أصبح الإشهار هو المادة الإعلامية الوحيدة التي تقدم إلى المشاهد المغربي في هذا الشهر الكريم عبر قنوات القطب العمومي، بل إن المادة الإعلانية تحولت إلى مادة إعلامية وكأنها هي الأصل في قنوات عمومية تمول من المال العام. ولم يعد الهدف هو خدمة المشاهد الذي يمول هذه القنوات ويضمن الأجور السمينة للقائمين عليها، من خلال الضرائب التي يضخها في خزينة الدولة، وإنما أصبح الهدف هو البحث عن الربح ولا شيء غير الربح حتى إنه أصبح عاديا أن تتجاوز المادة الإعلانية الوقت القانوني المسموح به في قناة عمومية. هذا الوضع الغريب الذي يعيشه التلفزيون العمومي في بلادنا يدعونا إلى طرح السؤال التالي: ما الجدوى من تمويل قنوات عمومية إذا كانت غاية ما ستقدمه إلى المشاهد أن تقصفه بوابل من الإعلانات في وقت تناوله للإفطار؟ هذا هو الإعلام العمومي في شهر رمضان. وإذا نظرنا إلى المضمون أو الرسالة الإعلامية، فإننا نجد أن جزءا كبيرا من البرامج التي تبث حاليا لا علاقة لها بالهوية والخصوصية المغربيتين. وفي الوقت الذي نتحدث فيه عن الخصوصية المغربية في عدة قضايا، يأتي الإعلام العمومي لكي يقول لنا إن هذه الخصوصية مجرد كذب، والدليل على ذلك ما جاء في حلقة «الكاميرا الخفية» التي بثت أول أمس على القناة الثانية والتي وجد فيها مواطنون بسطاء أنفسهم آباء لأبناء غير شرعيين ومتهمين بالتحرش الجنسي، فتلك الحلقة تحاول التطبيع مع ظواهر سلبية وفيها إهانة للأسر المغربية وإساءة إلى الأخلاق العامة. الرسالة هنا هي أنه إذا كان المواطنون في بعض الأحياء، على سبيل المثال، يغلقون نوافذ بيوتهم لكي لا يسمعوا الكلام السوقي أو يبتعدون في الشارع عن المظاهر المخلة بالحياء، فإن الإعلام العمومي قادر على أن يدخل إليهم تلك المظاهر وهم في عقر بيوتهم، ليجدوا أنفسهم يتابعونها على الشاشة بعد أن هربوا منها في الشارع.