سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
محمد المحروشي.. المقرئ الذي سمح له خادم الحرمين الشريفين بالدخول إلى قلب الكعبة المكرمة سمح له بالمكوث داخلها ساعتين إثر فوزه في المهرجان الدولي لمكة المشرفة
هم نجوم رمضان بدون منازع، يسرقون خلال الشهر الفضيل الأضواء من كبار الأسماء في الغناء والسينما أو حتى في الرياضة، وينالون بذلك قسطا مهما من اهتمامات الصائمين... إنهم أئمة مساجد صاروا أشهر من نار على علم، يقصدهم الخاص والعام، ويتسابق على الصلاة خلف منابرهم من استطاع إلى ذلك سبيلا ومن لم يستطع، إلى درجة يذهب معها الكثير إلى الإفطار وأداء صلاة المغرب بواحد من مساجد هؤلاء «النجوم»، وذلك حرصا على ضمان مكان يمكن انطلاقا منه سماع صوت الإمام بوضوح والاستمتاع به. «المساء» التقت بعينة من هؤلاء وحاولت الغوص في حياتهم الخاصة. محمد المحروشي اسم يكاد يعرفه المغاربة جميعهم، إنه لقارئ القرآن الذي تفتتح التلفزة الرسمية إرسال بثها بصوته وصورته، لكن الغالبية العظمى لا تعرف أن قارئها المفضل هو من القلة القليلة التي منّ الله عليها بالدخول إلى قلب الكعبة المشرفة وقضاء ما يقرب من الساعتين في جوف بيت الله، حدث ذلك في عام 1996 عندما منح العاهل السعودي الراحل فهد بن عبد العزيز التصريح بالدخول إلى الكعبة للفائز بالمركز الأول في المهرجان الدولي لمكة المشرفة، والذي لم يكن سوى الشاب المغربي محمد المحروشي الذي لم يكن قد أكمل ربيعه العشرين بعد. ليس من السهل، إذن، أن تكون مقرئ البلد ككل لأن ذلك معناه أنك صاحب الصوت الأجمل على الإطلاق أو هكذا يُعتقد، يضاف إلى ذلك أن ضيف «المساء» لهذا اليوم يجر وراءه تجربة إمامة المصلين في صلاة التراويح لمدة 15 سنة ويزيد... بمختلف مساجد الرباط، كمسجد لالة سكينة والمسجد الأعظم، وهي مساجد لها من طابع الرسمية ما يجعل من العسير على أي كان إمامة الناس فيها. تبتدئ حكاية صاحبنا من مدينة وادي زم التي رأى فيها النور في عام 1977، ليحل ضيفا خامسا على إخوته، الذين سبقوه إلى الوجود، لكنه سيسبقهم جميعا إلى تحقيق الأحلام الكبرى لوالده البسيط، المشرف على الكتّاب القرآني لقبيلة السماعلة باعتباره حاملا لكتاب الله، وهو ما جعل الطفل محمد يلتحق في سن مبكرة ب«الجامع». تشاء الصدف أن يكون لوفاة الأمير مولاي عبد الله في عام 1983 الأثر الكبير على نفسية الطفل محمد، الذي كان يبلغ لحظتها من العمر حوالي 6 سنوات، كيف ذلك؟ يجيب الاسم الكبير اليوم في عالم قراءة القرآن بالمغرب قائلا: «ظلت الإذاعة، عند وفاة الأمير، تبث تلاوة القرآن على أمواجها لمدة أربعين يوما. وحيث كان القرآن قد شق طريقه إلى قلبي قبل ذلك بثلاث سنوات، فإن التصاقي بالمذياع وإنصاتي المركز للقراءات التي عرضت في أربعينية الأمير، كل هذا فجر لدي الرغبة في السير على نهج هؤلاء». حسم الطفل محمد الأمر، وبدا له في الأفق أنه قارئ ذو شأن، لهذا سيطوي السنين للوصول إلى اليوم الموعود.. كم هي فعلا صعبة أحلام الأطفال، لكنها تسهل إن هي اقترنت بعزيمة الرجال، ويرتب لها القدر من الأسباب ما يجعلها كمدينة روما في القول المأثور، كل الطرق تؤدي إليها. في القسم الابتدائي الأول، التقى التلميذ محمد في مدرسته الجديدة «ذات النطاقين» في مدينة