في بيت عائلة «معاذ.إ»، الأمير المفترض لخلية البتار التي تم تفكيكها مؤخرا من طرف الأجهزة الأمنية في المغرب، الكائن في شارع ادريس الحارثي بحي مولاي رشيد في الدارالبيضاء، تحدثت الجارات أكثر مما تحدث الحاج عبد الله، والد معاذ، وزوجته محجوبة.. جارات تقاطرن الواحدة تلو الأخرى، لم يُخفهن اقتحام منزل أصبح «مثار شبهة»، كما لم يحرجهن أن يتسابقن للحديث عن «ولد» هو، في رأيهن، بريء رغم كل ما سمعن عنه.. «ربما طرقَ، عن طريق الخطأ، موقعا جهاديا أو ما يشبه ذلك، لكن أن يكون إرهابيا فلا»، تقول إحدى الجارات. هذا سقف تأويل الأهل والجيران، ف«مَعاذَ الله أن يخطر ببال مُعاذ أن يخطط لعمل إرهابي وهو الذي لم يسبق أن ذبح دجاجة، ولم يحدث مرة أن حظر مشهد ذبح خروف العيد»، يعلق وديع، أخ معاذ الذي يصغره بست سنوات. ما الذي حدث، إذن، مساء يوم الثلاثاء 13 شتنبر 2011؟ «لم يخرج معاذ يومها لصلاة الفجر، وحتى صلاتيْ الظهر والعصر أقامهما في البيت. وعندما عاد من صلاة المغرب، طلب من أخته أمينة عبر «الأنترفون» أن تفتح باب العمارة، وبمجرد أن تخطى عتبة الباب دخل في إثره رجال البوليس. عندما طرق فتحت الباب، فوجدت برفقته أشخاص، سألت من يكونون، فأجابني أحدهم باحترام: «نحن الشرطة»، استمهلته بعض الوقت لكي أغطي رأسي ففعل، وعندما هممت بفعل ذلك وضع أحدهم ذراعه على الباب ظانا أننا سنقفله»، تحكي محجوبة، زوجة أب معاذ التي ربّته منذ كان عمره لا يتجاوز العامين والنصف، وتضيف محجوبة: « كانوا 9 أفراد أو أكثر، دخلوا البيت. بدأت ابنتي أمينة في البكاء وقالت لهم: لماذا تكبلون يدي أخي.. نحن لسنا معتادين على مثل هذا. تفهّم شرطي ذلك وأزال القيود من يديه، وهو يلتمس منا أن نعذره، قال إنه يؤدي عمله.. سألني أحدهم: أين توجد شركة معاذ؟ وباندهاش أجبت: أية شركة. قال آخر: أين هي غرفته الخاصة. كانوا يسألونني فيما معاذ صامت ويتابع ما يحدث باندهاش. دخلوا غرفته. أقفلوا الباب خلفهم. وقف شرطي أمام الباب، وظل آخران معنا وسط المنزل. لم نكن نسمع ما يدور داخل غرفة معاذ. فتشوا البيت بكامله، فتشوا بين أغراض معاذ وملابسه، أخذوا أغراضه، نتائجه وشواهده الدراسية.. اقتادوه وغادروا». تتدارك أمينة التي تدرس في المستوى الثامن إعدادي: «قبل أن يغادروا، طلب مني معاذ كأس ماء فناولته إياه». شرب بعض الماء وغادر رفقة أفراد الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، إلى جانب محجوزاته: ثلاث «وحدات مركزية» لحواسيب، يصِرّ وديع، الأخ، على أن أحد هذه الحواسيب هو شخصي لمعاذ، والثاني لأغراض العمل، والثالث يعود إلى إخوته وأخواته؛ وتتدارك زوجة الأب قائلة: «صادروا، إلى جانب الحواسيب الثلاثة، المسدس البلاستيكي الذي ظل معاذ يحتفظ به كذكرى من والدته المطلقة، كانت قد اشترته له ذات ذكرى عاشوراء قديمة». يتساءل الأب: «هل يعقل أن يتدرب الواحد على إطلاق الرصاص بمسدس بلاستيكي؟»