الظاهر أن حرب التزكيات المستعرة في الساحة السياسية هذه الأيام لم تختلف كثيرا في جزئياتها عن نظيراتها السابقة، إذ لم تتغير كثيرا أساليب السباق المحموم بين أعضاء أحزاب الخريطة السياسية المغربية لنيل التزكيات الانتخابية كخطوة أولى للوصول إلى أول برلمان في عهد الدستور الجديد. الصراع نحو نيل التزكيات لم يبق فقط حبيس الصالونات الحزبية الضيقة، بل انتقل إلى الصحافة الوطنية وتحول في وقت لاحق إلى ضربات موجعة تكاد تعصف ببعض الأحزاب السياسية، كما حدث مع حزب الحركة الشعبية فيما أصبح يعرف بقضية «تاتو والكرومي». بطبيعة الحال، لن تسلم أحزاب توصف بالكبرى كالعدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي من فصول هذا الصراع. والحال أن صدى حرب التزكيات داخل هذه الأحزاب بدأ يطفو على السطح قبيل شهرين فقط من محطة الانتخابات التشريعية. حزب عبد الكريم الخطيب يبدو، حسب لحسن الداودي أحد أبرز قيادييه، أبعد ما يكون عن هذه الحرب، نظرا إلى أن مؤتمرات الفروع الإقليمية لم تشرع بعد في عقد اجتماعاتها للحسم في طلبات المرشحين الراغبين في الحصول على وكيل اللائحة. غير أن هذا الكلام لا يصمد طويلا أمام تناسل العديد من الأخبار حول وجود صراع خفي بين أعضاء الحزب بمدينة طنجة، سيما بعد التحاق عمدتها السابق سمير عبد المولى، الذي لا تخفي مصادر «المساء» أنه عازم على الترشح للاستحقاقات التشريعية المقبلة. بيد أن مهمة سمير عبد المولى للظفر برأس لائحة حزب العدالة والتنمية بمدينة البوغاز لن تكون سهلة في ظل وجود وجوه لديها نفوذ قوي داخل حزب «رفاق بنكيران». وتشير بعض التوقعات إلى أن حربا خفية تدور رحاها بين اثنين من أبرز كوادر الحزب، ويتعلق الأمر بكل من نجيب بوليف، الرجل المقرب من قيادات حزب العدالة والتنمية، وعبد اللطيف برحو، الذي تتحدث بعض المصادر أنه يعتزم تقديم نفسه للحصول على وكيل اللائحة. ومهما يكن من أمر، يؤكد لحسن الداودي في تصريح ل«المساء»، فإن حزب العدالة والتنمية لن يزج بنفسه في حرب قذرة حول التزكيات، كما تفعل بعض الأحزاب الأخرى، إذ سيطبق معايير صارمة للترشح باسم الحزب، ومن «يصرح بكونه سينال التزكية قبل بدء اجتماعاتنا سنتصدى له، «نريشوه» يضيف الداودي. بوادر الصراع الدائر بين أعضاء حزب العدالة والتنمية حول التزكيات الانتخابية بدأت تتردد أصداؤها بمدينة القنيطرة، حيث تؤكد بعض المصادر، التي تحدثت إليها «المساء»، على وجود حرب خفية بين عبد العزيز الرباح، عضو اللجنة التنفيذية للحزب، وعبد العزيز قرماط، كاتب الفرع بالمدينة، لكن هذا الصراع يتخذ بعدا آخر يتمثل في كون قرماط يرغب في نيل مركز الوصيف في اللائحة، في حين يفضل الرباح، حسب مصادرنا دائما، أحد مقربيه للحصول على مركز الوصيف. كما أن حزب العدالة والتنمية شهد في الأيام الماضية خلافا حادا بين أعضائه بخصوص ترشح برلمانيي الحزب لولاية ثالثة، إذ وجدت الأمانة العامة نفسها في موقف حرج، خاصة أنها تراهن على بعض الوجوه للحصول على أكبر عدد من المقاعد الانتخابية في سباق الأمتار الأخيرة للظفر بكرسي أول رئيس للحكومة في تاريخ المغرب. وتعود فصول هذا الصراع إلى مقترح كان قد رفعه المجلس الوطني إلى الأمانة العامة للحزب