يروي ابن الأثير عن مذبحة بغداد أن مغوليا أمسك برجل من أهل بغداد، فاستلبه ثم أراد قتله، فالتفت فلم يرَ سيفا، فصاح به إلزم مكانك حتى أرجع فأذبحك. تقول الرواية إن هذا الرجل انشل من الرعب وتجمد في مكانه، فرجع المغولي وهو يحمل ساطورا جيدا فاحتز عنقه بأناقة. وفي الأسطورة اليونانية، فكر شاب جريء القلب مثل ثوار سوريا في التخلص منها، هو «برسيوس»، وعرف أن أي مواجهة فيها الموت، كما أن الالتفاف من خلفها لا ينفع. فهداه تفكيره إلى شيء عجيب وخدعة مزدوجة يتخلص فيها من رؤيتها على أية حال ويشغلها حتى ضربة الموت بما لا تنتبه إليه. فماذا كانت الفكرة؟ ذهب «برسيوس» فأخذ درعه البرونزي وبدأ في تلميعه حتى استحال الدرع إلى مرآة لامعة تأخذ الأبصار ببريقها. اختبأ «برسيوس» خلف درعه الأثيني الكبير وتقدم ببطء تجاه الميدوسا. لم ترَ الشريرة سوى مرآة جميلة لوجهها الفاتن. انشغلت الميدوسا بالمرآة اللامعة، فبدأت في تفقد وجهها ونسيت أن هناك من يتحرك خلفه. حتى إذا وصل إلى نقطة المقتل منها ضربها الضربة التي أطار بها رأسها، وتخلص الناس من شرها، وذهبت مثلا في الأساطير. إن الأسطورة هي ترميز كبير إلى صراع الخير والشر، وليست هناك من أمة إلا ونقلت ترميزاتها الفكرية على صورة أساطير. والآن، فإن الشعب السوري يصنع الأسطورة ويكسر الرعب ويقتل الميدوسا الغرغونية. تقول الرواية إن الميدوسا ختمت حياتها بهذه الكلمات: «بيجاسوس» يا صغيري المجنح، فلتصعد إلى السماء وتنفلت من فخ الموت في عنقي ومن بين أحشائي التي غادرتها الروح، هيا أخرج يا ابن ملك البحار «بوسيدون»، وحين تمل من الطيران اِهبط للحظات إلى الأرض وليرسم حافرك حدود بحيرة «هيبوكريني» ليشرب كل الشعراء من فيض إلهامها، ثم ليعتلوا ظهرك الأبيض صعودا إلى السماء، فلن ترجمهم النجوم ولن تخونهم مقاعدهم بين السحب والشهب ...فالأرض لا تتسع لهم وللقاتل «برسيوس»، وليأخذ رأسي في كيس «أثينا» الغيورة التي أهدته الدرع وبسيف «هرمز» البتار، «هرمز» قائد الأرواح وصانع الأحذية والقبعات الطائرة، اقتلع «برسيوس» رأسي ذات الأفاعي ليقدمها قربانا إلى التنين كي يحظى بحبيبته «أندروميدا» قبل أن يبتلعها ذاك التنين. لن أنسى يا «بيجاسوس» الرعب الذي تلاعب في عيون «برسيوس» وهو يتفادى النظر إلى عينيّ لكي لا يتحول إلى حجر أصم لا يتفتت ويلقى المصير ذاته الذي تجرعه كل من تجرأ واقترب من كهفي من البحارة في تلك الجزيرة النائية الغائبة في أحضان البحر المتوسط، حيث نفاني إليها «زيوس» الظالم أنا وأخواتي الجرجونات العظيمة «ستينو» وذات الهروب الربيعي «ايرليو» وقد صارت أيدينا نحاسية وألسنتنا مشقوقة كألسنة الأفاعي وتحولت خصلات شعرنا إلى ثعابين رقطاء تصدر فحيحها طوال الوقت، هكذا حولت غيرة «أثينا» وحماقة أبيها «زيوس» خصلات شعري الذهبية التي عشقها فيَّ أباك «بوسيدون» ملك البحار الأعظم . رأيت ارتعاش «برسيوس» الوسيم حين دلف إلى الكهف بين رفاقه المرعوبين، وقد حولتهم جميعا إلى صخور تصطف بين آلاف الأجساد التي حجرتها نظرات عيني، ورأيت صورتي لآخر مرة منعكسة على درع «أثينا» والذي أهدته إلى «برسيوس» كي يراني فيه دون النظر إلى عيوني الجبارة . ستظل رأسي المعلقة على ذراع أثينا «الإيجس» ترعبهم وتبني من تحجرهم جبالا من الخوف والهزيمة.. ليس خطئي يا «بيجاسوس» أن خصلات شعري الذهبية وفتنة عيوني ووجهي وجسدي البديع جعلت من أبيك «بوسيدون» العظيم مغرما بي، ليلقاني في معبد الغيورة «أثينا»، وأسقط صريعة هواه وأرتضيه حبيبا وزوجا لي، منذ متى يا «بيجاسوس» أصبح العشق خطيئة تدنس حرمة المعابد!! ولتبقَ يا «بيجاسوس» وأخوك الشاهق «كريسيور» ما بين الأرض والسماء كآخر أيقونات «ميدوزا» التي أرعبتهم و لتحفل بالبحار التي ملكها أبوك «بوسيدون»، ولن يعرف «برسيوس» طعم الهناء مع حبيبته الخرقاء «أندروميدا»، وليفرح «زيوس» وابنته «أثينا» بما جنته أيديهما من ثأر وانتقام ... كانت تلك هي آخر كلمات «ميدوزا «إلى ابنها «بيجاسوس» وهو يتابع تحليقه إلى السماء منطلقا من عنقها المذبوح...