من الواضح أن صفقة تبادل الأسرى الجارية فصولها بين حماس وإسرائيل تشكل نصرا للشعب الفلسطيني، فإطلاق 1027 أسير فلسطيني، وإن على دفعتين، سيزرع الفرح في قلوب الكثير من الأسر الفلسطينية المكلومة، مع أن أسرا أخرى ستغرق في حزنها بسبب بقاء الكثير من المعتقلين الفلسطينيين وراء قضبان سجون الاحتلال، من بينهم القياديان الفلسطينيان مروان البرغوثي، أمين سر حركة فتح، وأحمد سعدات، الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير فلسطين. السؤال الذي شغلني طوال الوقت وأنا أتابع فصول الصفقة في وسائل الإعلام، لا يتعلق بالمكسب الفلسطيني، على أهميته، بل يتعلق بالرسالة التي يريد الكيان الصهيوني بعثها من خلال هذه الصفقة التي وافق عليها رغم أنها تبدو «مجحفة» بمنظور غلاة الصهاينة الذين لا يهضمون كيف يتم إطلاق سراح جندي واحد إسرائيلي مقابل 1027 أسيرا فلسطينيا، وليس اثنين ولا عشرة ولا حتى مائة؟ هل إسرائيل سخية إلى هذه الدرجة؟ طبعا لا وألف لا، ولو كانت كذلك لما تنصلت من كل الاتفاقيات السابقة، ولو كانت كذلك لما أمعنت في تنفيذ سياستها الاستيطانية في القدسالشرقية وفي مناطق فلسطينية أخرى؟ فما الحكاية؟ وما الرسالة التي يصر قادة الدولة الصهيونية على بعثها كلما تعلق الأمر بمثل هذه الصفقة؟ في المنطق الرياضي، لا يمكن لرقم 1 أن يعادل أكثر من 1، مع أنني ضعيف الفهم في هذا العلم، لكن أن يعادل 1 أكثر من 1000 فهذا يعني أن رياضيات إسرائيل هي غير رياضيات العالم بأسره، حتى وإن حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التمويه على هذه الحقيقة بكون القرار الذي يتخذه هو الأصعب في حياته الحكومية، فمن غير الوارد أن تتخذ إسرائيل قرارا دون أن تعي تماما أنه مفيد لها. وبغض النظر عن الهدف المباشر من الصفقة، أي إطلاق سراح الجندي جلعاد شاليط وإسكات الضاغطين منذ سنوات من أجل تحقيق ذلك ولو عبر عملية عسكرية فشلت إسرائيل تماما في تحقيقها عندما اجتاحت قطاع غزة، فإن الاحتمال الذي يفرض نفسه (وهي ليست المرة الأولى التي تطلق فيها إسرائيل سراح عشرات الأسرى الفلسطينيين مقابل عدد قليل من الأسرى الإسرائيليين) هو أن إسرائيل تريد أن ترسخ في أذهان الرأي العام العالمي أن الإسرائيلي ليس هو الفلسطيني ولا العربي ولا حتى الأوربي، وأن مواطنها حتى ولو كان مجرد جندي عادي فهو يساوي العشرات من الأطر والكوادر الفلسطينية. إنها معادلة عنصرية مقيتة تتجاوز العقل والمنطق والقانون، من أجل تكريس مبدأ «شعب الله المختار»، أي أن الإسرائيلي هو فوق المعادلات الرياضية، وفوق القانون الدولي، لذلك لم تتعامل الدولة الصهيونية مع القرارات الدولية في الأممالمتحدة ومجلس الأمن وغيرها من المنظمات إلا بمنطقها الخاص الذي تترجمه خلفيات هذه الصفقة بخبث كبير. فإذا كان جلعاد شاليط يساوي أزيد من ألف أسير فلسطيني، فإن المبتغى من ذلك هو أن يفهم العالم أن إسرائيل تساوي لوحدها كل دول العالم. إنها الإيديولوجيا الصهيونية العنصرية تترجم نفسها أرقاما ومعادلات لا شبيه لها في العلاقات الدولية. إنها تريد أن تقول للعالم إن ما ينطبق على باقي دوله لا ينطبق عليها لأنها، ببساطة، دولة «شعب الله المختار».