزير التجهيز الوصي على هذا القطاع لكي يقدم توضيحات حول هذه «الشوهة» التي صورها السياح بآلات تصويرهم الرقمية، والتي سيتندرون بها طويلا كلما تذكر أحدهم اسم المغرب. خلال الصيف الماضي كانت لدي فرصة المرور عبر المحطة الجديدة للمطار. أول ملاحظة لاحظتها هو أن الحرارة كانت مرتفعة والجو مختنقا، ببساطة لأن مكيفات الهواء كانت غير مشغلة. وقلت في نفسي أن إدارة المطار إذا لم تشغل مكيفات الهواء خلال شهر غشت فمتى يا ترى ستشغلها. ولماذا تم اقتناء العشرات من مكيفات الهواء الباهظة إذا كانت إدارة المطار ليست في حاجة لخدمة التبريد. أكثر من ذلك، كانت آلات حمل الأمتعة الأوتوماتيكية معطلة، وكم عزت على قلبي تلك الموظفات المسكينات اللواتي كن مجبرات على مراجعة تذاكر المسافرين وحمل حقائبهم الثقيلة بأيديهن ودفعها إلى الخلف، وفوق هذا وذاك تحمل شكاوي المسافرين وتأففهم من بطء الخدمات والحرارة وتأخر الرحلات. وخلال مروري عبر الأروقة ذاهبا نحو الصالة حيث سننتظر الطائرة، تخيلت نفسي في قاعة للفنون التشكيلية وليس في مطار. ففي الوقت الذي كان يجب فيه على إدارة المطار أن تعلق اللوحات الإلكترونية لتقديم الإرشادات والمعلومات للمسافرين، اكتفت بتعليق معرض كامل من اللوحات التشكيلية والأعمال الفنية على طول الأروقة. واللوحات الوحيدة التي تعطي مواعيد إقلاع ووصول الطائرات لقراءتها يجب أن تكون لديك أعصاب من الفولاذ. لأنك بمجرد ما ستحاول البحث عن رقم رحلتك وموعدها حتى تختفي الأرقام والمواعيد وتظهر في الشاشة دعاية تقول بأن المكتب الوطني للمطارات في خدمتكم. «أسيدي عرفناك في «خدمتهم» غير أوكان خلينا نقراو قبل ما تهرب علينا الطيارة»، قال أحد المسافرين بجانبي غاضبا. ومع كل ذلك لازال عباس الفاسي يفتخر بوزيره في التجهيز كريم غلاب. وفي آخر حوار له مع «جون أفريك» طبق عباس مثل «شكون يشكرك يا العروس» وهو يرمي الورود على الوزراء الاستقلاليين الذين تحملوا حقائب وزارية في حكومة جطو ونجحوا في تسييرها. بعكس الحقائب التي تحملها الاتحاديون وفشلوا في تسييرها. وهذا ما يفسر بحسب رأيه ذهاب بعض الاتحاديين إلى تبرير نزول شعبيتهم بالمشاركة الحكومية. عندما تنزل القطرة كلما هطلت الأمطار فوق مطار تم فتحه قبل أشهر فقط، وعندما يوشك قطار أن ينقلب في مراكش قبل شهر ويحيد عن سكته مهددا أرواح المئات من المسافرين وصورة المغرب السياحي، وعندما يتصادم قطاران في طنجة قبل يومين ويتسببان في مقتل عمال تابعين للسكك الحديدية، فيرى الوزير الأول في هذا نجاحا باهرا لوزيره في النقل والتجهيز، فإننا نشك في مفهوم النجاح عند عباس. إلا إذا كان المكتب الوطني للسكك الحديدية والمكتب الوطني للمطارات مؤسستين غير تابعتين لوزارة كريم غلاب، فهذا كلام آخر. ويبدو أنهما فعلا غير تابعتين لوزير التجهيز، خصوصا عندما نرى كيف يتحكم مستشار الملك مزيان بلفقيه في تعيين مهندسيه على رأس هذه المؤسسات العمومية. وليس في المؤسسات العمومية فحسب، وإنما حتى في المجلس الأعلى للحسابات، ومن يتأمل في تعيينات القضاة بالمجلس ويرى عدد المهندسين الذين تم تعيينهم على يد مزيان بلفقيه، يفهم رغبة هذا الأخير في التحكم في عصب المؤسسات المهمة بوضع رجال ثقته فيها. وهذا ما يفسر تهميش الميداوي رئيس المجلس الأعلى للحسابات للقضاة القادمين من مدارس الهندسة. حتى أنه قال لهم ذات يوم أنه لو كان رئيسا للمجلس منذ البدء لمنع دخول المهندسين إليه. فالرجل لم يهضم بعد إقصاءه من طرف عراب المهندسين ورئيس جمعيتهم مزيان بلفقيه من ولوج دائرة المستشارين الملكيين. لذلك أصبح الميداوي «يتكره» من الهندسة وما يأتي منها. إن أكثر ما يفضح سياسة التجهيز، أو سياسة «التزلاج» في المغرب هي الأمطار. فبمجرد ما تسقط القطرات الأولى حتى تتعرى العورات ويظهر العيب. ومن سوء حظ مسؤولي الدارالبيضاء هذه السنة أن كل الكوارث التي تحدث في مدينتهم يحضر ويشهد عليها الملك بنفسه. فعندما سقط عمود الضوء لم يستطع «نكافات» المدينة إخفاءه لأنه سقط على بعد ثلاثة أمتار من الملك، وعندما هطلت الأمطار وانقطع الكهرباء لم تجد شركة ليدك أي شيء تقوله لتبرير هذا الانقطاع لأن الإقامة الملكية بأنفا العليا هي أيضا قطعت عنها الكهرباء حوالي عشرين دقيقة، وربما هذا ما «نوض الحراقية» في ليدك فأصلحت العطب في نصف ساعة. ولحسن حظ بنعلو أن الملك لم يذهب إلى مطار محمد الخامس، وإلا لوقف بنفسه على برك الماء وسط المحطة التي دشنها قبل سنة وصرفت عليها من مالية الدولة مليارين ونصف مليار درهم، لا غير. وفي حي مولاي رشيد بالدارالبيضاء خرجت 500 أسرة أمس من عمارة بنتها شركة الضحى، بعد أن تسببت الأمطار الأخيرة في إحداث تشققات بجدرانها. وقد سمعنا عن عمارات تتشقق جدرانها بسبب الزلازل لكننا لم نسمع أبدا عن عمارات تتشقق جدرانها بسبب الأمطار. والحمد لله أن العمارة تشققت جدرانها ولم تسقط فوق رؤوس السكان كما وقع في القنيطرة لعمارة المنال التي سقطت فوق رؤوس البنائين. وإلا لأصبحت مجموعة الضحى تعرض على السكان «القبورا، الشرا بثمن الكرا».