، ثم يستطرد وديع، العامل بشركة للأسلاك الكهربائية: «معاذ شاب منظم، يحافظ على أبسط الهديا والتذكارات مثل سلسلات للعنق واليد كان قد تسلمها من أصدقاء له»؛ تقاطعه أمه محجوبة متسائلة: «لماذا لم يأخذوا «نونورس» الذي يضعه قرب سريره منذ كان طفلا؟». لكن، ما حكاية الأسلحة البيضاء التي عرضتها «الفرقة الوطنية»، باعتبارها محجوزات صودرت من بيت «أمير خلية البتار»؟ بشدةٍ، تنفي محجوبة أن تكون غرفته قد اشتملت على أسلحة، «أنا من كان ينظف بيته باستمرار.. لم يسبق لي أن عثرت على موسى أو خنجر ضمن أغراضه، ولو كان حقا يفعل شيئا سريا مما اتهم به لكان يقفل خلفه باب غرفته بالمفتاح كلما دخل أو خرج. غرفته كانت تبقى مفتوحة، في حضوره كما في غيابه». تصمت زوجة الأب، وتعلق شابة في العشرينات، من بنات الجيران: «أنا وأخوات معاذ كنا نجتمع في بيته ونستعمل حاسوبه، ولم نلاحظ يوما أنه يخفي سرا في تلك الغرفة، كما لم يحدث أن منعنا من دخولها». تقاطعها جارة أخرى قائلة: «نحن لا نشكك في تمكن رجال الشرطة من عملهم، لكن لدينا ملاحظة بخصوص الأدلة.. لقد صادروا أشياء واهية، مثل المسدس البلاستيكي، وهو ذكرى من الطفولة، يحتفظ به معاذ كهدية من أمه.. والطاقية التي كان يرتديها أيام البرد، لأنه يعاني من الحساسية. أما «الباندات» والقفاز فقد كان يستعملها أثناء التدريبات الرياضية». في غرفة معاذ، تسحب زوجة أبيه محجوبة أسطوانات حديدية رياضية، وتعلق: «لماذا لم يأخذوا هذه أيضا؟». تكمل الجارة: «أكيد أن المواطن حينما يرى تلك «الأدلة» سيتساءل: ما الغريب في وجود مثل هذه الأشياء بحوزة معاذ؟ فكل بيت قد توجد به مثل هذه الأغراض. لقد كان الوضع سيختلف لو كان رجال الشرطة ضبطوا بين أغراضه أسلحة أو مواد لصناعة المتفجرات، فهذه أشياء يمكن تسميتها أدلة». الحاج عبد الله، الذي تقاعد بعد سنوات طويلة من العمل في شركة «كوزيمار»، قال إنه كان في المسجد عندما جاء البوليس إلى البيت، وزوجته تقول إنها لم تشأ أن تخبره بالهاتف، ف»هكذا نصحني شرطي بعدما أخبرته بأن والد معاذ أجرى مؤخرا عملية جراحية في رأسه، وأنه مصاب بداء السكري». «معاذ.إ» من مواليد سنة 1982، أخ لثلاث بنات وذكرين، من جهة الأب، يعيش إلى جنبهم في حضن المرأة التي تقول، بطيبوبة وبساطة، إن معاذ وأبناءها من صلبها، ينادونها باسمها بدل أمي: محجوبة. تزوجها الحاج عبد الله بعد تطليقه لنعيمة، والدة معاذ، عندما كان الأخير يبلغ من العمر سنتين ونصف. عاش معاذ رفقة والده وزوجته، وبينهما فتح عينيه، أما أمه البيولوجية فقد تزوجت ورزقت من زوجها الثاني بابنين وابنتين، يعتبر «يونس.ع» أحدهم. «يونس شاب طيب، كان يزورنا من حين على آخر»، تقول محجوبة، ويوافقها القول الحاج عبد الله: «يونس أخ ابني من والدته، ولد خلوق، كنت أعتبره بمثابة ابني، وكان يعتبر أولادي مثل إخوته، وكان يزورنا دائما.. عندما علمتْ بأن أمه بخبر اعتقال ولديها معاذ ويونس شُلّت، كان الله في عونها». أما الشخص الثالث في هذه «الخلية»: «محمد.