كانت الأمريكية كارلا ناش، البالغة من العمر حاليا 57 عاما، تقوم بزيارة لصديقتها ساندرا هيرولد، في 16 فبراير 2009 في ولاية كونيكتيكيت، حين هاجمها الشمبانزي «ترافيس». وبمعجزة، استطاع الأطباء إنقاذ حياتها، غير أنها عاشت، ولمدة سنتين، تحت المراقبة الطبية، بعد أن غادرت المستشفى. أثارت هذه الحادثة جدلا هائلا وتصدرت عناوين الصحف على مدى أشهر طويلة، حتى إنها ظهرت في برنامج «أوبرا»، بعد أن هاجمها الشمبانزي، الذي كان وزنه يتعدى 100 كيلوغرام، متسببا لها في فقدان يديها، شفتيها، أنفها وعينيها، تاركا إياها كفيفة و«مشوهة»، قبل أن تطلق عليه الشرطة النار وتقتله. وقد ظهرت كارلا أمام الجمهور بوجهها المشوه لأول مرة خلال لقائها مع أوبرا، قبل أكثر من عام، والآن، وبعد مرور عامين على الحادثة الأليمة، خضعت كارلا لعملية زراعة الوجه، وهي ثالث عملية من نوعها في الولاياتالأمريكيةالمتحدة. أما عن شفائها فيقول طبيبها المعالج: «أتوقع أن تستعيد كارلا حاسة شمها والإحساس بوجهها، كما سيصبح كلامها أكثر وضوحا، وفي النهاية، سوف تصبح قادرة على الابتسام وعلى الأكل بشكل طبيعي». اليوم المشؤوم في ال16 من شهر فبراير 2009، كانت كارلا ناش مدعوة من طرف صديقة لها وهي تملك شمبانزي يزن أكثر من 100 كلغ. اسمه «ترافيس» ويبلغ من العمر 14 سنة. كان «ترافيس» في ذلك اليوم عصبيا وخرج من المنزل وبحوزته مفاتيح السيارة... و يبدو أنه كان غاضبا، لأنه أراد الخروج في نزهة، وعند خروجه التقى بكارلا ناش، التي حاولت أن تعيده إلى المنزل هاجمها بشراسة وبدا وكأنه قد فقد صوابه. وقد حاولت ساندرا هيرولد، صاحبة «ترافيس»، أن توقفه، موجهة له عدة طعنات بالسكين، غير أن هيجان «ترافيس» لم توقفه إلا رصاصات رجال الشرطة الذين التحقوا بمكان الحادث، حيث اضطر شرطي لإطلاق النار عليه، بعد أن حاول الاعتداء عليه. وقالت كارلا: «كنت، دائما، أقول لساندرا إن «ترافيس» يخيفني، لأنه لم يكن يشبه «شمبانزي» بل كان أقرب إلى غوريلا، لقد كان كبير الحجم». عند وصولها إلى المستشفى في حالة ميؤوس منها، لم يكن الأطباء يعتقدون أن كارلا، البالغة من العمر 55 آنذاك، ستبقى على قيد الحياة، بل إن حتى رجال الإسعاف عندما وصلوا إلى مكان الحادث لم يتمكنوا، في الوهلة الأولى من معرفة ما إذا كانت رجلا أو امرأة... دخلت كارلا مباشرة بعد «الهجوم» في غيبوبة لعدة أسابيع، قبل أن تفيق منها. وبفضل مساندة عائلتها وإخوانها وابنتها، البالغة من العمر 17 سنة آنذاك، غادرت المستشفى، بعد بضعة أسابيع وظهرت في عدة برامج تلفزيونية، أشهرها «برنامج أوبرا»، الذي كشفت فيه لأول مرة عن وجهها. وقد قالت أوبرا بهذا الخصوص: «لقد كنت قلقة جدا من عملية كشف وجهها وما إذا كان يتعين علينا القيام بذلك بالفعل (...) إلا إنني، في نهاية المطاف، قلت لنفسي إنها يجب أن تتعايش مع الأمر الواقع. لقد سألناها ما إذا كانت تود إخفاء وجهها، غير أنها أرادت الكشف عنه». ولم تكن مقدمة البرنامج، السمراء، تريد أن تؤثر رغبتها في أن تكشف كارلا عن وجهها على قرارها (قرار كارلا). العملية الجراحية تكفل فريق طبي من الولاياتالمتحدة، يتكون من 30 جراحا، بإجراء عملية زرع وجه لكارلا في مستشفى «بريغهام» في بوسطن في الشهر الماضي، ولم يُرِد الأطباء الإفصاح عن موعد العملية، احتراما لخصوصيات المريضة ،وقال الأطباء إن الجراحة، التي استغرقت 20 ساعة، شهدت مشاكل عديدة. ولم تُفِق ناش إلا مؤخرا وزُرعت لها يدان أيضا، إلا أن الأطباء اضطروا لاستئصالهما ثانية. وكانت العملية، التي شارك فيها فريق طبي من 30 طبيبا، ثالث عملية زرع وجه تجرى في مستشفى «بريغهام» في بوسطن، في ولاية