هناك لعنات تلاحق دائما مظاهر التغيير وتلونها بلون الماضي وسلوكات اعتقدنا أنها طويت وابتلعها النسيان، لكنها سرعان ما تطفو لتذكرنا بأن العهد الجديد محكوم بجلباب الماضي وغير قادر على تغييره أو، على الأقل، تحديثه وتجميله.. وبأننا نتخبط بين الرغبة في المضي إلى الأمام والرجوع إلى الخلف.. فلا نحن هنا ولا نحن هناك والديمقراطية لا تعترف بما بينهما.. دستور بملامح جديدة وفصول تمديد التحديث والتغيير وتحسين الأوضاع، لكن تصاحبه وصاية متجاوزة من الإعلام الرسمي ومن الشخصيات السياسية للتأثير على العباد لقول «نعم»، فيما أعتقد أن الديمقراطية تقتضي أن نعرض مسودة الدستور الجديد بحياد، نفسره ونقرب الناس من تفاصيله ومكوناته ونترك لهم حرية إبداء الرأي ب«نعم» أو «لا».. لسنا مضطرين إلى قول «نعم» قبل أن نفرغ صناديق الاقتراع، ولسنا مجبرين على التأثير على المواطنين لقول «لا» نكاية في الإصلاحات الجديدة أو لرغبة ما.. إن كنا نتحدث عن قواعد الديمقراطية، وكم صرت أشمئز من هذه الكلمة لكثرة الدماء التي سالت عبر المعمور بحثا عنها كحبيبة ضائعة أو كنز مفقود أو ماء عذب وسط صحراء قاحلة. ثم إن الدستور الجديد يتطلب آليات جديدة في تفسيره وإشراك عموم الناس في فهم فحواه وكيفية تفعيله وعلاقته بالمعيش اليومي للناس، ليس بملصقات مكتوبة بأسلوب ركيك ومعلقة في الشارع العام، وليس ببرامج لا يفهمها سوى طلبة القانون ومدرسيهم، فقد امتعضت جدا من لافتة مكتوب عليها «سكان جماعة كذا يصوتون ب«نعم» للدستور» وقلت في نفسي بلؤم: ألا يوجد ولو مواطن واحد في هذه الجماعة سيقول «لا»..؟ إذن ليخرج ويمزق ذاك الثوب الأبيض المكتوب بخط رديء جدا والذي يختصر أصوات جماعة بكاملها. يجب أن يصدر مرسوم رسمي يمنع الجماعات ومن يقومون بكتابة هاته الأشياء في كل مناسبة وموسم، ويحظرها بتهمة إفساد الذوق العام والتعبير باسم المواطن. إن كنا نتحدث عن دستور جديد فيجب أن نضع قطيعة مع أساليب الماضي البالية والمتجاوزة والمتخلفة في التأثير على العباد وفي الدعاية والنقاش وفي البرامج والإعلانات وفي أسلوب التعامل مع المرحلة الجديدة التي يعيشها المغرب، فأعتقد أن هناك من لا يرغب في تبني أسلوب جديد في التعاطي مع معطيات الحاضر، ولربما هناك ربورطاجات شاهدتها ذكرتني بمثيلاتها التي صاحبت استفتاء «نعم» الماضي. العبارات نفسها، والوجوه نفسها.. وزوايا التصوير نفسها.. الملصقات نفسها والخط الرديء نفسه.. كل شيء هو نفسه، إذن كيف لنا أن نتحدث عن الجديد؟ ما يهم العباد هو تغيير فعلي يلمسونه في حياتهم اليومية، وما يهم الوطن هو أن يرى مواطنيه أهلا له.. يأخذون ويعطون، ويحيون يدا في يد من أجل غد لا تغرب شمسه إلا لتشرق من جديد.. إنه يوم استثنائي في تاريخ البلد، يخرج المغاربة ليقولوا كلمتهم في الدستور الجديد، وتاريخي أيضا لأن رشيد نيني قابع في السجن في اليوم ذاته، ظلما وقسوة وانتقاما.. هكذا هو قدرنا، لا تكتمل فرحتنا بشيء مطلقا.