بشأن عدم ترشح أعضاء الحزب لولاية ثالثة لفتح المجال أمام تجديد نخب الحزب، والذي أثار نقاشا وصفته مصادرنا ب«الساخن» بين قيادات الحزب خلال انعقاد اجتماع اللجنتين السياسية والتنظيمية يوم الأحد الماضي. التوصية التي رفعت إلى الأمانة العامة خلال انعقاد مؤتمره الأخير أذكت نقاشات حادة بين تيار موال لعدم ترشح منتخبي العدالة والتنمية لولاية ثالثة، بغية تجديد نخب الحزب وبعث روح جديدة في هياكله، وبين تيار ثان يدافع عن ترشحهم لولاية ثالثة. وقد تمسك أنصار التيار الثاني، المدافع عن ترشح منتخبي الحزب لولاية ثالثة في الانتخابات التشريعية المقبلة، برفض هذا المقترح بدعوى أنه سيقلص من حظوظ الحزب في الفوز بالمقاعد البرلمانية «في ظرفية تتسم بالتسابق الحاد نحو الظفر بكرسي رئاسة الحكومة». فيما ظل التيار الأول متشبثا بتوصية المجلس الوطني القاضية باستبعاد بعض الوجوه من الترشح للانتخابات لإعطاء الانطباع للمواطنين بأن الحزب انخرط بالفعل في مسلسل تجديد النخب. حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي مازال يبحث عن استقرار تنظيمي، حسب تعبير بعض قيادييه، في خضم الخلافات الحادة بين قيادييه، التي أدت بالبعض إلى إشهار ورقة تجميد العضوية في أكثر من مرة، سيلفى نفسه في موقف صعب لتدبير حرب التزكيات المشتعلة بين أعضائه، فرهان الحصول على إحدى المراتب الأربع الأولى يستدعي من الحزب، حسب بعض المحللين، اللجوء إلى منطق استقدام الأعيان كما باقي الأحزاب الأخرى. ولا ينكر حسن طارق عضو المكتب الوطني لحزب بوعبيد، وجود طموحات متعددة لدى أعضاء حزبه، وبالتالي فإن تدبير هذه الرغبات يقتضي قراءة المرحلة بشكل جيد والتحلي بنوع من الواقعية السياسية، لكن دائما في إطار المساطر التنظيمية التي يعتمدها الحزب، يضيف حسن طارق. وترى بعض التحليلات أن الخطوة التي أقدم عليها الاتحادي طريق القباج، عقب استقالته من عُمدية مجلس أكادير، لا تعدو كونها «مناورة انتخابية للضغط على حزبه بغية الحصول على تزكية الانتخابات التشريعية المقبلة، لاسيما بعد أن تواترت الكثير من الأخبار حول نية المقاول الاتحادي عابد عبد اللطيف الترشح للاستحقاقات المقبلة المسنود من بعض كوادر الحزب على المستوى المركزي. من وجهة نظر أكاديمية، يقر طارق أتلاتي، أستاذ العلوم السياسية، بأن حرب التزكيات المشتعلة حاليا تكرس بعض الممارسات الانتخابوية، التي كانت سائدة قبل التصويت على الدستور الجديد، بل يمكن، يستطرد أتلاتي، القول بأن هذه الحرب أصبحت أكثر حدة، مما يمنح الانطباع بأن المؤسسة الحزبية لم تستشعر بعد حساسية المرحلة التي يمر منها المغرب. وانتقد أتلاتي بشدة حزب العدالة والتنمية على إثر قبوله عضوية سمير عبد المولى، معتبرا هذه الخطوة تكريسا لعبث انتخابوي يسيء إلى المشهد السياسي، ففي الوقت الذي يدعي الحزب أنه يسعى إلى تخليق العمل السياسي Qنجده يقوم بممارسات تعود بالمغرب إلى الوراء». أما بخصوص الصراع حول التزكيات داخل حزب الاتحاد الاشتراكي، فأكد في تصريح ل«المساء» أن «الحزب يعيش أزمة تنظيمية حقيقية، مما يجعل طموحاته للحصول على مركز مريح في ترتيب الأحزاب الفائزة تقوده إلى الاستعانة بالأعيان خارج منطق الالتزام النضالي».