خ» فالكل، أسرةً وجيرانا وأبناءَ حي، يؤكدون أنه لم يسبق لهم أن رأوه يزور معاذ أو يقف للحديث معه. بعد حصوله على الباكلوريا، التحق معاذ ب»مركز فيليبس» للتكوين المهني، وتخرج منه بعد سنتين حاملا شهادة في «هندسة المعلوميات»، تخصص البرمجة المعلوماتية. بعدها، اشتغل في العديد من الشركات. وقبل سنتين، حصل على باكلوريا حرة وتسجل في الجامعة في شعبة العلوم الرياضية. أما يونس فلم يكن منخرطا في نقاشات الطلبة.. لم ينشغل بالأحزاب أو الجماعات السياسية؛ لم يكن ناقما على البلد أو متذمرا من الوضع الاجتماعي؛ لم يكن يفكر في الخارج، وحتى بعدما سافر صديقه الوحيد (سمير) إلى كندا لم يرد أن يرافقه؛ لم يسبق أن غادر المغرب أو حتى الدارالبيضاء؛ لم يسبق له أن طلب من أخواته ولا من بنات الجيران اللواتي كان يراجع معهن المواد العلمية أن يتحجبن؛ كان يساعد الجيران في أعراسهم ويفرح لأفراحهم؛ كان يتدخل ب»خيط أبيض» إذا ما حدث شنآن بين سكان العمارة؛ لم يكن له أصدقاء؛ لم يكن يترك القراءة حتى وهو ممدد على سريره أو وهو يتناول طعامه؛ كان حاد الذكاء... هكذا تكلم أخوا «معاذ.إ»، المتهم بكونه أمير «خلية البتار الإرهابية التي فككتها الأجهزة الأمنية يوم الثلاثاء الماضي»، وهكذا تحدثت زوجة أبيه، وأبوه، وأخواته، والجارات، وصديقات أمه. قالت امرأة مسنة يوجد بيتها أمام بيت معاذ: «لو كنت شممت رائحة التطرف في هذه العائلة لما عاشرتها، بل لكنت تركت العمارة عن آخرها». أضافت أخرى: «نحن صاهرنا عائلة معاذ لسمو الأخلاق التي تميز أفرادها»... وأنهى أيوب، الأخ الأصغر لمعاذ، هذا اللقاء وهو يحكي كيف ذهب قبل أيام إلى «مسبح ميامي» رفقة معاذ وأخيه يونس وكيف لعبوا وضحكوا، «لو كان معاذ متطرفا لما كان رافقنا إلى الشاطئ والمسبح». هل كان معاذ ضحية شغفه بالبحث العلمي، الذي قاده خطأ إلى الطريق الخطأ، كما قالت إحدى الجارات؟ أم إن هذا الشخص، محدود العلاقات والاجتماعي في حدود، كان يخطط في صمت وكتمان لقتل أفراد شرطة والاستيلاء على أسلحتهم لتنفيذ عمليات إرهابية كما تقول الرواية الرسمية؟ أفراد أسرة معاذ ومعارفه من الجيران قالوا إنهم يثقون في الأجهزة الأمنية التي يؤكد الحاج عبد الله أنها تعاملت معهم بما يليق من احترام، لكنهم جميعا متفائلون بأن تظهر التحقيقات أن ابنهم اعتقل خطأ.
العائلة تبرئ ابنها من تهمة التطرف تعترف العائلة بأن ابنها معاذ متدين، غير أنه لم يكن متشددا في هذا التّديُّن، بل كان منفتحا وكان يتردد على شاطئ البحر وعلى المسابح. أكثر من هذا، تقول عائلته، إن ابنها معاذ لم يسبق له أن تحدث إلى شقيقاته عن ضرورة ارتداء الحجاب، بل كان اجتماعيا ولم يكن يتردد في استقبال فتيات من الجيران قصد مساعدتهن في مراجعة دروسهن، خصوصا في مواد الرياضيات والمعلوميات. وتشدد العائلة على أن ابنها بريء من كل التهم المنسوبة إليه، والدليل على ذلك، حسب زوجة والده، هو أن رجال الأمن عندما دخلوا غرفتَه لم يجدوا أي الممنوعات، بل وجدوا فقط مُعدّات رياضية باعتبار ربيبها كان يزاول رياضة كمال الأجسام.