«أريد أن أنتحر».. هي أول كلمة يقولها المريض، بعد أن يكتشف إصابته بفيروس نقص المناعة المكتسب، لأن وقع الخبر يكون قويا على المرضى إلى درجة يفقدون معها الأمل في الحياة. حاول خالد الانتحار بعد معرفته بمرضه: «حاولت الانتحار، إلا أن أخي وزوجته دعماني حتى اجتزتُ تلك المحنة وكان أخي لا يتركني وحدي ولو لحظة واحدة.. حتى عندما أكون في الحمّام يراقبني، خوفاً من أن أوذي نفسي»، يقول خالد، الذي يتابع حاليا علاجه في مستشفى ابن سيينا في الرباط. انتقلت العدوى إلى خالد عن طريق العلاقات الجنسية، كغالبية الرجال المغاربة، ف83 في المائة من الرجال انتقلت إليهم العدوى عن طريق العلاقات الجنسية غير المحميّة. تختلف طريقة تعرُّف المرضى على مرضهم من حالة إلى أخرى، لكن «الصدفة» تجمعهم كلهم، ف80 في المائة من المتعايشين مع الفيروس في المغرب اكتشفوا مرضهم عن طريق الصدفة، لكن الصدفة لم تكن بالنسبة إلى سميرة «خيرا من ألف ميعاد»، فعوض أن تجد نفسها زوجة لأحد أعيان الإمارات العربية المتحدة، وجدت نفسها تُرحَّل إلى موطنها بسبب هذا المرض «اللعين»: «لمدة شهرين وأنا أعيش في المسجد، أقوم بكنسه»، تقول سميرة، التي أصبحت أكثر تقبلا لمرضها مع الوقت، وهو نفس المرض الذي «سرق» منها زوجها، المريض بالسيدا، أيضا. «نعم أنا مريض بالسيدا».. قالها الشاب بلا خوف، وهو ينفث دخان سيجارته، ليس لأنه يستطيع البوح بمرضه أمام الجميع، بل لأنه كان يتحدث إلى أحد الأشخاص الذي اكتشف حديثا إصابته بالمرض، أما أمام عامة الناس فلا يستطيع التصريح بذلك. فجميع المرضى يخشون التصريح بإصابتهم بالمرض، حتى لأقاربهم. وحسب أرقام أولية لدراسة أنجزتْها الجمعية المغربية لمحاربة السيدا، فإن 26.5 في المائة من المصابين الذي شملتهم الدراسة لم يخبروا أحدا أنهم مصابون بالمرض. أما المرضى الذين وجدوا في نفسهم الشجاعة للتصريح بأنهم مصابون فبلغوا 73 في المائة، لكنهم لم يخبروا غير الأم أو الأخت، واختارت نسبة 10 في المائة إعلام صديق لهم. وترجع حساسية البوح بالمرض إلى «الصورة» التي ترتسم في أذهان الكثيرين من أنه مرض جنسي خطير وأن المصاب به، حتى ولو كان ذلك عن غير طريق الاتصال الجنسي، يظل في دائرة «الاتهام الجنسي»، حتى يموت... إنها قصص لنساء ورجال تعايشوا مع المرض، لكنهم يسكبون الدمع بسبب تنكّر المجتمع لهم، ما جعلهم يعيشون فيه. وإذا كان أغلب المتعايشين يخافون من ردة فعل المجتمع أو أسرهم ولم يستطيعوا كسر «جدار الصمت»، فإن فمحمد المرضي (50 سنة) يمتلك الجرأة الكافية للتحدث مع وسائل الإعلام بتلقائية، ذاكرا اسمه الحقيقي وكاشفا وجهه لوسائل الإعلام. ومن أجل مساعدة المصابين على «كسر جدار الصمت»، تضع «الجمعية المغربية لمحاربة داء السيدا» رقما اقتصاديا رهن إشارة الراغبين في التعرف على مركز التشخيص المبكّر، القريب من مكان إقامتهم.. 