ماساشوستس. ولم تظهر ناش في المؤتمر الصحافي للمستشفى، إلا أنه أُعلِن أنه زُرِع لها أنف وشفتان جديدة، إضافة إلى جلد وأعصاب وعضلات الوجه، لكنها ظلت فاقدة للبصر. ويشار إلى أن هذه العملية التي خضعت لها ناش دفعت تكاليفَها وزارة الدفاع الأمريكية. ووصف د. بودان بوماك، الجراح الرئيسي للعملية، تشارلا ناش بأنها «شخصية شجاعة وقوية»، شجعّت فريق الجراحة على أن «يفعل ما يمكنه، مستغلين الخبرة الجماعية لاستعادة وجهها طبيعتَه» وقال إنه متأكد من أنها ستستطيع التحكم في أعصاب وجهها في الأشهر المقبلة وسيُمْكنها أن تشم وتأكل بشكل طبيعي. وبالطبع سيمكنها أكل «الهامبرغر»، الذي قالت إنه أمر مهم بالنسبة إليها، بعدما كانت تتناول منذ إصابتها الطعام المصفى فقط». لكن بوماك قال إن زرع اليدين كان «صعبا جدا» ولم ينجح في النهاية، بعدما أصيبت ناش بالالتهاب الرئوي وبتسممات في اليدين، رغم أنهما لنفس الواهب، وأكد الدكتور أنهم سيعيدون إجراء عملية أخرى لزرع يدين لها فور العثور على الواهب المناسب. ويقول الخبراء إن هذه العملية تنطوي على عدة مخاطر، لأن الأمر يتعلق بزرع الوجه واليدين في آن واحد. «زراعة الوجه واليدين عمليات جد معقدة والقيام بهما في آن واحد تحدٍّ كبير»، يقول الدكتور جوزيف لوزي من جامعة «بيتسبورغ»، الذي قام بعمليات عدة لزرع اليدين ويستعد لإجراء عملية أخرى لزرع الوجه عما قريب. «إن إجراء عملية زرع اليدين والوجه، كل واحدة على حدة أو إعادة زرع اليدين لناش سيشكل خطرا على حياتها»، يقول بريندباخ، المسؤول عن الجراحة التجميلية في جامعة «أريزونا». ابتهاج أفراد العائلة «إنها تبدو رائعة، لم أكن أظن أن شيئا مثل هذا ممكن.. إنها معجزة فأمي تبدو شخصا عاديا، إنني أشعر بسعادة فائقة لرؤية أمي تستعيد حياتها الطبيعة»، تقول بريانا، ابنة كارلا، البالغة من العمر 17. وتضيف، والتفاؤل يعلو محياها، أن أمها لم تحضر حفل تخرجها من الثانوية، مخافة أن تُحدث البلبلة وتُفسد فرحتها، لكن بريانا، الآن، وبعد إجراء أمها العملية، متأكدة من أنها لن تفوت حضور حفل تخرجها من الجامعة... وقال جون، المتحدث باسم العائلة: «لقد فضلنا أن تبقى هوية الواهب سرية، ولحسن الحظ، فقد نجحت العملية بفضل التوافق الجيني بين الشخصين». وقال ستيف ناش، شقيق المريضة، إن العملية كانت «معجزة»، مضيفا «نحن على ثقة من أن كارلا ستستعيد صحتها واستقلاليتها في المستقبل». وكانت صاحبة الشمبانزي، ساندرا هيرولد، توفيت في العام الماضي، إلا أن عائلة ناش يقاضون ورثتها، مطالبين بمبلغ 50 مليون دولار، كما أنهم سيقاضون الولاية بمبلغ 150 مليون دولار بتهمة الإهمال. وبخصوص شكلها وملامحها بعد العملية، يقول الدكتور أور بروماهاك: «وفقا لتجربتنا، فهي لن تشبه الواهب بل ستشبه قليلا ما كانت عليه قبل الحادث، لكنها قطعا لن تشبه الواهب». وأضاف: «لقد كانت فاقدة للوعي، والآن بدأت تستعيد وعيها. لا تشعر أنها فقدت يديها. ما زالت في حالة لا تسمح لها بذلك، إلا أنها تشعر بوجود الأشخاص من حولها، فعندما يدخل أحدهم الغرفة، تُحرّك رأسها. إنها في حالة جيدة ورئتاها تستعيدان العمل بشكل طبيعي... ما زال أمامها قليل من الوقت لكي تستعيد تماما عافيتها». موقع إلكتروني خاص لمساندة ناش تم إنشاء موقع خاص بكارلا ناش: «www.nashtrust.com»، ويتضمن جميع المعلومات المتعلقة بكارلا وعناوين مراسلتها في حالة وجود واهب يود مساعدتها، وهو موقع يعنى، أيضا، بجمع التبرعات المالية التي يتعهد الموقع بأن تُصرَف كاملة في رعاية المريضة وابنتها وفي تلبية جميع حاجياتهم.