يعد مفهوم «العدالة الاجتماعية» مفهوما أساسيا حين يتم التعاطي مع مسألة السياسة الاجتماعية، وقد كان الموضوع محطة تأمل وتفكير للفلاسفة وعلماء الأديان والاقتصاديين وعلماء الاجتماع والمؤرخين... لينال حظوة كبرى لدى «السياسي». ونظرا إلى أهميتها، لم تصبح «العدالة الاجتماعية» معيارا للسياسة الاجتماعية فقط، بل أضحت مطلبا ملحا لدى الأحزاب السياسية ولدى النقابات التي تصبو إلى تحقيق المساواة بين المواطنين وضمان كرامتهم، بحكم أن هدف العدالة الاجتماعية هو التقليص والحد من التفاوتات الاجتماعية، وهو الهدف الذي يجب أن يظل -حسب العديد من المفكرين والاقتصاديين والساسة- أولوية دائمة لدى أية حكومة حتى في أشد الفترات صعوبة، فهم يرون أن التقليص من الفوارق الاجتماعية يمكن الدول من تجاوز أصعب الأزمات. إن العمل على تحقيق العدالة الاجتماعية يمثل المدخل الأهم الذي يمكن من توفير الكرامة للإنسان وحفظ قيمته وعزته، وحماية الفئات المهمشة والمعوزة من ويلات الفقر المدقع، والعمل على إعادة إدماجها في المجتمع، كما يضمن توطين العدالة الاجتماعية من خلال تحقيق مشاركة عادلة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، نظرا إلى ما توفره من مساواة في الفرص ورفع للشروط التي تسبب عوائق لفئات معينة دون غيرها (الوسط العائلي، الموروث الثقافي، النوع،...). ويعتبر تحقيق العدالة الاجتماعية مسارا يتم عبره تكديس المكتسبات ومراكمتها، عن طريق سن سياسة ذات بعد اجتماعي تهدف إلى ردم الهوة بين طبقات المجتمع وفئاته، ومحاربة كافة أشكال الاستبعاد الاجتماعي. ولبلوغ هذه المرامي تقوم الحكومات بإجراءات عملية، منها: 1 - العدالة في توزيع الثروة: وهدفها الحد من الفوارق وتصحيح الاختلالات في التوزيع الأولي عبر القيام بإعادة توزيع عمودي لمداخيل الدولة، بحيث تؤخذ من الأفراد الأكثر غنى لتعطى للأفراد الأكثر فقرا، وهو ما يتم بشكل أساسي من خلال الضرائب المباشرة، ونشير في هذا السياق إلى آليتين اثنتين: أ- الأخذ بعين الاعتبار إشباع الحد الأدنى من حاجيات الفئات التي تعاني من الهشاشة؛ ب- العدالة الاجتماعية الممأسسة على المهنة، عبر التقييم العادل للأداء المهني، وتقليص الفوارق في الأجور بين الموظفين ذوي الرواتب العليا والموظفين ذوي الرواتب الدنيا. 2 - استحضار البعد التضامني في الاستراتيجيات الحكومية: فعند وضع السياسات المالية والضريبية، تضع الحكومة نصب أعينها العمل على حماية الفئات المعوزة والمهمشة، ورفع العوائق أمامها لتندمج بشكل جيد في محيطها، حيث تعمل في هذا المجال على دعم الأنشطة الاقتصادية لهذه الفئات عبر برامج مسطرة وتكوين ناجع ومواكبة جيدة. 3 - تقسيم عادل للموارد بين الأجيال: وهو ما يهدف إلى الحفاظ على جودة الحياة وعلى الموارد البيئية والاقتصادية والمالية من جيل إلى آخر. 4 - المراجعة الدائمة لقوانين السوق: كي لا تنجم تفاوتات في المجتمع بسبب غياب »العدالة الوظيفية»، إذ يتم الحرص على مراجعة الأجور طبقا لسوق العمل وأخذا في الاعتبار كذلك القدرة الشرائية، حتى يتم ضمان نوع من العدالة بين أرباب المقاولات والعمال. 5 - رفع أسباب الإقصاء الاجتماعي: عبر توفير الفرص أمام جميع المواطنين، وبشكل متساو، للاستفادة من الخدمات الصحية والتعليمية وظروف السكن اللائق والولوج إلى سوق الشغل. إن العمل على تحقيق وتوطين العدالة الاجتماعية هو مسار للتراكمات والإنجازات في مختلف قطاعات المجتمع، وعمل يتطلب مجهودات جبارة ومتواصلة، وخيالا سياسيا واسعا قادرا على ابتداع حلول خلاقة، وإرادة سياسية قوية لتفعيل تلك الحلول والبرامج على أرض الواقع.