«بعض الرجال، سياسيين كانوا أم أدباء، ملوكاً أم رؤساء، عامة أم علماء، أغنياء أم فقراء... لا يستطيعون مقاومة عيون النساء ولا دلعهن، ولا طلعتهن، ولا أصواتهن، وهنّ اللواتي يدخلن إلى القلوب بدون استئذان، فسقط البعض منهم أرضاً من أول نظرة أو كلمة أو ابتسامة، والبعض الآخر بقي يتوهم كالشعراء أن كل امرأة في الدنيا تهيم به وبجماله وبسواد عينيه وأنها لا تستطيع الفرار من بين يديه، فتخلوا عن مبادئ وقيم وعادات وتقاليد وأخلاق من أجل لحظة نشوة وشهوة عابرة، لتظهر خبايا حياتهم التنكرية، التي تحمل ألف وجه ووجه بين ثكنات الحكم والسلطة وبين الجنس، الذي لا ينتهي بعد أن فعلوا أي شيء من أجل رغبتهم الجنسية ومن أجل التخبط في عتمة الليل فوق صدر غانية أو امرأة جميلة أفقدتهم الاحترام وهوت بهم إلى دهاليز النسيان والعالم المجهول، حتى ولو كان ذلك ضد القانون، فقبل البعض منهم أن يكون صفرا، وقبل آخر بأن يكون فاعلا لا مفعولا به. بقيت قصصهم تكبر وتصغر مثل كرة الثلج، منهم من ظلمته الشائعات وأصيب في مقتل، ومنهم من لبس ثوب الحقيقة وعرّى نفسه أمام الجميع دون أن يغطي نفسه بورق التوت، فسقطوا من فوق عروشهم في مستنقعات الرذيلة وحكموا في مواخير الجنس والطرب، حتى أضاع بعضهم حكمه. إنهم ملوك وملكات اختاروا الجنس واللذة على السلطة والحكم. تململ كثيرا فوق مقعده الدوّار وكان جالسا بكامل ثيابه وجميع أزرار قميصه مغلقة، ما عدا ربطة عنقه، التي فكّها قليلا دون أن يزيلها، وفي هذه اللحظات التاريخية من عام 1996، دخلت عليه الموظفة «كاثلين ويلي» من جديد، شمّ عطرها، الذي لم يفارق أنفه من قبل أن تدخل، ثم أطلت بابتسامة بديعة، وبثوب أنيق يكشف عن بعض محاسنها ويجسم البعض المستور من جسمها، تأملها وفي عينيه نظرة استسلام لها إن هي حاولت أن تغويه!!! استسلام للجسد اقتربت تعرض الأوراق عليه، استدارت تجاوره، فوقع تحت تأثير عطرها، وبقصد أو دون قصد، لمس جانب ردفها الأيسر كتف الرئيس الأيمن، فحدثت الشرارة التي جعلته يهبّ واقفا محتقن الوجه، ليجذبها إلى حضنه وينهال عليها تقبيلا، أذهلتها المفاجأة، هل الرئيس شخصيا يفعل ما يفعل الآن؟ وسمعته يقول بصوت متهدّج كصوت مراهق في أفلام حقبة الستينيات: أحبك، حلمت بهذه اللحظات طويلا، أنت المتعة، لا بل أنت أمريكا وأنا أحب أمريكا. استسلمت كاثلين ويلي لقبلاته المحمومة ويده تعبث بجسدها، وعندما قررت التخلص من الموقف خرجت وثوبها في فوضى كاملة وشعرها مشعث وأحمر شفاهها في غير موضعه وقد انتقل بعضه إلى شفتي الرئيس، خرجت دون أن تعرف ما سوف تفعل، هل ستقاومه في المحاولة الثانية أم تستسلم له، كانت تحتاج إلى وقت للتماسك، وقبل ذلك عليها إصلاح هندامها وشعرها وأحمر الشفاه. في أثناء خروجها وهرولتها المرتبكة، التقت بها مصادفة ليندا تريب، موظفة البيت الأبيض، التي أوقعها الموساد في شبكته للتجسس على حاكم البيت الأبيض، كانت تلك الموظفة في الأربعينات من عمرها وكان ذلك اللقاء بداية السقوط للرئيس من قمته التي صعدها بسرعة واقتدار. أخذت ليندا تريب زميلتها المرتبكة إلى قاعة الحمام الفسيحة، ذات المرايا ودورات المياه الحريمية، بعد أن تأكدت من خلو المكان، راحت تهدئ من أعصاب الموظفة، وهي تتأمل حسنها في غيرة وتحسدها على نضارتها وشبابها وهي تقول: ليت الشباب يعود يوما فأخبره بما فعل المشيب. أمام المرآة، وبينما كاثلين تعيد ضبط هندامها إلى ما كان عليه قبل هجمة الرئيس المشبوهة، سألتها ليندا في حنان ماذا فعل بك بيل المراهق؟ وعرفت ما فعله بيل وكرهته، وقالت مع نفسها: لقد دخلت عليه مرارا ولم يحاول أن يتحرش بي، أيفضلهن صغيرات هذا الرئيس المراهق؟ حسنا إذن، لكنه لا يعرف أنني في عنفوان أنوثتي وخبرتي، إنه غبي وصفيق. مونيكا في أحضان الرئيس سرعان ما افتضح الأمر وذاع الخبر داخل أروقة البيت الأبيض على لسان ليندا تريب، الموظفة الثرثارة التي لا تكتم سرا أبدا، وبدأ الجميع يتكلم عن الحادث ويعود بالذاكرة إلى الوراء قليلا، حيث فضائح كلينتون مع موظفته في ولاية أركنساس وجرحه الغامر الذي لم يندمل بعد، فوصل الأمر إلى مونيكا لوينسكي، تلك الموظفة المتدربة الجديدة، التي زرعها الموساد في الجناح الشرقي من البيت الأبيض للإيقاع بالرئيس كلينتون وجعل رقبته تحت سيوف الدولة العبرية. ففي نهايات عام 1995، وبمجرد حصولها على شهادتها الجامعية، اتصلت مونيكا تلفونيا بوالدتها التي هجرت قصر «بيفرلي هيلز» حين كانت ابنتها لا تزال صبية صغيرة بدينة ومدللة، فوالدتها كانت قد حصلت حينها على الطلاق من زوجها المليونير لوينسكي بسبب عبثه مع النساء وعنفه عندما يسكر ويثمل، وأخذت تداوم عل حضور المعارض الفنية بعد أن قررت تأليف سلسلة كتب عن السيرة الذاتية للرسامين، الذين تحبهم بعد أن دأبت على حضور سهراتهم الفنية، التي يملأها رجالات الفن والمال والسياسة. بعد فرحتها بمكالمة ابنتها مونيكا، سارعت السيدة لوينسكي بالاتصال بصديق لها، هو في نفس الوقت صديق لرئيس الجمهورية، لإيجاد وظيفة لابنتها المدللة مونيكا، وهكذا وبمنتهى البساطة، ظفرت مونيكا بوظيفة مؤقتة كمتدربة بالبيت الأبيض بمرتب رمزي، لكن المال غير مهم، فالموساد يدفع لها الفواتير الضخمة، بالإضافة إلى أنها تسحب من حساب والدها بالبنك كما تشاء، ورغم أن شهادتها لم تكن في السياسة أو القانون، بقدر ما كانت في علم النفس، إلا أنها ظفرت بتلك الوظيفة بغية تحقيق المهمة غير الصعبة للموساد، فتم تعيينها كموظفة مهمتها الرد على الهواتف ونسخ بعض المستندات كلما تطلب الأمر ذلك. سرعان ما انتقلت الشابة إلى العاصمة واشنطن لتعيش في شقة فاخرة بإحدى أجنحة مجمع «ووترغيت» الشهير، كانت تعمها الفرحة والسعادة، فقد خرجت من مدرجات الجامعة إلى مقر الرئاسة مباشرة، وفي غرفتها، أخذت تلك الشابة تتأمل نجوم الليل فرحة مسرورة ترسم مستقبلها، الذي توقعته حافلا مليئا بالمفاجآت، حيث سترى بيل، ذلك الشاب الساحر، الذي خطف قلوب الملايين من الفتيات، وستلقاه قريبا وبجوارها تتأمله كل يوم وتشاهده ذهابا وإيابا من مكتبها الصغير بالبيت الأبيض، هكذا كانت تهمس مونيكا في قرينة نفسها تلك الليلة. وفي الصباح، وقفت مونيكا أمام مرآتها في استعداد تام لليوم الأول، حيث لقاء كلينتون الساحر، وأخذت ساعات وساعات تلفظ الملابس عن جسمها الرشيق، حتى كادت تجن وهي لا تعرف ماذا ترتدي له هذا اليوم، لكنها استقرت أخيرا على الزي الأسود الرسمي ذي التنورة القصيرة