سلا -الجديدة هي الأخرى على المحروشي وأفراد أسرته، لكونهم انتقلوا إليها حديثا من وادي زم- (التقى) الرجلَ الذي رسم له على أرض الواقع الخطوة الأولى من خارطة الطريق التي راودت الفتى في أحلامه، فبدأ المعلم الأول للمحروشي، في قسمه الأول بالمدرسة العمومية، يلقنه مبادئ التجويد ومكنه بعد ذلك من اعتلاء المنصات الرسمية لاستعراض مهارته في تلاوة القرآن وتجويده. أما في القسم الابتدائي الخامس، فقد ذهب المعلم عمر الصغير بعيدا وحمل معه تلميذه، ذات يوم جمعة إلى المسجد القريب من المدرسة وطلب منه قراءة سورة يوسف وسط الجموع. صادف هذه المناسبة وجود الشيخ عبد الرحمان أوكوج، الذي يشرف حاليا على معهد الإمام نافع للتعليم العتيق بسلا. وحيث إن الشيخ أعجب بصوت للقارئ الصغير، فقد رتب له لقاءات مع كبار قراء المغرب، كالشيخين عبد الحميد احساين ومحمد بربيش. إلا أن اللقاء بالشيخ محمد الكنتاوي كان ذا طعم خاص بالنسبة إلى المحروشي الذي قرأ على يد هذا الشيخ في مسجد السنة حوالي أربع سنين. وحيث إن الكنتاوي كان وجها متداولا في الإذاعة والتلفزة، فقد أشعل قريحة تلميذه الذي بات يرى أنه قريب من تحقيق حلم الصغر بالاصطفاف إلى جانب كبار القراء. حاول الشاب المحروشي التوفيق بين كل رغباته المختصرة في قراءة القرآن وعلومه على يد العديد من المشايخ، وبين الدراسة النظامية التي حاز فيها مؤخرا على دبلوم الدراسات العليا المعمقة، تخصص القراءات القرآنية واللسانيات العربية الحديثة، هذا فضلا عن كونه حافظا لكتاب الله وضابطا لقراءتي نافع وابن كثير وباقي أصول القراءات السبع، وهو في الوقت ذاته خريج دار القرآن عبد الحميد احساين، وخريج مركز التكوين المهني في مسجد السنة. لا يقف مقرئنا عند حد، فهو إلى جانب كونه إطارا متصرفا في وزارة العدل، مع ما يعنيه ذلك من انشغال والتزام، وكذا كونه أبا لطفل سماه «نافع» حبا في قراءة المغاربة لنافع، وطفلة اختار لها من الأسماء «سلسبيل»، يستعد لتسجيل المصحف المرتل برواية ورش عن نافع، ويستعد أيضا للتسجيل في سلك الدكتوراه. وبخصوص مشاركة محمد المحروشي في المسابقات، فيمكن القول إن صاحبنا وقع على مشاركات نوعية، جعلته يصل إلى أكثر مما حلمت به مخيلته، فقد فتحت له مكانتُه الأولى، التي حازها في المهرجان الدولي بمكة، بابَ الكعبة المشرفة للدخول إليها، وهو أمر بعيد حتى عن الخيال. وفي عام 1994 حاز المحروشي على الرتبة الثانية في الملتقى العالمي الدولي في طهران لحفظ وقراءة القرآن، وهي مشاركة مكنت صاحبنا من توسيع دائرة معارفه، والتقى هنالك بالعديد من الشيوخ كالمقرئ أبي العينين شعيشع، نقيب المقرئين في العالم. أما في عام 2001 فقد فتح المجد أبوابه لمقرئ المغاربة الأول، وذلك عندما تمكن من الفوز بالنسخة الأولى من جائزة محمد السادس الوطنية لحفظ وتجويد القرآن الكريم، حيث تم على إثرها، باتفاق بين وزارة الأوقاف والتلفزة المغربية، اختيار الصوت الجميل الجديد ليكون أول مادة تفتتح بها القناة الرسمية برامجها. نال ابن مدينة وادي زم، الذي شق طريقه إلى الرباط بنجاح، ومنها إلى قلوب المغاربة بنجاح أكبر، العديد من الجوائز والشهادات التي جاءت جزاء له على اختياره، وهو صغير، السيرَ على أكثر من حبل، وصل إلى نهايتها جميعها بنجاح.