ذهل المواطنون السوريون وأصيبوا بصدمة الترويع عندما أعلن النظام السماح لهم بإنشاء أحزاب وربطه لهذا القرار بشرط تعجيزي، وذلك بأن تكون هذه الأحزاب ديمقراطية، هذا الشرط «الديمقراطية» شكل صدمة حقيقية لشعب لم يعرف سوى ممارسة الدكتاتورية منذ عصور. وحسب المحللين الأمنيين النفسيين سيؤدي هذا الإعلان إلى حالة اكتئاب لدى معظم أبناء الشعب السوري الذين اعتبروا الديمقراطية حتى قبل أشهر قليلة عدوهم اللدود، فكيف يمكن أن تفرض عليهم بهذه الهمجية. هذا يعني أن النظام الثوري في سورية نقل الكرة إلى ملعب الشعب، فإما أن يقبلها بالتي هي أحسن وإلا فلن يُسمح له بممارسة الدكتاتورية والشمولية والفساد في الأرض، فالنظام أعلن منذ بدأ انتفاضته على الشعب أنه لن يرضى بأقل من حريته الكاملة... وعلى الشعب أن يستوعب ويتنازل من عليائه ويستعد لهبوط اضطراري إلى الديمقراطية وإلا فالنظام لن يرحم أي دكتاتور من أبناء الشعب. لقد وقع النظام السوري ضحية إرهاب شعبي منهجي منظم منذ عقود، حتى بات يشعر كل فرد من أبنائه وكأنه في سجن كبير، فلم يستطع موظف كبير أو صغير أو وزير ولا حتى الرئيس نفسه أن يعبر عما يدور في خلده، السياسة الدكتاتورية التي مارسها الشعب عطلت قدرات وطاقات وإبداعات النظام، والفن كل الفن صار موجها لإرضاء دكتاتورية ونرجسية الشعب، وكلما تحدث فنان إلى وسيلة إعلام منذ خطواته الأولى في ستار أكاديمي وحتى وصوله إلى مهرجانات دمشق وحلب وقرطاج والجزائر يضطر، بعد كل جملة موسيقية أو مشهد في مسلسل، إلى القول: «الله يخلي لنا هالشعب فوق راسنا»! أما الفنان أو المبدع الذي كان ينتقد دكتاتورية الشعب وقمعه للنظام فمصيره الحتمي هو المقاطعة والتضييق وحتى السجن والمطاردة. وليس صدفة اختيار الكثيرين من مبدعي سورية للمنفى الاختياري، وذلك بسبب قسوة الشعب وتضييقه الآفاق أمامهم وأمام تفكيرهم الحرّ. لقد آن الأوان لفرض الديمقراطية على كل الشعوب الجلفة القاصرة والحمقاء في المنطقة العربية، ومنها الشعب السوري الذي لم يذق يوما طعما للديمقراطية ولم يحلم بها منذ معاوية بن أبي سفيان، نعم يجب فرض الديمقراطية حتى ولو أدى الأمر إلى حقنه بها عن طريق الوريد أو إدخالها في حلقه بحقنة حزبية وحتى بتحاميل ديمقراطية إجبارية لكل الشعب عن طريق الشرج. لهذا السبب، انطلق ربيع النظام السوري في مواجهة شعب ذابل مستنزف، اعتاد الفساد والإفساد والرشوات والنفاق للطبقات المسحوقة، حتى ضاقت الحياة برجال ونساء وموظفي ورفاق وحزب النظام، فلم يعد قادرا على التحمل أكثر فكانت ثورة مباركة أدت حتى الآن إلى مصرع أكثر من 1600 دكتاتور شعبي منهم مئات الحوارنة القمعيين، ومنهم حوالي 122 دكتاتورا صغيرا قتلوا أثناء دفاعهم المستميت عن الدكتاتورية، وبلغ عدد المعتقلين حتى الآن حوالي اثني عشر ألف دكتاتور أو حالم بأن يصبح دكتاتورا، الشعب وقواه العاملة، وخصوصا أبناء الطبقات المسحوقة، منعوا دخول الصحافة والإعلام العربي والعالمي لتغطية ما يحدث للتغطية على جرائم الشعب في حق النظام، إلا أن النظام أبدع من خلال تجنّد أكبر عدد من الوزراء والمسؤولين الحزبيين وأعضاء مجلس النظام بنقل جرائم الشعب بواسطة هواتفهم النقالة، خصوصا بإبداع ما يسمى «شاهد عيان»، وذلك خوفا من انتقام الشعب الذي لا يرحم. طبعا، للحرية ثمن، ولكن النظام مستعد لدفعها، فقد سقط العشرات من شهداء النظام العُزّل إلا من الإيمان بمبادئ الحب والخير والسلام والإنتاج والشفافية والعدالة الاجتماعية والعروبة والممانعة، ولكن كل هذا يهون لأجل الديمقراطية وفرضها على