والرداء العلوي ووشاح أحمر غطت به رقبتها البيضاء الممتلئة. استمتعت مونيكا بوظيفتها الجديدة وضايقها أنها بالجناح الشرقي بينما الرئيس بالجناح الغربي، لكن عملها ممتع ومعظم المحيطين بها شباب في الثلاثينات من أعمارهم، داعبتهم ولاطفتهم وارتاحوا إليها (كان الرئيس كلينتون نفسه هو الذي توسّع في تعيين العشرات من الشابات والشباب حديثي التخرج بالبيت الأبيض بأجور رمزية، بعد أن قلصّ الكونغرس ميزانية الرئاسة) ورغب بعض الشباب في مونيكا، لكنها لن تقبل دعوات السهر إلا من الكبار مكانة وعمرا وظلت تحلم بلقاء الرئيس ذاته. وفي إحدى حفلات البيت الأبيض، التي حضرها مئات المدعوين من عظماء السياسة والعلم والدبلوماسية وعشرات المتدربين والمتدربات، رأت الرئيس يهل بطلعته البهية شابكا كفه بكف زوجته، اللذين سرعان ما انفصلا لتحية الضيوف، لتجد مونيكا نفسها رفقة زملائها في مواجهة الرئيس يحييهم بلطف. اقتربت منه حتى كادت تلتصق به، سألها عن أمها وعن كتبها وعن الرسامين، وفي غمرة الضحكات احتضنته، فتقبل هو هذا الحضن ببراءة واتجه إلى باقي الضيوف ونسي كل شيء حتى عدسات المصورين التي كانت تسجل كل لحظة له. وبعد انتهاء الحفل، عادت إلى مسكنها بمجمع «ووترغيت»، وهي مازالت مأخوذة بسحره هائمة بوسامته، تتذكر جيدا لمسات كفيه لظهرها وخده لخدها، ومن فرط نشوتها قررت أن تحتفظ بثوبها دون غسيل لأنه يحمل رائحة بيل وعطره. أيام قلائل، وبوساطة أمها ورضا رؤسائها عنها، انتقلت إلى الجناح الغربي حيث معظم أعوان الرئيس من اليهود، فهناك العمة مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية، وهناك العم كوهين وزير الدفاع ومستشار الأمن القومي وغيرهم كثيرون، فمعظم إدارة كلينتون كانت من اليهود وكل عم أو عمة يساعد أعماما وعمات أصغر سنا، حتى أصبح البيت الأبيض وكأنه إسرائيل صغيرة تلبي طلباتها وتنحاز إليها، حيث قيل إن ما منحه كلينتون وحده لإسرائيل، كمعونات وأسلحة حديثة، أكثر مما منحه لها جميع رؤساء أمريكا منذ إنشائها عام 1948. لم تنقطع المتدربة الجديدة، يوما واحدا، عن عملها بالجناح الغربي، تذهب مرتدية أجمل الثياب مستعملة أبدع المساحيق والعطور، وكانت الأيام تمر دون أن تقترب من بيل كما رسمت الخطة مسبقا من طرف الموساد. تعرفت مونيكا على الموظفة كاثلين ويلي، الجميلة، وليندا تريب، الخبيثة الثرثارة والعميلة السابقة للموساد، رأته أكثر من مرة داخلا إلى مكتبه أو خارجا منه أو متجها إلى غرفة الطعام دون أن يلحظها، سمعت عن مغامراته مع الجميلات، لم تصدق حكاية تحرشه الجنسي بموظفة ولاية أركنساس، بولا جونز، لأن ذوقه أفضل من ذلك، لكنها صدقت علاقته بكاثلين ويلي، بعد أن علمت بالحادثة التي أعطتها الشجاعة كي تعرض نفسها عليه وتبدأ مهمتها المرسومة سابقا من طرف قيادات الموساد في إسرائيل. الموساد أوصل عميلته مونيكا إلى البيت الأبيض رغم أن شهادتها ليست في السياسة أو القانون بل كانت في علم النفس كان البيت الأبيض بمثابة إسرائيل صغيرة لكثرة اليهود في إدارة الرئيس كلينتون.... وما قدمه كلينتون وحده لإسرائيل من معونات وأسلحة حديثة لم يقدمه قادة أمريكا مجتمعين منذ 1948. كاتب وصحفي فلسطيني مقيم في المغرب