ا كما أن الموقع يؤكد أن القائمين على جمع هذه التبرعات لا يأخذون شيئا منها. وتتوجه عائلة ناش، من خلال الموقع، بكلمة شكر لكل من يسعى إلى مساعدتها ،كما يتضمن معلومات عن تطور صحة المريضة. وقبل إجراء العملية، قالت ناش إنها تود الرجوع إلى بيتها ولا ترغب في العيش طيلة حياتها في مصحة: «أريد أن أتناول الطعام بمفردي وأن أستعيد حواسي وأن أمسك «تشيز بورغر» بيدي وأضعه في فمي»... كما قالت: «إنني أغطي وجهي كي لا أُخيف الناس، ففي بعض الأحيان، هناك من يشتمني، لهذا قررت أن أغطّي وجهي، تفاديا لأي مشاكل»... «ترافيس» الشمبانزي المتوحش لم يكن «ترافيس» قردا عاديا بل كان معروفا في المدينة حيث شارك مرارا في بعض الإعلانات الاشهارية. ويعاب على ساندرا أنها ربت «ترافيس» كما لو كان أحد أولادها. وفي صباح يوم الحادث، بعد أن أصبح تصرف «ترافيس»غريبا، قامت ساندرا بإعطائه دواء مهدئ «زاناكس» وهو دواء يمكن أن يحدث تأثيرات جانبية على الإنسان مثل العنف والهلوسة والهيجان... إلخ. ويبدو أن هذا الدواء تسبب لترافيس في هيجان الشيء الذي دفعه للتصرف بعنف. غير أن ساندرا قبل أن تتوفى فسرت تصرف «ترافيس» بأنه ربما كان يحاول حمايتها ولم يتعرف على ناش لأنها غيرت تسريحة شعرها. كان «ترافيس» مصابا بداء لايم وهو داء خمجي ينتج عن الإصابة بواحد من إحدى 3 أنواع من بكتيريا بورليا. ويعد داء لايم أشهر داء منقول عن طريق القردة في نصف الكرة الأرضية العلوي. وتبتدئ أعراض المرض بالحمى وألام الرأس والإرهاق. و يبدو أن ترافيس لم يكن ويتلقى الرعاية الطبية اللازمة، رغم أنه كان يأكل كالإنسان ويرتدي ملابسه ويشرب النبيذ ويستعمل الحاسوب ويستحم لوحده. و من المعروف أن الشمبانزي قريب الصلة بالإنسان في السلم التطوري. ولقد تم تحديد خريطة جينومل من الإنسان والشمبانزي وانت النتيجة مذهلة إذ أن الحمض النووي للشمبانزي مطابق بنسبة من 94،6 % إلى 99،4 % وهناك اختلاف بين العلماء في تحديد نسبة التطابق ولن ليس هناك عالم أعطى نسبة أقل من 9 4% ، ويرجع بعض العلماء هذا التطابق النسبي إلى أن الإنسان والشمبانزي يلتقون في جد مشترك قبل ما يقرب من 6 ملايين سنة قبل الآن في القارة الأفريقية. أمريكي خضع لعملية زراعة وجه يؤكد استعادته حاسة الشم أجريت عدة عمليات زرع وجه منذ العملية الأولى في فرنسا عام 2005، وأكملت أول عملية زرع وجه بالكامل في اسبانيا عام 2010. وأجريت عملية زراعة وجه لرجل في أمريكا تمكن بعدها من استعادة حاسة الشم. وكان وجه الرجل واسمه دالاس وين قد احترق نتيجة حادث تماس كهربائي عام 2008، وقد ظهر على الملأ للمرة الأولى منذ إجراء العملية له الاثنين، وقال إنه يتطلع لعناق ابنته وإنه يأمل بالعودة إلى الجامعة بعد شفائه التام. وقال وين «أنا في السادسة والعشرين، والحياة أمامي». وقال الأطباء الذين أجروا العملية في مدينة بوسطن إن عودة الأعصاب والعضلات للعمل بشكل طبيعي سيتطلب بعض الوقت ولكنهم واثقون أن الأمور ستعود لمجراها. وقال الدكتور جيفري جانيس الذي شارك في إجراء العملية التي استمرت 15 ساعة إنها تشكل «خطوة جديدة إلى الأمام في العمليات التجميلية». وخضع وين لأكثر من عشرين عملية منذ عام 2008. وقد مول الجيش الأمريكي عملية زرع الوجه، على أمل أن يساعد نجاحها في إجراء عمليات مشابهة لجنود أصيبوا في الحروب. ولم يتمكن الأطباء من إعادة حاسة النظر لوين، وقد بدا وهو يرتدي نظارة شمسية كبيرة، ولكنه قال أن استعادته حاسة الشم وقدرته على التنفس من خلال الأنف كانت المظاهر الأهم لشفائه.وقال للصحفيين إن أول شيء شمه بعد العملية هو رائحة اللازانيا في المستشفى (طبق إيطالي)، وانه لم يكن يتصور أن رائحته بهذه اللذة.وعبر وين عن امتنانه الشديد لعائلة الشخص الذي استخدم وجهه في الجراحة.