ليست الصحافة أداةً للثقافة أو أداةً لنشر أفكار المثقفين وكتاباتهم فقط، فالصحافة شريكٌ في نشر الأفكار، في تبنيها وفي الدعاية لها، أيضاً. ما تزال كثير من الجرائد العربية تحرص على استقطاب عدد من الكُتاب والمفكرين وعلى دعوتهم إلى الكتابة فيها أو استشارتهم، في كل ما يتعلق بمجال الفكر والإبداع. فالجرائد العربية الأكثر انتشاراً لها صفحات ثقافية قارّة طيلة أيام الأسبوع ولها، في نهاية كل أسبوع، ملحق ثقافي أو فكري. فهي تحرص على مواكبة ما يجري في مجال الأفكار وفي مجال النشر والتوزيع وتتابع، باهتمام، ما يجري من ندوات ولقاءات، كما تعمل على فتح مساحات للحوار والرأي أو على عقد ندوات حول المواضيع الثقافية الراهنة أو حول ما تراه راهناً من قضايا وأفكار. ليس الكِتَاب وحده وسيلة وصول الكاتب إلى القُرّاء، فللصفحات الثقافية والفكرية في الجرائد دور كبير في دعم الثقافة وفي تداول المعرفة، وأيضاً، في طرح الأفكار التي لا تحتاج إلى التأجيل أو إلى كثير من التفاصيل التي يتطلبها البحث الدقيق والعميق أو إلى تكون طارئةً، كما يحدث اليوم، في ما يتعلق بالثورات العربية وما أصبحت تفرضه من مشاركة المثقفين والمفكرين، حتى لا يبقى السياسيّ، وحده، هو من يعبث بالموضوع أو يوجهه بالطريقة التي يريدها أو بما يخدم مصالحه هو فقط. يجهل الذين ما زالوا يتكلمون عن «المثقف الإعلامي»، مستعملين الصفة بنوع من الازدراء أو التَندُّر، الدورَ الثقافي للصحافة ويجهلون العلاقة بين الثقافة والإعلام ولا يعرفون أن مفكرين وكُتَّابا كانوا صحافيين، قبل أن يتفرغوا للبحث والتأليف، وأن بين هؤلاء من ما يزالون يجمعون بين العمل الثقافي أو الإبداعي وبين العمل الصحافي، دون أن يكونوا مثقفين إعلاميين، بهذا المعنى الجاهل بالثقافة وبالإعلام، عموماً. إن هذا النوع من الأفكار يصدر، في الغالب، عمّن أُسَمِّيهم «أسرى الجامعات».. هؤلاء الذين لم يستطيعوا أن يكونوا لا باحثين، بالمعنى العميق للبحث العلمي، ولا مثقفين أو صحافيين، بالمعنى الذي يجعل من المثقف والصحافي أو «الإعلامي»، وفق تعبير هؤلاء «الأسرى»، من الذين يعملون على تكريس الوعي وعلى خلق مجتمع العلم والمعرفة و تكريس «التنوير»، في مقابل «التعتيم»، الذي أفضى بالثقافة عندنا إلى أن تصير أرضاً مستباحةً، اختلط فيها الحابل بالنابل، كما يقال. أعتز، شخصياً، بدور الإعلام، عموماً، والصحافة، خصوصاً، في دعم الثقافة والفكر وفي نشر الإبداع وتكريس الوعي النقدي ومجابهة ما سمَّيْتُهُ، من قبل، «الفكر النائم»، وهو المقابل الوضوعي للفكر الظلامي الجاهل والناقم، رغم أن الإعلام عندنا لم يضع الثقافة ضمن أولوياته، ورغم أن أغلب الجرائد لا تتوفر على صفحات ثقافية أو فكرية قارة وليست لها ملاحق ثابتة، تسمح بمشاركة المثقف في النقاش العام، باعتباره مثقفاً، ما دام السياسيّ هو من له الكلمة في الإعلام أو يحظى، في الصحافة، بنصيب الأسد.