يبدو أن قيودا على الاستثمار، أعلن عنها أو طرحت للبحث في الجزائر في الشهرين الأخيرين ستضعف اهتمام الأجانب بالبلاد وتؤجل تنويع الموارد الاقتصادية وتبطى عملية توفير وظائف، وهو أمر حيوي لتحقيق الاستقرار الاجتماعي. وقبل الانتخابات الرئاسية، التي تجري العام المقبل، تبنت الجزائر نبرة وطنية قوية، وقالت إن ثمة تساهلا كبيرا مع المستثمرين الأجانب، وإنه ينبغي أن يحصل مواطنوها، البالغ تعدادهم 34 مليون نسمة الذين أعيتهم الحرب، على نصيب أكبر من الثروة الوطنية. وكشف النقاب عن الإجراءات التي حظيت بتأييد شعبي في القطاع غير النفطي، ويقول محللون إنها ستقيد نظام الاستثمار الذي تعوقه بالفعل بيروقراطية معقدة ومملة ويشوبه عدم استقرار سياسي وتفجيرات القاعدة من آن إلى الآخر. ويبدو أن الإجراءات أعلنت دون تشاور مع قطاع الأعمال، وتشمل تحديد الحد الأقصى للملكية الأجنبية في نسبة 49 في المائة، ومن شأن ذلك أن يدفع المستثمرين الأجانب إلى إعادة التفكير قبل دخول البلاد التي مازالت تبحث عن الاستقرار بعد سنوات من العنف السياسي. ويقول محللون إنها بمثابة أنباء قاتمة لثالث أكبر اقتصاد إفريقي، وهو في أمس الحاجة إلى مهارات وتكنولوجيا جديدة، إذ يعتمد بشكل مفرط على النفط والغاز، فيما يعاني معظم البالغين دون الثلاثين من البطالة. تأمل الجزائر أن يوفر القطاع غير النفطي معظم الوظائف الجديدة. ويقول فيليب دوبا باناتانس، الاقتصادي في بنك ستاندرد تشارترد في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا «إذا نفذوها ستكون كارثة على الاقتصاد من حيث التأثير على المستثمرين الذين يريدون الالتزام نحو الاقتصاد.» ويعتبر سايمون كيتشن، الاقتصادي في المجموعة المالية هيرميس، موقف الجزائر الجديد تحولا جذريا، ويقول: «يواصل المستثمرون الأجانب الحديث عن الجزائر كمكان لديه إمكانيات هائلة، ولكن هذه اللوائح الجديدة تردع أي استثمارات أجنبية محتملة.» وتشمل الإجراءات فرض حد أقصى على ملكية الأجانب، وهو ما لم يكن معمولا به من قبل، وإنهاء حق المستثمر الصناعي في تملك الأرض التي يشيد عليها المشروع، كما تقترح مسودة ميزانية عام 2009 منح الدولة حق الرفض الأول في حالة اتخاذ المستثمر الأجنبي قرارا بالبيع. وقال كيتشن عن خطة حق الرفض الأول، «حتى وإن كنت تتوقع أن تعمل في الداخل لفترة طويلة فإنها تثير تساؤلات عن كيفية الخروج إذا استلزم الأمر». ويقول جزائريون إن الحظر المقترح لتمويل البناء عن طريق بيع العقار للمستخدم النهائي مسبقا ربما يؤثر على مشروعات ضخمة تخطط لها شركات تنمية عقارية خليجية. ويقول جيف بورتر المحلل في أوراسيا كروب للاستشارات إن الشروط تبدو صعبة، وتابع: «إذا ما انطبقت على النفط والغاز فحسب، فإنها تتمشى مع الاتجاه العالمي، ولكنها شروط صعبة حتى مقارنة بالصين.» ومضى قائلا: «مقارنة بأماكن أخرى في إفريقيا، تعد هذه الشروط صعبة جدا»، باستثناء جنوب إفريقيا التي تفرض قيودا مماثلة على ملكية الأرض. وقصر الملكية على نسبة 49 في المائة شائع في أنظمة الاستثمار. غير أن الجزائر على عكس بعض الاقتصاديات الناشئة، تفتقر إلى المناطق الحرة التي تمنح الشركات الأجنبية بديلا لحصة الأقلية يتيح لها العمل. والإجراءات تكرار للتعديلات التي أدخلت على قطاع النفط والغاز في عام 2006 ،والتي عززت الدور المهيمن لشركة سوناطراك التابعة للدولة، وفرضت ضرائب عالية على شركات النفط الأجنبية. ومثل الخطوات التي اتخذت في عام 2006، فان التغييرات الجديدة تلقى تأييدا شعبيا. وفي خطابه في 26 يوليوز، فاجأ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة المستثمرين الأجانب بمهاجمة من وصفهم بالمستفيدين على حساب الجزائر. ويصر المسؤولون على حاجة الجزائر إلى الاستثمار الأجنبي. وأكد رئيس الوزراء أحمد أويحيى على رغبته في إقامة اقتصاد سوق، مضيفا أن السياسة الاقتصادية لم تفشل وأنه لا عدول عن المسار الحالي بل تهذيب للأسلوب. ويعتقد دبلوماسيون أن بعض الإجراءات ستلغى في نهاية المطاف، فيما يجري تطبيق حد الملكية البالغ 49 في المائة على كل حالة على حدة. ويقول دوبا باناتانس: «قبل أن نستخلص نتائج مهمة ينبغي أن نرى ما إذا كانت مجرد تصريحات قبل الانتخابات.» ويرى بعض المستثمرين، أن سيناريو كل حالة على حدة سيكون أسوأ لأنه يحيط عملية التخطيط بمزيد من الشكوك. ويقلق دبلوماسي بارز، إن الضرر وقع بالفعل، ويقول إن النبرة الوطنية للبيانات الرسمية قد تشجع شاغلى المناصب الإدارية المتوسطة على فرض مطالب قصوى عند فحص أوراق شركات أجنبية اعتقادا بأن واجبهم الوطني يحتم ذلك. ويحبذ الاقتصادي الجزائري ليث قهوجي الكثير من الإجراءات لأنها ضرورية للدفاع عن مصالح الجزائر، ولكنه يكره الأسلوب الذي يجعلها تبدو مفاجئة. وقال: «لا نفهم سبب أخذ الحكومة هذه القرارات. لم يجر حوار ولا يوجد تفسير.» وتصريحاته انعكاس لما يعتقده مستثمرون أجانب لايزالون في انتظار تفاصيل بعض الإجراءات وتطبيقها. ويقول بعض الجزائريين إنه ينبغي على الدولة مساعدة الأعمال الصغيرة في القطاع الخاص المحلي بدلا من استهداف الأجانب. ويشكك معظم المحللين في دوافع الحكومة قائلين إنها سياسية وليست اقتصادية، وذلك قبل الانتخابات الرئاسية في أبريل 2009 والتي ينتظر أن يسعى بوتفليقة إلى خوضها. لكن الإنتخابات في حد ذاتها تمثل عامل غموض آخر، إذ لا يسع بوتفليقة الترشح في الانتخابات إلا في حالة تعديل.