كان المسجد ميتا منذ أيام الانقلاب الأموي فدبت فيه الحياة مع الثورة العربية. وكانت الخطبة لا تستحق عناء الاجتماع، فمهمة الخطيب كانت الحديث عن الجنة، في الوقت الذي يعيش فيه الناس في واقع هو أقرب إلى الجحيم. ولكن ثبت مع اندلاع الثورة العربية الكبرى أن المسجد هو الخندق الأخير للجماهير بعد أن لم يبق مكان للاجتماع. أهمية خطبة الجمعة اليوم ليست في حديث إمام يعيش عصر فقهاء عصر المماليك ويتكلم بلغة المماليك ويتعمم بعمامة المماليك، يأكل من مائدة السلطان ويدعو للسلطان بالبقاء مستريحا على ظهر العباد إلى يوم التناد، كما رأينا في مصطلحات البيعة التي احتفل بها عباد الوثن في دمشق في 17 يوليوز 2011م وهم يهتفون للقائد الأبدي بالدم بالروح نفديك يا أبو الجماجم... المشكلة تكمن في تجمع الناس وتظاهرهم، وهذه المشكلة أصبحت مقلقة للنظام البعثي في سوريا، فكيف يمكن فض هذا الاجتماع من الأصل حتى يستريحوا من كل تجمع وتظاهر للناس؟ في قناعتي أن النظام الأسدي أخطأ طريقه مرة أخرى في الحل الجذري لتجمع الناس واحتشادهم في المساجد. والحل هو عند وزير الخارجية السمين الذي اعتبر أن أوربا غير موجودة على الخارطة. يمكن تطبيق نفس المنطق بحل أسهل فنقول: لنعتبر أن المساجد غير موجودة! وبإمكان فتوى من مفتي الجمهورية بمباركة من البوطي أن تصدر على الشكل التالي: يمنع دخول المساجد والتجمع فيها لأنها تقود إلى فتنة، وما قاد إلى الحرام فهو حرام، ولذا أفتينا بإغلاق المساجد إلى حين آخر. لو أمكن إغلاق المساجد كما فعل الشيوعيون في طاشقند وكازاخستان لارتاحوا وأراحوا العباد والبلاد. تغلق جميع المساجد حتى إشعار آخر حماية لدماء المواطنين من المندسين والإرهابيين والسلفيين، وأي اقتراب ومحاولة تجمّع في المسجد أو قريبا منه تعالج بالرصاص الحي. عليهم، إذن، اللجوء إلى الأسلوب النازي القديم بنصب الرشاشات وحصد الناس حين الاقتراب أو محاولة التجمع في المساجد. كنت قد كتبت فيما سبق عن خطيئة الأب الوحش في شتاء عام 1982م أنه دمر نصف حماة وأبقى النصف الآخر الذي يتظاهر برمته في وجه الابن الوحش! كان عليه أن يفعل ما فعلته روما مع قرطاج فيدمرها كلية ويحرثها بالمحراث الروماني ويرش أرضها بالملح، فلا ينبت زرع ولا يمتلئ ضرع.. ولكن هذه الخطيئة القاتلة من الأب يدفع ثمنها الابن حاليا ويحتار في حلها روح القدس في قم وأصفهان. وحاليا، يجب على النظام اللجوء إلى الحلول الجذرية في حالات لا ينفع فيها الطب والتطبيب.. وآخر الدواء الكي، كما قالت العرب. لو أمكن للنظام إغلاق المسجد الذي تدب فيه الحياة حاليا ويبكي البوطي على غياب هدوئه ويعتذر الحسون عن المخربين فيه.. لو أمكن للنظام إغلاق المسجد فقد أمسك مفتاح الحل، فلا يتجمع الناس ولا يتظاهرون، وبالتالي يحمي النظام أرواحهم من القتل شفقة بهم، وتهدأ الأمور ويستمر القائد الأبدي يحكم إلى الأبد. ولكن السؤال المتدفق من جديد: هل هذا ممكن؟ كان يمكن معالجة الأمر مبكرا، فدرهم وقاية خير من قنطار علاج، والحالة الآن لا ينفع معها قنطار ولا قناطير، فالجماهير تهتف: الشعب يريد إسقاط النظام.. الشعب يريد إسقاط النظام.. ليجرب، إذن، الدواء الأخير في وجه الجماهير الغاضبة ويعلن إغلاق المساجد حتى إشعار آخر بتوقيع من مفتي الجمهورية ووزير الأوقاف وبركة البوطي. لعل الثورة تقف والنار في الغابة تكف عن اللهيب!