080.100.25.25. «ألو... لنتكلم عن السيدا».. خط هاتفي معلومياتي للجمعية المغربية لمحاربة السيدا، يقدم معلومات وتوجيهات حول مرض السيدا بسرية تامة واحتراما لخصوصية المتصلين، لكن هذا الرقم ما زال يستقبل اتصالات قليلة، تقول حكيمة حميش، رئيسة الجمعية، لأنه ليس رقما مجانيا. كانت نسبة مهمة من النساء ضحايا ثقتهن في أزواجهن، فأكثر من 70 من النساء المصابات انتقلت إليهن العدوى عن طريق أزواجهن.. عزيزة إحدى هؤلاء السيدات، فقد وجدت فيروسا يسري في عروقها، لا لسبب، سوى لأنها وثقت في زوجها: «علمت بمرضي صدفة عن طريق تحليل الدم أثناء حملي، في الشهر التاسع.. حينها، وضعت صغيرتي بعد عملية قيصرية»، تقول عزيزة، قبل أن تضيف: «عند معرفتي بحقيقة مرضي، أصبتُ بانهيار عصبي».. ظلت هذا السيدة في انفصال تام عن واقعها اليومي ولم تستطع أن تتقبل أنها ستظل مصابة بهذا المرض: «توفي زوجي، تاركاً لي عبئاً ثقيلاً من المسؤوليات التي أنهكتْني»، تقول عزيزة. وتابعت قائلة: «تناولت مهدّئات نفسية لمدة عام كامل بعد صدمتي بالمرض.. ماتت ابنتي الوحيدة بعيب خِلقي.. حمدتُ الله ومضيت في طريقي، ولم أخبر أحداً بمرضي سوى أفراد أسرتي، خوفاً من نظرة المجتمع وعدم رحمته بي». كانت عزيزة محظوظة، لأن ابنتها توفيت، فحوالي 200 طفل مغربي يولدون سنويا ويعانون لإصابتهم بالمرض نتيجة «الانتقال العمودي للعدوى»، التي تنتقل من الأم إلى الطفل. وتمثل هذه الحالة نسبة 90 في المائة من مجموع الحالات. يعاني هؤلاء الأطفال مع مشكل الأدوية وتوقيت أخذها، وكلما تقدّموا في السن، يبدؤون في السؤال عن طبيعة مرضهم. وإذا كانت العدوى تنتقل إلى أغلب الأطفال عن طريق الأم، فإن معاذ هو الطفل الوحيد المصاب بهذا المرض في عائلته. تتذكر والدته يوم نقلته إلى المستشفى في وضعية صحية مزرية، بسبب إصابته بمرض السل، رغم محاولات الأطباء علاجه، دون جدوى.. لم تتحسن حالته الصحية بسبب فيروس نقص المناعة المكتسب، الذي انتقل إليه بسبب الاغتصاب: «انتقلت العدوى إلى معاذ بسبب تعرضه للاغتصاب»، تحكي الأم، وهي تمسح دموعها.. تسكت برهة ثم تقول: «ولدي ضاع ليّ»... ورغم جهود جمعيات المجتمع المدني ووزارة الصحة محاربة المرض، فإن الإحصاءات والأرقام التي تُنشَر تؤكد أن ترمومتر أرقام الإصابات في ارتفاع، حيث من المتوقع أن يصل عدد المتعايشين مع فيروس نقص المناعة المكتسب إلى 32 ألف شخص في 2012، بتسجيل 3900 حالة جديدة في نفس السنة، وستتجاوز نسبة النساء المتعايشات مع المرض أكثر من 10 آلاف، في حين تصل نسبة المتعايشين في صفوف الأطفال إلى 584. وسبب «الفشل» في محاربة هذا المرض هو «الطريقة»، كما تقول الدكتورة نادية بزاد، الرئيسة المنتدبة للمنظمة الإفريقية لمكافحة السيدا، التي تعتبر أن الأمر يتطلب مقاربة لتحسين الصحة الإنجابية والجنسية، على العموم، من أجل القدرة على محاربة هذا المرض، في حين تعتبر حكيمة حميش، رئيسة الجمعية المغربية لمحاربة السيدا، أن بعض القوانين وطريقة تطبيقها تعيق محاربة هذا المرض. دفعت خصوصية داء السيدا، الذي يعرف تداخلَ ما هو طبي بما هو اجتماعي وديني وحقوقي، مجموعة من الفاعلين في مجال محاربة هذا الوباء إلى خوض مشروع يهدف إلى تعزيز إدراج المقاربة الحقوقية في جهود مكافحة السيدا المبذولة على صعيد جميع القطاعات، مع وضع آلية لحماية الأشخاص المصابين بفيروس السيدا والحاملين له، الذين يتعرضون للتمييز والوصم والتهميش جراء إصابتهم بالداء.