وسط الغيوم التي تتكاثر في الأفق مثيرة درجات متفاوتة من البلبلة والإحباط، حملت إلينا الصحف أمس (2/7) خبرين مفرحين أعادا إلينا بعضا من شعاع الأمل المحاصر. الخبر الأول أن رئاسة محكمة النقض ورئاسة مجلس القضاء الأعلى انتقلت إلى المستشار حسام الغريانى، أحد أكبر رموز الدعوة إلى استقلال القضاء. وهو ما يسوغ لنا أن نقول إن ذلك المرفق الجليل سيشهد في وجوده عهدا جديدا مبشِّرا بالثقة والأمل. فالرجل يناضل بصلابة منذ ربع قرن ضد تغول السلطة وبطشها، إذ كان المقرر العام لأول مؤتمر للعدالة عقد في عام 1986. وفي عام 1990 كان له دوره في وضع مشروع قانون السلطة القضائية. وحين أحيل اثنان من المستشارين على الإصلاحية لاتهامهما بالحديث عن تزوير الانتخابات البرلمانية عام 2005، فقد كان المستشار الغريانى واحدا من الذين أعلنوا عن أول اعتصام في تاريخهم (استمر شهرا) تضامنا مع زميليهم. كما أنه كان صاحب فكرة أول وقفة احتجاجية تمت بين قضاة الإسكندرية للمطالبة باستقلال القضاء. يذكر زملاء المستشار الغرياني أنه في عام 2005 كان يرأس دائرة محكمة النقض الجنائي ومعه المستشاران هشام البسطويسي ومحمود مكي، وتلقت الدائرة طعنا في انتخابات دائرة الزيتون التي نجح فيها رئيس الديوان السابق الدكتور زكريا عزمي. وكان الطعن متعلقا بالنائب الذي نجح معه، مرشحا عن العمال، وقد استند مقدمه إلى أسباب عدة كان من بينها أن الذين أشرفوا على الانتخابات في الدائرة لم يكونوا من القضاة ولكنهم كانوا من موظفي وزارة العدل. وقد ارتأى المستشار الغرياني وزميلاه أن ذلك السبب كاف لإبطال الانتخابات في الدائرة، الأمر الذي كان يعنى تلقائيا إبطال إعلان نجاح الدكتور زكريا عزمي. وإذ أصدروا حكما بذلك وأرسلوه إلى رئيس محكمة النقض المستشار حمدي خليفة ليتولى توجيهه إلى مجلس الشعب، فإن الرجل وجد نفسه في موقف حرج، وأراد تأجيل القرار والتسويف في تنفيذه. فأشَّر على الصفحة التي تضمنت الحكم مطالبا رئيس الدائرة التي أصدرته بالنظر في أسباب البطلان الأخرى الواردة في الطعن، وهو ما أثار غضب المستشار الغرياني، إذ اعتبر الملاحظة تدخلا في الحكم، فألغى الورقة التي عليها تأشيرة رئيس النقض واستبدلها بأخرى، وأصدر حكما شديد اللهجة اعتبر فيه أن التأشيرة بمثابة إتلاف لنسخة الحكم، وجريمة تشكل تدخلا في عمل القضاء، وهو ما أسكت المستشار خليفة ولم يستطع له ردا. الخبر السار الآخر أن الجمعية العمومية لنقابة المهندسين، التي فرضت عليها الحراسة منذ 16 عاما اجتمعت يوم الجمعة 1/7 لأول مرة منذ ذلك الوقت. وكانت آخر انتخابات أجرتها النقابة قد تمت في عام 91، الأمر الذي يعنى أنها لم تشهد أي انتخابات منذ ذلك الحين وحتى الآن، ويعني أيضا أن عشرين دفعة من المهندسين تخرجت خلال تلك الفترة، دون أن تكون لها أية صلة بالعمل النقابي في واحدة من أهم النقابات في مصر. كما يعني حرمان 465 ألف مهندس مسجل في النقابة من الإسهام في عمل نقابي أو عمل عام. في الاجتماع، قررت الجمعية العمومية التي رأسها الدكتور مصطفى الرفاعي، وزير الصناعة الأسبق، إنهاء الحراسة القضائية على النقابة، وفتح باب الترشيح لانتخابات مجلسها يوم 15 يوليو الحالي، وإجراء الانتخابات في 15 سبتمبر. كما قررت الجمعية العمومية إرسال وفد يمثل النقابة لزيارة ثلاث من دول حوض وادي النيل لمتابعة ملف المياه الذي غابت عنه طوال سنوات وضعها تحت الحراسة رغم ما لأعضائها من صلات وخبرات عريضة بالموضوع. طوال السنوات السابقة، كانت الشرطة تحاصر مبنى النقابة وظل الأمن يمنع أعضاءها من عقد الجمعية العمومية، لذلك كان غياب الشرطة ومخبري الأمن من أهم الملاحظات على ما جرى يوم الجمعة، كما كان حضور وزير الري الدكتور حسين العطفي إشارة إلى تضامن الحكومة مع مطلب المهندسين. إلا أن ما ينبغي أن يسجل للناشطين في النقابة أنهم طوال 16 سنة لم يكفوا عن محاولة رفع الحراسة بالطرق القانونية، وظلت معركتهم مع السلطة تدور سلميا في ساحة القضاء والمحاكم. اعتبرتُ الخبرين مفرحين لأنهما يشكلان تطورا إيجابيا على أرض الواقع وفي قلب المجتمع، الأمر الذي يجعلهما شيئا استثنائيا وسط انشغال الجميع بالسلطة وانتخابات الرئاسة والعراك على شاشات التلفزيون. أدري أن نقابات المهن الطبية انضمت إلى الساعين إلى تنشيط دورها وإجراء انتخابات جديدة لمجالسها، وذلك بدوره مما يستحق الحفاوة لأن النظام الجديد الذي نحلم به لن تقوم له قائمة إلا إذا حدث تطور يعيد إلى المجتمع عافيته ويرد إليه الروح التي أزهقها النظام السابق، حين خرب البلد وقعد على تلها. إن أي لبنة حقيقية تقام على الأرض أنفع وأبرك من ألف «حوار» مما تعدون.