شعب لا يتقن سوى تكديس المليارات. هناك أغنية شعبية تعكس جشع الشعب، تقول: «يا مال الشام يلا يا مالي»، فتكديس المال يسبق أي شيء لدى السوريين، وعندما يقول الشعب: «يا مال الشام يلا يا مالي» إنما يقصد نقل مال الشام إلى بنوك سويسرا ولندن ونيويورك. تقول أغنية شعبية أخرى: «يا رايحين عا حلب حبي معاكم راح... يا مهربين الذهب فوق الذهب تفاح». وتهريب الأموال هو مهنة شعبية سورية بامتياز، ولهذا وجب على النظام أن يتدخل لفرض القانون، فمال سورية يجب أن يبقى لسورية رغم أنف الشعب، وذلك كي يستطيع النظام إتمام ما بدأه من تقليص أعداد الفقراء والعاطلين عن العمل من أبناء النظام الذي دمّره الشعب بجشعه الذي فاق كل حدود. الآن، يواجه النظام معضلة إقناع الفلاحين والعمال والتجار والموظفين وأبناء الطبقة الوسطى والجنود بتنبي حياة حزبية ديمقراطية تعددية، فغالبية الشعب السوري تعتبر الديمقراطية بدعة وتؤمن بأن كل بدعة ضلالة...». وبمعنى آخر، فالشعب السوري يعشق الدكتاتورية، وليس أمام النظام سوى فرض إرادته حتى لو ضحى بالمزيد من الثوار. ولمن يشكّون في قدرة النظام نقول إن النظام لن ييأس، خصوصا بعدما كسر حاجز الخوف، وصرت تسمع في الدوائر الحكومية هتافات مثل: «النظام يريد إسقاط الشعب» أو ذلك الهتاف الذي هتف به مجلس النظام «ما منحبكم»، و»النظام السوري ما بينذل، واحد واحد واحد، النظام السوري واحد». وقد تطوع عدد من الفنانين إلى جانب النظام في ثورته مثل صاحب مسرحية «كاسك يا نظام» الشهيرة... وعاد جورج وسوف ليؤكد «كلام الناس لا بيقدم ولا يأخر».. والرمز هنا واضح، وقرر النظام إطلاق اسم «شهداء الزور» على أهل «دير الزور» المتشددين بعدائهم للديمقراطية، فالنظام ماض في دفاعه عن الديمقراطية حتى لو ذبح أبناؤه على أعتاب المؤسسات الديمقراطية، والحب والحرية ستبقى ركيزة النظام الأساسية حسب المادة الثامنة من الدستور، وقريبا سوف يصدر مرسوم رئاسي يعلن فيه «ابتداء من بعد منتصف ليلة الخامس عشر من يناير القادم، ستهبط الديمقراطية على كل أرجاء البلاد، فتلفها بلون أبيض يظنه الحمقى صقيعا وثلجا. والمطلوب من الشعب أن يستقبل رداء الديمقراطية الأبيض كما يليق بضيف كريم جليل، ولن يتهاون النظام مع كل من تسول له نفسه المس بنظافة الثلوج المتساقطة وطهارتها، ومن لديه أي اعتراض على الديمقراطية الثلجية القادمة، فليتقدم بكتاب خطي أو رسالة إلكترونية يفصّل فيها أسباب رفضه لهطول الثلوج حتى ذلك التاريخ، وسوف يعالج النظام أمره بطرق حضارية يعرفها الجميع، وإلا سوف يحاسب كمرتد وخائن لقيم الحرية والعدالة الاجتماعية والتعددية وحقوق المرأة وتحرير تراب الوطن من الجراثيم، ولن يقبل منه اعتذار بعد هذا التاريخ أبدا. لا شك أن الشعب سيحاول القيام بثورة مضادة لاستعادة دكتاتوريته المفقودة، وقد نسمع أخبارا عن إلقاء القبض على مجموعة من الحوارنة ضبطوا متلبسين في التحريض وهم يهتفون «روحي يا ديمقراطية نحنا ما منحبك»، وقد نسمع عن ذبح فنان في حي شعبي لأنه أنشد «لعنة الله عليكي يا ديمقراطية» أو عن قمع مظاهرة سعت إلى إثارة الفتنة بين أبناء النظام وهتفت «شايف شايف شايف... الشعب السوري طوائف»، وقد يقوم بعض شبيحة الشعب بالاعتداء على أبطال الديمقراطية من أبناء النظام البررة، وقد يقوم الجمهور الجزائري بتحريض شعبوي بإسكات فنان سوري لأنه غنى «هلّت ليالي الديمقراطية»، فالشعب الجزائري شأنه شأن الشعوب العربية الأخرى لا يهيم حبا بالديمقراطية، ولهذا لا بد من فرضها عليه كما فرضت على إخوان له من قبل.. سهيل كيوان