«يجب منع الترحال السياسي»، « الترحال السياسي يسيء إلى المشهد السياسي المغربي»، هكذا تعالت أصوات السياسيين والأكاديميين خلال الولاية التشريعية الحالية، التي عرفت سجالا كبيرا مع ظهور حزب الأصالة والمعاصرة، الذي تقوى بفضل الترحال السياسي، خاصة أن دستور 96 لا يمنع ذلك ويضمن للسياسي حق اختيار لونه السياسي. وتعالت أصوات بعض الأحزاب تطالب بتطبيق الفصل الخامس من قانون الانتخابات ومنع الترحال السياسي وقفا لنزيف الأحزاب بسبب هذه الظاهرة. لكن مشروع دستور 2011 حمل بين طياته الجديد، وبشر هذه الأصوات بتجريمه الترحال السياسي، حيث جاء في الفصل 61 من المشروع الدستوري قرار منع هذه الظاهرة التي أساءت للانتخابات، وحتى إلى المؤسسات المنتخبة. لكن كيف يمكن ل«الدستور الجديد للمملكة»، في حال التصويت عليه بنعم، منع الترحال السياسي؟ الفصل 61 من الدستور الجديد للمملكة «يجرد أي برلماني من عضويته في أحد المجلسين في حال ما إذا تخلى عن انتمائه السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، أو عن الفريق أو المجموعة البرلمانية التي ينتمي إليها، وتصرح المحكمة الدستورية بشغور المقعد، بناء على إحالة من رئيس المجلس الذي يعنيه الأمر». دسترة منع الترحال السياسي، التي أوردتها مسودات الأحزاب، صفق لها الكثيرون، واعتبرها إدريس لكريني ، أستاذ الحياة السياسية في كلية الحقوق بمراكش، «مدخلا مهما سيسهم في القضاء على هذه الظاهرة السيئة». «غير أن مواجهة هذا «الترحال» تفرض اتخاذ تدابير مختلفة في هذا السياق؛ بحيث ينبغي اعتماد الصرامة في تطبيق القانون»، يقول أستاذ الحياة السياسية بمراكش، مشيرا إلى أن المادة الخامسة من قانون الأحزاب التي تشير إلى أنه «لا يمكن لشخص يتوفر على انتداب انتخابي ساري المفعول في إحدى غرفتي البرلمان تم انتخابه فيها بتزكية من حزب سياسي قائم؛ أن ينخرط في حزب سياسي آخر إلا بعد انتهاء مدة انتدابه..»؛ لم تشر إلى جزاء صارم وواضح في حالة خرق هذا البند، كما أنها تظل غير واضحة؛ يضيف لكريني، مع وجود مادة أخرى في نفس القانون هي المادة 27 التي تشير إلى أنه «يمكن لكل عضو في حزب سياسي وفي أي وقت أن ينسحب منه مؤقتا أو بصفة نهائية شريطة الامتثال للمسطرة التي يقررها النظام الأساسي للحزب في هذا الشأن». لكن القوانين وحدها، حسب الأستاذ لكريني، غير قادرة على محاربة هذه الظاهرة، التي أصبحت تطبع المشهد السياسي المغربي. لكن أستاذ الحياة السياسية يعتبر بأن صناديق الاقتراع، التي جاءت بهؤلاء السياسيين إلى مناصب المسؤولية، هي من يجب أن تعاقبهم. وقال في تصريحات ل «المساء»: «ينبغي على المواطن أن يعاقب هؤلاء «الرّحل» بعدم التصويت عليهم خلال الانتخابات المحلية والتشريعية في ولايات تشريعية ومحلية لاحقة؛ بالصورة التي قد تسهم في ردع هذه الممارسات مستقبلا». الأحزاب السياسية هي الأخرى يجب أن تواكب هذا الفصل الجديد، وذلك من خلال مجموعة من الإجراءات، وتتحمل مسؤوليتها في محاربة الظاهرة. وفي هذا الصدد، يقول لكريني، في تصريحات ل«المساء» «بأن الأحزاب تتحمل مسؤولية جسيمة في هذا الشأن». وأضاف بأنه إلى جانب وظيفتها المفترضة والمرتبطة بتمثيل المواطنين وتأطيرهم وتنشئتهم، فهي مطالبة بإعداد نخب وفية وملتزمة بمبادئ الحزب ومستعدة للدفاع عنها». وكان الترحال السياسي قد أسال مداد الكثيرين وتعالت الأصوات المطالبة بمنع هذه الظاهرة التي أدت إلى تمييع العمل السياسي، لكن إدريس لكريني يعتبر أن هذه الظاهرة «تتعدى اعتبارها سلوكا مستفزا يميّع العمل السياسي وينمّي العزوف الانتخابي والسياسي؛ بل إنه يسيء بالدرجة الأولى إلى المواطن/ الناخب، على اعتبار أن هذا الأخير صوّت لصالح «برنامج» حزب معين»، وأشار إلى أنه يسيء أيضا لعمل الأحزاب السياسية التي لم تعد قادرة على إنتاج «نخب ملتزمة ومؤمنة ببرامجها وأفكارها، ومستعدة للتضحية في سبيل مبادئها وأهدافها في مواجهة كل إغراء أو ضغط. كما اعتبر أنه يضرّ بمؤسسة البرلمان التي يفترض أن تضم نوابا ومستشارين يستحضرون مصالح الأمة قبل أي شيء آخر، مشيرا إلى أنه يقوي صورة السياسي الذي يتهافت على تحقيق المصالح الشخصية. لكن المؤسف في الأمر ، يقول أستاذ الحياة السياسية بكلية القاضي عياض، هو «أن هذه الظاهرة غير السليمة أصبحت تتمّ من داخل أحزاب تعتبر نفسها محسوبة على الصف الديمقراطي». وعن أسباب هذه الظاهرة، التي تبقى كثيرة ومتباينة، فإن لكريني يعتبر بأنها تتنوع بين عوامل ذاتية مرتبطة بمستوى تعليم وثقافة وأخلاق ومبادئ الشخص الذي يسلكها؛ وعوامل موضوعية يجسدها عدم الصرامة القانونية في مواجهة الظاهرة؛ وتجسدها أيضا الاختلالات التي تعتور أداء بعض الأحزاب في علاقتها بغياب ممارسة ديمقراطية داخلية بما يحول دون تجدّد نخبها، وعدم استحضار الكفاءة والموضوعية في تزكية المرشحين، والرغبة في الفوز بعدد بمقاعد أكبر بكل الطرق والوسائل، بما يساهم في تكريس صورة البرلماني والمستشار الذي يسعى إلى تحقيق مصالحه الشخصية. وبالرغم من أن الجميع أجمع على أهمية تضمين منع الترحال السياسي في الدستور، فإن البعض طرح مجموعة من التساؤلات بخصوص المستفيد الأكبر من هذه الدسترة، هل هو المشهد السياسي، أم هو حزب بعينه؟